تتكلم التقارير الغربية كثيرًا عن الجهاديين والاسلاميين في سوريا، لكنها تغفل ذكر أطباء بريطانيين تركوا رفاهيتهم وانتقلوا إلى سوريا، متطوعين للتخفيف من آلام الناس هناك.


لندن: يخاطر عشرات الأطباء البريطانيين بحياتهم في مهمات سرية ينفذونها داخل سوريا، كما كشفت منظمات خيرية وانسانية. وسلط مقتل الطبيب اللندني عيسى عبد الرحمن أخيرًا الأضواء على العمل الخطير الذي يقوم به المتطوعون في سوريا. وكان الدكتور عبد الرحمن (26 عامًا) يقدم مساعدته في احد المستشفيات المتنقلة في محافظة ادلب شمال غربي سوريا، عندما تعرض المستشفى للقصف.
وركزت غالبية التقارير التي تتحدث عن توجه بريطانيين إلى سوريا على العمل الجهادي والخوف من التطرف، وما قد يحدث حين يعود هؤلاء المجاهدون إلى بريطانيا. ويقدر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن نحو 100 شخص من بريطانيا انضموا إلى جماعات اسلامية تقاتل في سوريا.

جهود إغاثة
لكن هناك كادرًا آخر من المتطوعين الانسانيين الذين يعملون بصمت في سوريا. وبسبب طبيعة النزاع السوري الذي اسفر عن مقتل نحو 80 الف شخص حتى الآن، من الصعب على المنظمات الانسانية الكبيرة أن تدخل مناطق تسيطر عليها قوات المعارضة. فبادرت منظمات صغيرة إلى ذلك، بمشاركة عاملين في الحقل الصحي وعشرات آخرين غالبيتهم من اصول سورية، لإيصال امدادات من البطانيات والملابس والأدوية. وتسلل طبيب بريطاني يعمل في احدى مؤسسات الخدمة الصحية الوطنية وسط انكلترا إلى سوريا مرتين مع منظمة quot;يدًا بيد من اجل سورياquot; الخيرية، التي ارتبط بها الدكتور عبد الرحمن قبل مقتله.
وهُرب طبيب التخدير (40 عاما)، الذي استخدم اسم الدكتور محمد لحماية عائلته في سوريا، عبر الحدود اللبنانية في المرة الأولى خلال نيسان (ابريل) من العام الماضي، حاملًا معه جهاز تهوية وآلة تخدير إلى مستشفى في القصير. وكان المستشفى مخفيًا في مبنى من ثلاث طوابق خشية أن تستهدفه قوات النظام السوري. وكانت الظروف صعبة للغاية في المستشفى، حيث كان المرضى يتمددون على ألواح بلاستيكية على الأرض وطاولة العمليات تُضاء بعدد من المصابيح المنزلية.

تجربة مروعة
نقلت صحيفة تايمز عن الدكتور محمد، السوري الذي يحمل الجنسية البريطانية ولديه طفلان، انه صُدم حين عاد إلى وطنه ليرى مثل هذه الاصابات المروعة. وكان بين الجرحى فتاة أُصيبت اثناء جني البطاطس في حقل عائلتها، ومهندس جُرح بقذيفة حين كان يعمل على إعادة الكهرباء إلى البلدة.
وقال الدكتور محمد إن مهنة الطب تضع على عاتقه التزامًا بالمساعدة. واوضح قائلًا: quot;إذا كنت مهنيًا طبيًا، فإنك تشعر بواجب العناية بالآخرين، وهذا ما يجعل الخدمة الصحية الوطنية مؤسسة عظيمة في بريطانياquot;. وتعلم الأطباء السوريون من الدكتور محمد خلال رحلته الأولى. وكانت هذه الزيارة فرصة له وللمنظمة الخيرية التي يعمل فيها لتقدير الاحتياجات على الأرض.
وإذ عاد الدكتور محمد الآن إلى بريطانيا، فإنه يعمل ما بوسعه لطوي هذه الصفحة في حياته. وقال لصحيفة تايمز: quot;أحاول ألا أُفكر في الأمر، لأن علي التزاما تجاه الناس هنا، فانه واجبي كطبيب ولهم كل الحق في أن ينالوا كل اهتماميquot;.
لكن تفكير الدكتور محمد يعود احيانًا إلى المعاناة التي شاهدها. يقول: quot;تتابع اشرطة الفيديو الآتية من سوريا وتتذكر ما رأيته هناك، ترى طفلًا يبكي من الألم لعدم توفر المسكنات وتفكر، يكفي شخص مثلي لديه مهاراتي لمساعدة هذا الطفل... ينبغي أن أكون هناكquot;.

من أصول سورية
يتعذر تقدير عدد الأطباء البريطانيين الذين ساروا على خطى الدكتور محمد. ولم تتمكن وزارة الصحة ولا وزارة الخارجية البريطانية من اعطاء تخمينات. لكن مسحًا للمنظمات الخيرية العاملة داخل سوريا يشير إلى أن أكثر من 30 طبيبًا توجهوا إلى سوريا. وساعدت منظمة quot;يدًا بيد من اجل سورياquot; 20 طبيبًا من بريطانيا على دخول سوريا خلال الاشهر الاثني عشر، حتى شباط (فبراير) الماضي، وكلهم تقريبًا من أصول سورية.
ونقلت منظمة اطباء بلا حدود 6 اطباء بريطانيين إلى سوريا بينهم راتشيل كريفن، وهي طبيبة تخدير من مدينة بريستول، خصصت اسبوعين من اجازاتها العام الماضي للعمل في مستشفى ميداني شمالي سوريا. ولا تشجع منظمة quot;يدًا بيد من اجل سورياquot; المتطوعين على الذهاب إلى سوريا. وقال الدكتور محمد إنها مخاطرة كبيرة.