الأوروبيون غير موحدين إزاء ما يجري في سوريا، كما أن ثمة رأيين متنازعين داخل الإدارة الأميركية، وتطغى على القرارات الخشية من الوقوع ثانية في الفخ الليبي الذي أدى إلى تسيب ليبيا وخضوعها للاسلاميين، ولهذا ارتاح الغرب عندما استخدم الروس الفيتو ومنعوا التدخل الغربي في سوريا.

مع اقتراب مؤتمر جنيف-2 لإنهاء نزيف الدم في سوريا، أخذت ثلاث فرضيات عن دور الغرب في النزاع تنال قبولًا واسعًا. أولًا، كلما طال أمد النزاع زادت احتمالات التدخل العسكري الغربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ثانيًا، هناك اختلاف عميق وحاد بين الولايات المتحدة وروسيا يزيد الحل صعوبة. وثالثًا، الحرب الأهلية السورية تستحوذ على تفكير الغرب بشأن الشرق الأوسط عمومًا.
بادئ ذي بدء، ليس هناك في الواقع رؤية غربية موحدة إزاء ما يجري في سوريا. وكما كشف السجال المرير بين وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي حول رفع الحظر على تسليح المعارضة، فإن الدول الاوروبية منقسمة انقسامًا عميقًا بدعوة فرنسا وبريطانيا إلى تسليح المعارضة، وشك المانيا في صواب مثل هذه المبادرة، ومعارضة دول أخرى مثل هولندا وفنلندا والسويد. وهناك انقسامات داخل البلدان نفسها. ففي الولايات المتحدة يريد وزير الخارجية جون كيري تسليح المعارضة، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز، لكن الرئيس باراك اوباما ما زال يعارض ذلك. وعلى ضفتي المحيط الأطلسي، تميل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية إلى اتخاذ موقف أشد حذرًا من موقف السياسيين والدبلوماسيين.
سوء المثال الليبي
أخذ النقاش في الآونة الأخيرة يميل إلى ترجيح كفة المعارضين للتدخل، رغم استمرار سفك الدماء وتزايد عدد الضحايا كل يوم. ومن اسباب ذلك أن تغييرًا غير محسوس طرأ على النظرة إلى النزاع. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن وزير في الاتحاد الاوروبي قوله: quot;كنا نعتقد اننا نتعامل مع احتجاجات ديمقراطية ستطيح بالأسد بسرعة، لكنها في الحقيقة حرب اهلية والأسد يتمتع بتأييد داخلي واسعquot;.
والأكثر من ذلك، صدق الغرب في ادانة ما يقترفه النظام السوري من فظائع يقابله توجس من تعاظم قوة الجهاديين في صفوف المعارضة. وقال مسؤول بريطاني كبير إنه كلما طال امد النزاع زادت صعوبة الوقوف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك.
ومثل هذا الرأي ليس سياسة بريطانيا الرسمية بالطبع، بل على العكس فإن حكومة ديفيد كاميرون تواصل الضغط من اجل تسليح الفصائل المعتدلة في المعارضة السورية. ويقول دعاة التدخل إن احتمالات سيطرة الجهاديين على المعارضة السورية ستكون أكبر إذا لم يسارع الغرب إلى دعم فصائلها الوطنية المعتدلة. لكن الثقة بقدرة الغرب على اختيار ديمقراطيين بين قوى المعارضة تزعزعت مع استمرار تردي الوضع في ليبيا. ورغم اعتبار ليبيا مثالًا على تدخل الغرب بنجاح، فإن المحصلة النهائية لا توحي بذلك. فمناطق ليبية شاسعة تعيش وضعًا سمته انعدام القانون. وفي المدن يوجه الجهاديون مسدسًا إلى رأس الديمقراطيين، كما نقلت فايننشيال تايمز عن مسؤول غربي. ويرد دعاة التدخل قائلين إن الامتناع عن التدخل الانساني في سوريا سيؤجج مشاعر العداء للغرب التي تشكل وقود الارهاب.
بين الخيار والضرورة
يعني الخوف المتعاظم من صعود التطرف الاسلامي في الشرق الأوسط أن الاختلافات بين الموقفين الروسي والاميركي أقل عمقًا الآن. ولعل ذروة الغضب الغربي كانت في شباط (فبراير) 2012 عندما وصفت وزيرة الخارجية وقتذاك هيلاري كلنتون الموقف الروسي بالنذالة. وما زال هناك الكثير مما يثير امتعاض المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من دعم موسكو لنظام الأسد، عازين هذا الدعم إلى خوف مرضي من نيات الغرب أو رغبة الكرملين في الحفاظ على قاعدة بحرية في المنطقة. لكنّ هناك وراء الكواليس اعترافًا بوجاهة تحذيرات موسكو من صعود التطرف الاسلامي. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن وزير غربي قوله: quot;دأب الروس على أن يقولوا لنا إننا سذج وربما كنّا سذجًاquot;.
وثمة سبب ثالث لتقاعس الغرب عن التحرك الجدي في سوريا، وهو ايران إذ يتعاظم قلق الغرب من تقدم طهران نحو امتلاك سلاح نووي. ويحذر بعض القائلين إن الولايات المتحدة وحلفاءَها قد يتعين عليهم توجيه ضربة إلى ايران بدلًا من التدخل في سوريا. وفي هذا الشأن قال مسؤول غربي إن سوريا ستكون حرب اختيار ولكن ايران ستكون حرب ضرورة.
قلق من الجهاديين
هناك رأي مضاد يؤكد أن الحرب الأهلية في سوريا خطر أكبر على الأمن الاقليمي من قنبلة إيرانية غير موجودة. ويذهب حتى بعض الذين ينظرون إلى التهديد الايراني بجدية إلى أن أقوى ضربة يمكن أن توجه ضد النظام الايراني هي اسقاط حليفه في المنطقة، نظام الأسد.
وأمام هذه الحسابات الباردة، تتراجع مأساة السوريين وتتلاشى. ويتساءل مراقبون لماذا لا يتدخل الغرب لإيقاف حرب مستعرة في سوريا بدلًا من اشعال حرب مع ايران.
وتتوقف الاجابة على سلم الأولويات لدى من يوجَّه اليه السؤال. فالقادة الغربيون من ذوي ما يُسمى النظرة الواقعية إلى السياسة الخارجية، ولعل اوباما احدهم، يرون أن الهدف الأول هو حماية دولتهم ومواطنيهم ضد ما يهدد أمنهم. ويعني هذا أن القلق من الجهاديين في سوريا أو القنبلة النووية الايرانية يعلو على الرغبة في اسقاط نظام الأسد.