تمارس القوات المسلحة سلطة حقيقية في مصر، ويمكن القول إنها تدير الأمور من وراء الكواليس وهي صاحبة الكلمة الفصل، وتملك القوة اللازمة للضغط على الرئيس محمد مرسي ويمكن أن تطلب منه خلال الفترة القادمة تقديم تنازلات كبيرة للمعارضة.


القاهرة: رغم إحجام الجيش عن القيام بأدوار سياسية واضحة في مصر، إلا أنه سعيد بممارسة السلطة من وراء الكواليس.
وللجيش تاريخ حافل في حسم الأمور في مصر، فأول ثورة في تاريخ مصر الحديث نفذها جمال عبد الناصر وquot;الضباط الأحرارquot;، أطاحت بالملكية وبشرت بالجمهورية الأولى في عام 1952. وتصرفات الجيش في عام 2011 سمحت للشعب بإسقاط حسني مبارك من دون إراقة دماء شاملة. أما اليوم، فيتحرك الجيش من جديد من أجل quot;إنقاذquot; البلاد من المشاحنات بين السياسيين.
صرخات هتاف الفرح التي اندلعت بين الحشود في ميدان التحرير عند صدور بيان الجيش، كانت الدليل على رد الفعل الايجابي من أولئك الذين يحتجون ضد الرئيس محمد مرسي. رد فعل الناس على هذا النوع من الانقلابات العسكرية ما كان ليكون مشابهاً في الثورات الأخرى التي وقعت في جميع أنحاء العالم العربي. أما أنصار مرسي، فيرون أنها ضربة كارثية تعيدهم إلى أيام ما قبل الثورة.
وكان وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي حريصاً على توضيح ما هو مستعد لفعله، وذلك في بيان بث على التلفزيون، شدد فيه على وضع quot;خريطة طريق للمستقبلquot; داعياً إلى عملية quot;شاملةquot; من شأنها أن تضع حداً للشقاق بين الإخوان المسلمين والمعارضين، من دون التورط بشكل مباشر في السياسة والحكومة.
تنحي الرئيس وارد
السيسي لم يدع بوضوح إلى تنحي الرئيس، على الرغم من أن مهلة 48 ساعة التي أعطيت لجميع الاطراف توحي بوضوح أن ذلك يمكن أن يحدث. وكانت هذه المهلة تذكيراً صارخاً بأنه على الرغم من جميع الأحداث والتضحيات التي بذلت في الثورة المصرية، يبقى الجيش هو صاحب الحكم النهائي في السلطة.
واعتبرت صحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; أن ما يحدث في مصر يعيد إلى الأذهان شبح الجزائر في عام 1991 عندما تحرك الجنرالات لإلغاء الجولة الثانية من الانتخابات التي كان من المتوقع أن يفوز بها حزب اسلامي.
الفارق الوحيد هو أن مصر أتمت عمليتها الانتخابية التي فاز بها الإخوان. لكن الخوف الآن، هو أن الاستقطاب والجو المشحون بشكل خطير، قد يؤدي إلى مستويات عنف مماثلة للتجربة الجزائرية.
غضب الاخوان المسلمين من خطوة الجيش يعكس شعورهم بالخذلان من قبل الجنود الذين اعتقدوا انهم سيقفون على الحياد. في الصيف الماضي، نال مرسي المنتخب حديثاً الاستحسان لتحركه بسرعة وفعالية ضد القادة من عهد مبارك في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعيّن السيسي من أجل تأكيد السلطة المدنية في الجيش.
ومع ذلك، فإن الجانبين حافظا على شراكة من نوع ما خلال الفترة الانتقالية الطويلة والتي شهدت حالة من الفوضى في ظل ديمقراطية متهالكة ومختلة وظيفياً في مصر. ومن المعروف أن الجيش قريب عقائدياً من المعارضة العلمانية لكن جماعة الإخوان لا تزال الأكثر تنظيما في البلاد، وذلك بعد عقود من الحياة السياسية الاستبدادية.
وتمكن الجيش من الحفاظ على امتيازاته والمصالح الاقتصادية الضخمة، إلى جانب علاقته الاستراتيجية الحيوية مع الجيش الأميركي والبنتاغون، وهذا يبدو بوضوح من تعليقات الرئيس الأميركي باراك أوباما التي أوحت بموافقته على تدخل الجيش.
وعلى الرغم من ان الجيش متردد في تحمل مسؤوليات سياسية وحكومية واضحة، إلا أنه بالتأكيد سعيد بممارسة السلطة وراء الكواليس. هذه الحال تعكس رؤية الجيش لنفسه، إذ إنه quot;مؤسسة مستقلة فاعلة ذات دور سياسي متميزquot; على حد تعبير الباحث الفلسطيني يزيد الصايغ.

خطوات بدون مشاورة الرئاسة
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي ndash; أي الفترة التي تسبق الاستفتاء على الدستور - دعا السيسي الرئيس مرسي، والوزراء ومجموعة واسعة من الشخصيات السياسية والعامة إلى ما أسماه quot;الحوار الاجتماعيquot; ndash; في خطوة سياسية اتخذت من دون التشاور مع الرئيس أو مجلس الوزراء.
في الماضي، تدخل الجيش أيضاً على الساحة السياسية إنما بشكل تكتيكي محدود. لكن السيسي حذر صراحة يوم 23 حزيران/يونيو بأنه سيتدخل في حال حدوث اشتباكات بين انصار الحكومة والمعارضة وخروج الوضع عن نطاق السيطرة ما يهدد بدخول البلاد في quot;نفق مظلم من الصراعquot;.
وفي ظل استمرار الاحتجاجات الحاشدة لحركة (تمرد)، واستعداد مناصري مرسي لتنظيم تظاهرات لدعمه، يبدو أن جنود مصر قد اتخذوا زمام السلطة في البلاد بأيديهم مرة أخرى.
واعتبرت الـ quot;فورين بوليسيquot; ان مصر هي البلد الوحيد حيث يتم الإعلان فيها عن الانقلاب مقدماً، مشيرة إلى أن الاهتمامات الرئيسة للجيش هي الحفاظ على استقلاله وجهاً لوجه مع بقية مؤسسات الدولة، وضمان استقرار البلاد.
الكثير من الأسئلة تتبادر إلى الأذهان بعد صدور بيان الجيش: هل سيحدث انقلاب على الرئيس أم أن هذه الخطوة مؤجلة في الوقت الحالي؟ كيف سيكون رد فعل الاخوان؟ ماذا يمكن أن يفعل مرسي؟ ما هي الخطوات المقبلة للمعارضة؟؟
أفضل سيناريو في هذا السياق هو أن يبقي الجيش مرسي في سدة الرئاسة استرضاء للاسلاميين ومنعاً لردود فعل عنيفة، لكنه سيرغمه على اتخاذ سلسلة من التنازلات التي تنزع فتيل الوضع القابل للاشتعال في الشارع.