لم تكن عملية الإفراج عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لتمر بهذا الشكل العابر لولا انشغال الجميع في الحديث عن مستقبل البلاد، بعد المواجهات الدامية بين العسكر والإخوان.


القاهرة: مرت عملية انتقال الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك من السجن الى مقر الاقامة الجبرية، رغم رمزيتها، بهدوء بين اوساط الجماعات التي اطاحت به بداية 2011، في بلاد منشغلة اصلاً بالمواجهة الدامية بين السلطة الموقتة والاسلاميين.

ومن دون أن تثير أي ضجة سياسية او اجتماعية، حطت مروحية طبية في سجن طرة وحملت، على وقع هتافات مجموعة صغيرة من الانصار وسط غياب تام للمعارضين، مبارك الى مستشفى المعادي العسكري القريب في القاهرة.

ويقول بارا ميخائيل الباحث المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في المؤسسة الاسبانية للعلاقات الدولية والحوار لوكالة فرانس برس: quot;ربما كان من الصعب، قبل عام، أن نتخيل خروجه من السجن من دون تظاهرات احتجاجية متواصلةquot;.

ويضيف quot;لكن الاحداث الجارية تبدو وكأنها تحد من تأثيرات اخلاء السبيل هذا، رغم أن هذا الامر لا يعني أن المصريين غير مبالينquot; بمسألة خروج مبارك (85 عاماً) الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لعقود، من السجن.

وتعيش مصر منذ اكثر من اسبوع على وقع مواجهة دامية بين سلطة موقتة عيّنها الجيش في تموز/يوليو عقب عزله الرئيس الاسلامي محمد مرسي، وجماعة الاخوان المسلمين التي تتهم القوات المسلحة بـquot;الانقلاب على الشرعيةquot;، قتل فيها نحو الف شخص.

وبدأت هذه المواجهة المباشرة بعدما فضت قوات الامن بالقوة في 14 اب/اغسطس الحالي اعتصامين مؤيدين لمرسي في القاهرة، في عملية اعلنت بعدها الحكومة حالة الطوارىء لمدة شهر وفرض حظر التجول في 14 محافظة من الساعة 19,00 الى الساعة 6,00 بالتوقيت المحلي.

ويمثل حدث الافراج عن مبارك، الذي ظهر كمادة ثانوية في صحف اليوم، تحولاً دراماتيكياً رمزياً للاحداث في مصر، حيث سيكون للبلاد رئيسان سابقان قيد المحاكمة، مبارك في الاقامة الجبرية في مستشفى عسكري بقرار من السلطة، ومرسي، المتهم مثله مثل مبارك بالتواطؤ في قتل متظاهرين، والموقوف في مكان غير معلوم.

وعلى مدى عامين ونصف العام، شهدت مصر حركتين شعبيتين حاشدتين، الاولى اطاحت بمبارك الذي حكم اكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، ما لبث أن استكملت بحركة احتجاجية ثانية استهدفت اول رئيس مدنيمنتخب بعد اتهامه بمحاولة quot;اسلمةquot; مفاصل الدولة.

ومع خروج مبارك من السجن اليوم، يدخل السجن نفسه قادة كبار في جماعة الاخوان المسلمين التي حكمت مصر لسنة واحدة بعد سقوط مبارك قبل أن تفقد بين ليلة وضحاها في تموز/يوليو ما عملت سرًا على انجازه منذ تأسيسها في العام 1928.

ويقول مدير الابحاث في quot;معهد بروكينغزquot; في الدوحة شادي حميد في هذا السياق quot;إنه أمر غير معقول! الرمزية في خروج مبارك لا يمكن التغاضي عنها، وما نراه حاليًا أمر غير مسبوق على نطاق واسعquot;.

ويتابع quot;هو تبدل جديد في الادوار، حيث أن معظم القادة المنتخبين باتوا في السجنquot;.

ورغم أن مبارك حصل على امر بإخلاء سبيل الاربعاء على خلفية آخر قضية كان يسجن على ذمتها، وهي قضية فساد تعرف باسم quot;هدايا الاهرامquot;، فإنه لا يزال يحاكم في ثلاث قضايا من بينها التواطؤ في مقتل متظاهرين، وهي قضية سبق وأن تقرر اخلاء سبيله فيها بسبب انقضاء المدة القانونية لحبسه احتياطيًا (24 شهرًا)، على ان تستكمل جلساتها الاحد.

وأدت محاكمة اولى في حزيران/يونيو 2012 الى الحكم بالسجن المؤبد على الرئيس الاسبق على خلفية هذه القضية، لكن محكمة النقض امرت مجدداً باجراء محاكمة جديدة بدأت في 11 ايار/مايو.

وقتل نحو 850 متظاهرًا ابان الانتفاضة التي اطاحت نظام مبارك. وكان مشهد مبارك داخل القفص للمرة الاولىعند بدء المحاكمة في الثالث من اب/اغسطس 2011 مشهداً تاريخياً وخصوصاً أنه اول رئيس عربي يعتقل ويحال على المحاكمة في سياق ما عرف بـquot;الربيع العربيquot;.

وقد مثل الرئيس الاسبق، بشعره الاسود المصبوغ رغم مرور الزمن وبنظرته التي يخفيها في غالب الاحيان خلف نظارات سوداء، طوال محاكمته على سرير نقال داخل قفص الاتهام في مشهد يتناقض كثيرًا مع صورته السابقة كزعيم قوي مرهوب الجانب.

وعانى مبارك الذي كان يوصف بالعنيد والمتكبر، من اكتئاب حاد وصعوبة في التنفس ومشاكل قلبية وارتفاع في ضغط الدم، ونقل اكثر من مرة الى المستشفى منذ ايداعه السجن وخصوصًا بعد اصابته بجلطة دماغية في نهاية حزيران/يونيو 2012 وسقوطه في الحمام في 19 كانون الاول/ديسمبر من العام ذاته.

ويقول المحلل المصري المستقل هشام قاسم لفرانس برس: quot;من كان يتخايل أن يحدث لمبارك ما حدث له؟quot;.

ويضيف: quot;بعض المصريين حاربوه لمدة 20 سنة من اجل اقامة دولة القانون، ولذا يجب أن نقبل بخروجه من السجن، ووضعه قيد الاقامة الجبرية، لأننا لسنا في وارد التركيز على أي انتقام شخصي منهquot;.

ويتابع: quot;الناس اطاحت به من اجل امور اساسية، (...) من اجل تحسين مستوى حياتها واستبدال نظامه الفاشل، ولذا فإن رمزية هذا الحدث لن تغيّر شيئًا في مسار الاحداث. نظامه رحل بلا رجعة، ورحلت معه ايامه السوداءquot;.