جينان: رغم محاولة السلطات الصينية ان تجعل من محاكمة بوتشيلاي بتهم الفساد دليلاً علنيا غير مسبوق على عدالتها، إلا أن القيود على النشر وغياب الإشارة إلى مسؤولين آخرين قد يؤدي إلى اخفاق السلطات أمام محكمة الراي العام الصيني، حسب ما يرى محللون.

بو الذي كان يدير مدينة شونغينغ الكبرى في جنوب غرب البلاد واحد السياسيين الـ25 الاكثر نفوذا، اثار انقساما في القيادة الشيوعية بشعبويته اليسارية الصاخبة وفضيحة قتل اثارت ضجة كبرى وكانت محفزا لسقوطه.

لكن الدولة ذات الحزب الواحد تخلت عن تقليدها بإجراء محاكمات سريعة وبسيطة بعيدا عن الإعلام يعترف فيها المتهمون بذنبهم في الغالب، وسمحت لبو بصياغة دفاع حاد واستجواب شهود مباشرة، في حين يندر أن تشهد المحاكم الصينية إدلاء أي شهود بافاداتهم.

حتى ان المحكمة في مدينة جينان الشرقية نشرت بانتظام محاضر مصاغة بعناية للمحاكمة التي استغرقت خمسة ايام على موقع سينا وايبو الموازي الصيني لموقع تويتر.

وصرح نيكولاس بيكيلن الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش في هونغ كونغ ان quot;اي قرار قضائي يمكن أن يبعد بو لفترة طويلة جدا، ينبغي ان يتمتع بأقصى مستوى من الشرعية كي يزيل عن الحزب وصمة تورط احد قياديه البارزين في هذا النوع من الفساد والاستغلال بكل جرأة ووقاحةquot;.

واضاف ان quot;اجراء محاكمة جيدة كهذه تبدو كمحاكمة حقيقية، سيمنح شرعية لنتيجتها، وهذا لمصلحة الحزبquot;. وتكشفت فضيحة اغتيال رجل الاعمال البريطاني نيل هيوود اثناء الاستعداد لتسليم السلطة الذي يجري كل عشر سنوات في الحزب الحاكم، وهذه الملاحقات تشكل نوعا من quot;اغلاق ضفحة هذه الخلافة الفوضوية والصراع على السلطةquot; بحسب بيكيلن.

لكن المعلومات المحدثة التي نشرتها المحكمة يوميا على الانترنت كانت جزئية وازداد تاخرها مع استمرار الاجراءات. واشار محللون الى ان المحاكمة برمتها قد تبدو كمحاولة لتغطية صراعات سياسية داخلية.

وصرح جوزيف تشينغ الخبير في سياسات الصين في جامعة سيتي في هونغ كونغ ان quot;التحديات امام القيادة والتحديات لخط الحزب غالبا ما يتم التعامل معها في صيغة قضايا فساد .. لأن هذا يعزز صورة مشككة لدى الناس العاديين: فاتهام مسؤولين بالفساد يعني انهم يتعرضون لمشكلة سياسيةquot;.

غير ان حجم الفساد الذي غالبا ما ينسب الى مسؤولين كبار على غرار بو يفوق بكثير مبلغ 27 مليونا (4.4 ملايين دولار اميركي) التي تدور حولها المحاكمة. ومما يعزز صورة المسرحية السياسية انه لم يتم التطرق في المحكمة الى المواضيع الحساسة بالنسبة للحزب مثل عمليات الاحتيال الكبيرة أو المشادات بين القياديين من زملاء بو، حسب ما اظهرت المحاضر المنشورة.

ولم يتضح ان كانت تلك المحاضر قد تعرضت لمقص الرقابة ام ان السلطات تفاوضت مسبقا مع بو لتجنب ذكرها. لكن الاشارة الوحيدة الى قيادي كبير اتت مبهمة عند ذكر ان بو تحرك في احدى الحالات عملا باوامر من الاعلى، ازيلت من المحضر الذي اعيد نشره بعد محوها.

وقلل الاعلام الرسمي من حجج بو بل انه نفاها أحيانا، حيث تطرقت وكالة شينخوا الرسمية لدفاعه بشكل مقتضب فيما اكتفت الصحف الناطقة بالانكليزية باعادة نشر ما ذكرته الوكالة.

وصرح الخبير في القانون الصيني في جامعة ميتشيغان الاميركية نيكولاس هاوسن quot;اعتقد ان السلطات السياسية والقضائية المركزية حريصة على ابداء نسبة انفتاح وشفافية عالية في المحاكمة، فيما تسيطر بشكل مطبق على مضمونهاquot;.

ومنحت اجراءات المحكمة بو بالطبع منبرا نوعاً ما، لكن تشينغ اكد ان السلطات اعتبرت على الارجح انه لن يحرز الكثير من الدعم. منذ بدء حياته السياسية كرئيس بلدية مدينة داليان شمال شرق البلاد في مطلع التسعينيات تناقض اسلوب بو اللبق مع التحفظ المعهود للسياسيين الصينيين في العلن.

واستغل بو الامتعاض الشعبي حيال مساوئ التطور السريع في الصين كاتساع الثغرة بين الفقراء والاثرياء، ليقود تيارا لانعاش الماوية عبر انشطة جماعية كانشاد الاغاني quot;الحمراءquot;. ومع نهاية المحاكمة كان لحساب المحكمة على موقع وايبو حوالى 600 الف متابع لكن التعليقات عليه ابدت انقساما في الاراء، وعكست درجة السيطرة المفروضة.

وقال تعليق بعد انتهاء جلسة الاثنين quot;لا يمكننا القول الا انها محاكمة تقررت نتائجها مسبقاquot;. واضاف quot;لا يهم كم يكافح بو فالحكم على الاقل السجن مدى الحياة. هذ المحاكمة مجرد اجراء يجب تنفيذهquot;. لكن الملاحظات المنشورة تحت محضر نشر الاحد وحجبت السلطات حيزا منها مذاك دعمت العملية بشكل واسع.

وقال احد التعليقات ان quot;مركز الحزب اثبت تصميما حازما على معاقبة الفسادquot;. واضاف اخر quot;اعتقد ان المحكمة ستنظر في هذه القضية بشكل منصف وعادلquot;.