يواجه إقليم كردستان العراق خطر الجهادية الإسلامية بسبب قربه من الحرب السورية، وبسبب تغلغل القاعدة في بعض الجماعات الكردية.


حرصت حكومة إقليم كردستان العراق منذ سنوات على تقديم الاقليم إلى العالم بوصفه ملاذًا آمنًا في منطقة تغلي بالأزمات والنزاعات، وموئلًا لرؤوس الأموال حيث حوافز الاستثمار مغرية على النقيض من مناطق العراق الأخرى.

أكراد داعش

لا شك في أن حكومة الاقليم نجحت في تحقيق استقرار نسبي يسود كردستان العراق. لكن هذا الاستقرار مهدّد الآن بسبب قرب الاقليم جغرافيًا من سوريا، وحربها المستعرة منذ نحو ثلاثة اعوام. ورغم الجهود التي بذلتها حكومة الاقليم لتأمينه في منطقة مضطربة، فإن قوى عابرة للحدود وتهديدات داخلية تطرح على حكومة الاقليم تحديات أمنية كبيرة.

وعانى اقليم كردستان خلال الأشهر الماضية من تصاعد العمليات الارهابية لجماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في البلدين. وتمكنت داعش من تجنيد عراقيين وسوريين، بعضهم اكراد ضمتهم إلى صفوفها من محافظتي كركوك ونينوى في العراق وشمال سوريا، لتنفيذ هجمات ضد أهداف داخل اقليم كردستان العراق.

واستهدفت عمليات تفجير اواخر ايلول (سبتمبر) الماضي مقر قوات الأمن ndash; الأسايش، في اربيل عاصمة الاقليم، أعقبتها محاولة مماثلة ضد مقر الأسايش في قضاء عقرة في تشرين الثاني (نوفمبر) لكنها باءت بالفشل. وفي 2 كانون الأول (ديسمبر) انفجرت عبوات ناسفة قرب عربات تابعة لقوات البشمركة الكردية في السليمانية. وتشير التكتيكات المستخدمة في هذه الهجمات وغياب جماعات أخرى لها مثل هذه القدرات إلى أن داعش هي المسؤولة.

تهديد بالعودة

ولا شك في أن الأكراد وجهوا ضربة إلى تنظيم القاعدة بمحاربة وجوده في مناطقهم شمال سوريا. لكن ما يثير قلق حكومة اقليم كردستان بصفة خاصة هو قدرة القاعدة لا على تجنيد عرب فحسب بل واكراد ايضا. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، بثت داعش شريط فيديو ظهر فيه القيادي العراقي في داعش ابو حارث الكردي مهددًا بالعودة إلى كردستان، واستهداف الحزبين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.

وتواجه حكومة اقليم كردستان مشكلة ذات رأسين هما وصول ذراع داعش إلى عمق الاقليم وتزايد عدد الأكراد الذين يعبرون الحدود السورية من كردستان للانضمام إلى جماعات ترتبط بتنظيم القاعدة.

ونقلت مجلة جين للدراسات الأمنية عن رئيس جهاز الاستخبارات في اقليم كردستان لاهور جنغي قوله: quot;إن 240 رجلا من كردستان العراق سافروا إلى سوريا للقتال مع جهاديين ضد قوات بشار الأسد، وكذلك ضد الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبيةquot;. وقُتل تسعة جهاديين من اكراد العراق في سوريا، لكن عددًا أكبر بكثير هددوا بالعودة وضرب اهداف داخل كردستان العراق.

حلقة ضعيفة

استهدفت جهود السلطات الكردية الخلايا الارهابية في المنطقة، فيما تركزت جهود الأسايش على قطع خطوط حركة الأفراد عبر الحدود ومنعهم من العمل داخل حدود الاقليم. وإلى جانب اعتقال كل من يعود إلى الاقليم بعد القتال مع جماعات جهادية في سوريا، فإن سلطات الاقليم قررت منع الذين يُقتلون في سوريا حتى من دفنهم في كردستان العراق.

ويبدو أن الحلقة الضعيفة في هذه الاجراءات هي منظومة نقاط التفتيش والحواجز التي تحيط بالمدن الرئيسية في إقليم كردستان والسيطرة على المنافذ التي تربط محافظاته الثلاث دهوك واربيل والسليمانية.

واعترف رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة الاقليم فلاح مصطفى لمجلة جين بأن ضعف الاجراءات الخاصة بنقاط السيطرة وحواجز التفتيش ربما أسهم في تزايد الهجمات أخيرًا. وتساءلت الباحثة دنيس ناتالي في صحيفة المونتر الالكترونية، بعد الهجوم على مقر الأسايش اواخر ايلول (سبتمبر) الماضي: quot;كيف يمكن لسيارة اسعاف مفخخة بالمتفجرات أن تعبر حاجز تفتيش على ابواب اربيل، إذا كان يقودها عربي أو أجنبي، كما يقول البعض؟quot;.

فرض عين

ورغم الأبعاد الخطيرة التي اكتسبتها ظاهرة الجهاديين الأكراد بالارتباط مع النزاع في سوريا، فإن التطرف ليس جديدًا على اقليم كردستان، خصوصًا في مدينة حلبجة القريبة من الحدود الايرانية وحولها. واشار ايمن جواد التميمي، الباحث في جامعة اوكسفورد ومنتدى الشرق الأوسط، إلى الجذور العميقة للفكر الجهادي في كردستان. ونقلت مجلة جين عن التميمي أن اصول الجهاديين الأكراد تشير إلى انهم اعتنقوا ايديولوجيا راديكالية قبل اندلاع النزاع في سوريا.

وكان رجل الدين الكردي المتشدد ملا كريكار بادر في منتصف التسعينات إلى تأسيس جماعة انصار الاسلام السلفية المتطرفة بعد انشقاقه عن الحركة الاسلامية في كردستان، معلنًا أن الجهاد في العراق فرض عيناً على كل مسلم. وبحلول أواخر التسعينات، سيطر انصار الاسلام على حدود حلبجة مع ايران.

وظهر اتجاه مثير للقلق في العام 2013 بتصاعد نشاط الاسلاميين إلى جهادية نشطة لم تتمكن حكومة اقليم كردستان من السيطرة عليها. ورغم أن الاقليم ظل بعيدًا من فوضى الفلوجة وبغداد، فإنه يواجه تحديًا كبيرا آتيًا من خارج الحدود.