لماذا نكتب؟، وما جدوى الكتابة؟، هذه أسئلة تقليدية طرحها العديد من الكتاب على أنفسهم مرارا وتكرارا فى الغرب والشرق على السواء، وخاصة فى المنطقة العربية، وكانت أكثر الأجابات التى قرأتها متشائمة فيما يتعلق بفاعلية الكتابة

غالبا ما نتساءل، عندما ننشر مقالا في إيلاف، من هو قارئي الافتراضي - الإيلافي هذا، إلى أي جيل، تيار، ينتمي، ماذا ينتظر مني حتى أكون في حسن ظنه، ما هو العنوان المناسب الذي يجذبه لفتح مقالي، أي موضوع قريب من قلبه وعقله، هل أغلبه أنثوي أم ذكري، وأية طريقة مثلى للتأثير فيه/ فيها، حتى أشعر أني ساهمت في التغيير الفكري والاجتماعي المنشود...
نريد من هذا السؤال أن يكون موضوع مقال بمناسبة التصميم الجديد

وجدواها فى تغيير الواقع المؤلم فى منطقة تتقاطع فيها الأمية مع الجهل مع التطرف الدينى مع التخلف السياسى مع العداء للعلم والعقل والمعرفة والحداثة والتقدم. ويكفى أن تقرأ الارقام التى جاءت فى تقرير التنمية الإنسانية العربية لأعوام 2002، 2003، 2004 عن نصيب المواطن العربى من الكتب المنشورة والمترجمة، وعن الدقائق المحدودة التى يطالع فيها المواطن العربى الكتب فى المتوسط سنويا، وعن نسبة الأمية، وعن نوعية القراءة والتى يتصدرها الدين والجنس، وعن حجم مبيعات الكتب.... وعن وعن، وهى كلها أحصاءات تعكس بوضوح موت الثقافة والفكر فى هذه المنطقة، ولكن ما يدهشك جرأة هؤلاء فى اتهام الغرب والامريكيين بالجهل وقلة المعرفة!!!.
لكنquot;إيلافquot; طرحت علينا السؤال الأفتراضى لمن نكتب فى ايلاف بالتحديد؟ من هو قارئي الافتراضي - الإيلافي هذا؟، إلى أي جيل؟، تيار، ينتمي؟، ماذا ينتظر مني حتى أكون عند حسن ظنه؟، ما هو العنوان المناسب الذي يجذبه لفتح مقالي؟، أي موضوع قريب من قلبه وعقله؟، هل أغلبه أنثوي أم ذكري؟، وأية طريقة مثلى للتأثير فيه/ فيها؟، حتى أشعر أني ساهمت في التغيير الفكري والاجتماعي المنشود...
هذه أسئلة كثيرة بعضها سهل الاجابة بالنسبة لى وبعضها يدخل فى عالم التوقعات الأفتراضية، فانا اعلم أن ايلاف يدخلها عشرات الآلاف من القراء يوميا، ولكن ليس لدى احصائية عن هؤلاء الذين يقراءون كتاب ايلاف، وما هى الأعداد التى تقرأ مقالاتى بالذات بالمقارنة بالكتاب الآخرين، هذه أسئلة لا املك الاجابة عليها لأنى لا املك احصاءات عنها، فانا مثلا اتوقع أن يكون العدد الأكبر يذهب إلى نساء ايلاف، وإلى بعض الأخبار السياسية الساخنة فى صدر الصفحة الاولى.
أما بالنسبة للأسئلة السهلة فهى مثلا عنوان المقال، فبالنسبة لى من المهم أن يعكس عنوان المقال مضمونه بحيث يتوقع القارئ ما هى الاسئلة التى سوف يجد إجابات عليها أو معلومات بشأنها أو تحليلات توضحها من خلال قراءته للعنوان. وأنا لست من هؤلاء الذين يتعمدون نشر عنوان مثير لجذب القارئ مع مضمون خاو أو خادع أو مختلف عن العنوان... فهذه مدرسة الإثارة التى ارفضها تماما.
أما عن مضمون كتاباتى فهى تنطلق فى الأساس من رسالة والتزام وجدية وحرية المثقف العضوى والناشط الحقوقى وداعية الدولة العلمانية.
يبقى سؤال أفتراضى عن نوعية من يطالعون مقالاتى، بالطبع لا املك خريطة توضح ذلك ولكن هناك مؤشرات استرشادية يمكن التعويل عليها لبناء خريطة افتراضية لقرائى، من هذه المؤشرات تعليقات القراء، فهى تكشف لى عن أن عددا لا بأس به من المتطرفين الإسلاميين والجهاديين وعناصر من جهاز أمن الدولة والمخابرات المصرية هم زبائن دائميين على مقالاتى، ولهذا تجد عدد كبير من التعليقات تعكس عمى البصر والبصيرة والبذاءة المفرطة والكذب المرهق للعقل والاختلاق والتلفيق وخلط الموضوعات والكراهية الفجة والاكليشهات الممجوجة المكررة، وهى سمات أساسية فى كتابات الإسلاميين واخلاقهم العامة، فهم معجونون بماء الكذب والكراهية والبذاءة. ومع هذا هناك بصيص من الأمل فى بعض التعليقات التى تناقش جوهر القضية المطروحة سواء بالاتفاق أو الاختلاف مع الكاتب، وهى تعليقات قليلة وربما نادرة، ومن هذه التعليقات تعليق متكرر بأسم خوليو وأنا استفيد شخصيا من ادراكه لتاريخ وواقع المجتمعات الإسلامية.
من المؤشرات الأخرى التى ترشدنى لطبيعة قراء مقالاتى هى موضوع المقالات، فبالطبع عدد كبير من دعاة الدولة العلمانية ومن الأقليات فى الشرق الأوسط يطالعون هذه المقالات بحكم أننى من المدافعين الاشداء عن حقوقهم فى المواطنة الكاملة غير المنقوصة فى دولهم، وهم ما هم أصل هذه البلاد وأبناء تاريخها الموغل فى القدم والعراقة.
لا اعرف إن كان الجنس الناعم يقرأ مقالاتى أم لا، كل ما أعرفه أننى من المدافعين الدائمين عن حقوق المرأة خاصة فى المجتمعات الإسلامية، وهى مجتمعات متأصل فيها أحتقار المرأة، فهى ربع فى الزواج، ونصف فى الميراث، وتهجر فى الفراش وتضرب من الزوج، وإذا خرجت متعطرة فهى زانية، ولزوجها حق مجامعتها حتى ولو كانت على ظهر قتب أى ناقة، وإذا رفضت رغبات زوجها باتت الملائكة تلعنها حتى الصباح، وليس لها نصيب من الحور العين فهى جارية للرجل فى الأرض وفى الجنة متفرغة لتلبية رغباته حتى أن الجماعات الإسلامية تردد عبارة مكررة فى أدبياتهم تقول للمرأة quot; كونى عاهرة لزوجكquot;، فهى ملعونة لأنها مثيرة، وملعونة لأنها مرغوبة، وملعونة لعنة لا نهاية لها إذا فكرت فى الخروج على مبدأ الطاعة العمياء، وهى ماكرة وشريرة وخلقت من ضلع اعوج ولها عشر عورات يستر الزواج عورة واحدة والقبر العشر عورات، ويصفها ابو حامد الغزالىquot; بأن كيدهن عظيم وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقلquot; (ابو حامد الغزالى:الزواج الإسلامى السعيد).أما الأحاديث النبوية التى تحتقر المرأة فحدث ولا حرج.
من المفروض أن النساء يتابعن قراءة مقالات من يدافع عنهن من أمثالى، ولكن يؤسفنى أن الكثيرات منهن فى المجتمعات الإسلامية ينطبق عليهن لفظ quot; السعداء بالعبوديةquot;.
ولكن يبقى فى تقديرى أن التهديد الحقيقى للكاتب هو التحول الكبير فى السنوات العشر الأخيرة نحو ثقافة المشاهدة الفضائية، فبرامج التوك شو سواء الدينية أو الترفيهية أو السياسية أثرت بشكل كبير جدا على دور الكتابة والنشر ودور المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية والاحزاب السياسية ومراكز الأبحاث ورواد الندوات فى المجتمعات العربية.
وفى النهاية فأن المدافع عن حقوق الإنسان والحريات فى المجتمعات الإسلامية لا يملك رفاهية اليأس، فالمثقف فى النهاية كما يقول إدوارد سعيد: موقف شريف ونبيل يشيع الحرج والاعتراض، بل حتى الامتعاض حتى يحدث التغيير المنشود. وكما يقول نزار قبانى: إن الكتابة الحقيقية ليست فعل امتثال ولا فعل رضوخ ولا فعل تنازل، بل هى اشتباك يومى مع القبح والتخلف... هى فعل انقضاض على كل بشاعات العالم.