ربما يكون من الترف المفرط أن نتحدث عن التغيرات المناخية الكونية لشعبنا المصرى الذى يعيش جزء كبير منه فى العشوئيات وتحت خط الفقر المدقع، والجزء الأكبر ضحايا الحياة العشوائية والتفكير العشوائى والقرارات العشوائية ورؤساء الصدفة حتى أن المرء لا يستطيع أن يتنبأ بشكل النظام السياسى بعد عدة سنوات من الآن. ولا حتى هذا الكلام له جدوى كبيرة فيما يسمى بالعالم الإسلامى لإيمانه بالقدرية البليدة والتى عبر عنها مممثل السعودية السيد محمد الصبان فى مؤتمر كوبنهاجن بقوله quot;إن المناخ يتغير منذ آلاف السنين ولكن لأسباب طبيعية وليست بشريةquot;، ولأننى واحد من أفراد هذا الشعب المصرى ومتأثر بهذه القدرية من خلال تعايشى مع الثقافة الإسلامية فأنا ملهى فى تدبير شئون أسرتى الصغيرة وفى هموم الأقباط الكثيرة. ولكن العالم بالفعل تطور وما يذاع من حقائق يقولها العلماء عن المناخ والاحتباس الحرارى هى مزعجة للمهتمين بمستقبل كوكبنا لدرجة ظهور علم جديد بدأ فى البزوغ يعرف بأسم quot; هندسة المناخquot;.
وفى الواقع أن نظام مناخ الكرة الأرضية عملية معقدة تفاعلية تتألف من الغلاف الجوي واليابسة والثلج والجليد والمحيطات والمخلوقات الحية. وهناك عاملان يغيران الغلاف الجوي هما الظواهر الطبيعية كالانفجارات البركانية والارتفاع في كمية غازات الاحتباس الحراري كثاني أكسيد الكربون الناجمة عن نشاطات بشرية كما يقول العلماء. وتشمل هذه الأنشطة البشرية محطات توليد الطاقة الكهربائية ومرافق صهر المعادن ومصافي البترول التي تنفث أكسيدات الكبريت والنتروجين وغازات أخرى في الغلاف الجوي. وتتفاعل تلك الغازات هناك مع الهواء الرطب فتسقط مطراً حمضياً على الأرض كما تقول الشركة الجامعية لأبحاث الجو.
ويترتب على هذه الأنشطة البشرية الضارة المتمثلة بشكل رئيسى فى استخدام الفحم والبترول وما يترتب على ذلك من ارتفاع منسوب سطح البحار، وذوبان كتل الجليد،والتغير فى النظام البيئى، وحدوث تباين حاد فى الاحوال الجوية.

في العام 2007، وضح التقرير الرابع للجنة خبراء الحكومات حول تغير المناخ أن نظام مناخ الكرة الأرضية يزداد دفئاً، وأصبح العلماء متأكدون إلى درجة تزيد عن 90 بالمئة من أن تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المنبعثة نتيجة نشاطات بشرية من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى ذلك. وقد صدر مؤخرا بيان مشترك للجمعية الملكية البريطانية ومجلس ابحاث البيئة الطبيعية ومكتب الأرصاد الجوية البريطانية أن هناك دلائل متزايدة تشير إلى أن التغير المناخى الخطير والطويل الآجل غير قابل للإصلاح.وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إنه تم رصد ظواهر مناخية قصوى مثل الفيضانات المدمرة والجفاف والعواصف الثلجية وموجات الحر والبرد الفجائى فى مناطق عدة من العالم.ولكن الأكثر خطورة فى تقارير علماء المناخ أن تغير المناخ فى القارة القطبية الجنوبية سيؤدى إلى ارتفاع مستويات البحار على مستوى العالم كله بحوالى متر ونصف بحلول عام 2100، ويعنى هذا إختفاء كثير من المدن الجزر فى العالم بما فيها مدن كبيرة وشهيرة مثل منهاتن فى نيويورك وغيرها من أكبر مدن العالم. وهناك من العلماء من يقول أن جهود تخفيض الغازات المنبعثة وحده لا يكفى لوقف الخطر الزاحف على الكوكب ولكن لا بد من الإسراع بتخزين ثانى أكسيد الكربون الموجود بالفعل وذلك بسحبه إلى أعماق سحيقة تحت سطح الأرض لفترات زمنية طويلة.

وقد بدأ العالم ينتبه بشدة تجاه هذه المتغيرات المناخية الخطيرة فى قمة الأرض التى عقدت فى ريو دى جنيرو بالبرازيل عام 1992 حيث خرجت عن هذا المؤتمر quot; المعاهدة الدولية للتغير المناخىquot;، وفى عام 1997 ولد بروتوكول كيوتو بهدف خفض الإنبعاثات وذلك بحدود عام 2012، ولكن عدد من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة رفضت التوقيع على بروتوكول كيوتو مما افقده الكثير من الأهمية. على أن المخاطر منذ ذلك الوقت بدأت فى التزايد وارتفع ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى بدرجة تنذر بمخاطر كبيرة، حيث يقول العلماء أن مستوى ثانى أكسيد الكربون يصل حاليا فى الغلاف الجوى إلى 386 جزءا لكل مليون فى حين كان هذا الرقم 280 أيام الثورة الصناعية، وأنه لو استمر معدل التلوث بما هو عليه الآن سنصل لحد الخطورة القصوى بعد 40 عاما من الآن حيث سيصل معدل ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى إلى 450 جزءا لكل مليون، كل هذه المخاطر جعلت أحد العلماء ينبه الدول الكبرى بأنه لا مناص من مواجهة الواقع فكلنا مثل سفينة تايتانك سنغرق جميعا معا إن لم ننتبه لما يواجه كوكبنا ونواجهه بجدية من الآن، ولهذا كان اتفاق دول مجموعة الثمانية فى يونيه 2009 بضرورة وضع خطة لتخفيض انبعاث غاز ثانى اكسيد الكربون بحلول عام 2020 ومنع تسجيل ارتفاع درجة حرارة الأرض ليتخطى درجتين مقارنة بما كانت عليه وقت الثورة الصناعية، وذلك بتطوير وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، والتحول تدريجيا من البترول والفحم إلى الوقود منخفض الكربون مثل الغاز الطبيعى أو الطاقة المتجددة كطاقة الشمس والرياح والطاقة النووية، وتطوير احواض الكربون الطبيعية فى الزراعة والغابات.
ثم جاء مؤتمر المناخ المنعقد حاليا فى كوبنهاجن(7-18) ديسمبر 2009 فى محاولة لوضع أطار يترجم بعد ذلك لإتفاقية دولية للمناخ تحل محل بروتوكول كيوتو والذى سينتهى العمل به عام 2012.
ورغم هذه الجهود المتعددة الأطراف إلا أن الإرادة الدولية لم تصل بعد للحد الذى يجعلها تتخذ خطوات كبيرة وواسعة للسيطرة على هذه الأخطار،فاكبر الملوثين للكوكب وخاصة أمريكا والصين والهند يتحركون ببطء لمواجهة الخطر الجاسم، فالصين وتشاركها الهند تعطيان اولوية للتنمية الإقتصادية عن مراعاة المخاطر البيئية، والولايات المتحدة تخشى من التوسع فى استخدام وسائل الطاقة البديلة على مستويات أسعار الطاقة والتى سوف ترتفع كثيرا بما يؤثر على قدرتها التنافسية وعلى النمو الإقتصادى العالم، كما أن هناك دراسة حديثة للبنك الدولى تنبه إلى احتياج العالم لأكثر من مائة مليار دولار لمساعدة الدول النامية للتحول إلى استخدام الطاقة البديلة، ولهذا الأسباب ومن آجل حث الجميع على أخذ الموضوع بجدية خرجت 56 صحيفة على مستوى العالم بمقالة موحدة لدعوة ال 193 دولة المجتمعة فى كوبنهاجن على تحمل المسئولية تجاه كوكب الأرض بعيدا عن تبادل الشتائم بين بعضهم البعض.
ربما ما يبعث على الآمل هو إعلان الوكالة الأمريكية لحماية البيئة فى اليوم الأول لمؤتمر كوبنهاجن كما جاء فى البى بى سى quot;أن انبعاث الغازات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري تشكل تهديدا للصحة العامة مما يفتح الطريق امام ضبط هذه الانبعاثاتquot;،وقالت مسؤولة الوكالة ليزا جاكسون quot;انه بموجب هذا الاعلان اصبحت الوكالة مخولة الآن وملزمة بالقيام بالجهود المنطقية لخفض انبعاثات غاز الدفيئةquot;. واضافت انه quot;بموجب هذه النتائج التي طال انتظارها سيدرج عام 2009 في التاريخ على أنه العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة في معالجة تحدي التلوث الناجم عن غازات الدفيئة واغتنام فرصة اصلاح الطاقة النظيفةquot;. وستسمح هذه الخطوة لوكالة حماية البيئة بخفض الانبعاثات الحرارية دون موافقة الكونجرس.
ولقد كان محقا رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوكه راسموسن فى وصفه قمة الأمم المتحدة للمناخ في كوبنهاجن بأنها quot;فرصة لا يتحمل العالم أن يضيعهاquot;.مضيفا quot;على مدى الاسبوعين المقبلين ستكون كوبنهاجن قبلة الآمل وفي النهاية علينا ان نعيد للعالم ما عقده علينا هنا: الامل للاجيال القادمةquot;.
نأمل أن تكون كوبنهاجن بالفعل قبلة الآمل لأكثر من 30 الف شخص ذهبوا اليها يتباحثون ويتجادلون فى قسوة الإنسان على الطبيعة، والتى حتما ستبادله قسوة بقسوة فى المستقبل القريب ما لم يغير من سلوكه المدمر تجاه كوكبه.