فى 20 يناير2010 مر عام على حكم الرئيس أوباما،وقد انشغل المحللون بالتراجع الكبير فى شعبية الرئيس حتى وصلت نسبة التأييد لسياساته والرضا عن حكمه إلى 57% بين الشعب الأمريكى وفى بعض الاستطلاعات الأخرى 42% فقط، وهى نسبة منخفضة بالفعل ولكنها ليست المؤشر الرئيسى للحكم على مدى نجاح حكمه من عدمه أو بالنسبة لمسألة إعادة انتخابه، فقد كانت نسبة تأييد كلينتون بعد السنة الاولى 49% فقط ومع هذا فاز باكتساح لفترة رئاسية ثانية، ونفس الشئ تكرر مع ريجان فقد كانت نسبة تأييد الشعب الأمريكى له بعد السنة الأولى 57% أيضا وفاز فوزا كبيرا على منافسه فى دورته الثانية، على العكس كانت نسبة تأييد بوش الاب بعد السنة الأولى 66% ومع هذا خسر المنافسة على دورة ثانية أمام كلينتون، ونفس الكلام تكرر مع كارتر حيث كانت نسبة التأييد له 62% ولكنه فشل فى الحصول على دورة ثانية أمام ريجان.
لقد بدأ أوباما الحكم بحلم رومانسى تصالحت فيه أمريكا مع تاريخها، وبدا وكأنه جاء لتصحيح مسار تاريخ أمريكا بعد فترة طويلة من أرث الماضى العنصرى وبعد فترة بوش الراديكالية، وقد تجسد هذا فى حملته الإنتخابية التى جمعت أكبر كمية من الاموال فى تاريخ الرؤساء الأمريكيين قاطبة، وكان يوم تنصيبه غير مسبوق فى التاريخ الأمريكى حيث لا يمكن مقارنة من حضروا هذا الحفل التاريخى بأى تنصيب آخر فى تاريخ أمريكا الحديث. غير أن هذه الرومانسية كلها بدت وكأنها لحظة عابرة أمام مواجهة التحديات الجسيمة على أرض الواقع والتى أجبرت أوباما على التخلى عن رومانسيته بسرعة حيث ارتد إلى مربع الواقعية السياسية، وهى الواقعية ذاتها التى مارسها بوش فى سنتيه الأخيرتين فى الحكم. ومن هنا سيأتى الحكم على مدى نجاح أوباما أو فشله ومن ثم مسألة إعادة انتخابه على أرضية هذه القضايا الواقعية والتى يمكن تلخيصها فى اربع قضايا حسب ترتيب أهميتها للمواطن الأمريكى:


القضية الأولى: قضية الأقتصاد
فى تقديرى أن التدهور الشديد فى شعبية أوباما يعود إلى الوضع الأقتصادى بالدرجة الأولى، فقبل الأزمة الأقتصادية فى عام 2007 كان معدل البطالة اربعة وستة من عشرة بالمائة، وعندما تسلم اوباما مقاليد الحكم كان معدل البطالة سبعة بالمئة،والآن قفز معدل البطالة إلى عشرة واثنين من عشرة بالمائة وهو أعلى معدل للبطالة خلال ربع قرن، وهى نسبة مرتفعة جدا وتعنى أن هناك عشرات الملايين وأسرهم من الساخطين على أوباما نتيجة فقدانهم لوظائفهم، وبما يترتب على ذلك من أثار كارثية على الأسرة فى نظام حياة قائم كل شئ فيه على الفواتير والكريدت. وإذا استمر معدل البطالة فى الارتفاع أو إن لم ينخفض للمستويات الطبيعية فمن المؤكد أن أوباما لن يعاد إنتخابه لفترة ثانية.وإذا اضفنا إلى ذلك أن ربع ملاك البيوت فى امريكا يزيد قرض البيت لديهم عن قيمته السوقية الحالية، والملايين منهم مهدد بالطرد لعدم قدرته على دفع الأقساط،فأن الأمور تتعقد أكثر امام إدارة أوباما.
وتشير التوقعات إلى أن الأقتصاد الأمريكى ربما سيبدأ فى التعافى الكامل فى أواخر عام 2011 وهى السنة الثالثة فى فترة أوباما الأولى، وبناء على درجة هذا التعافى سيتحدد مصير أوباما السياسى.

القضية الثانية: قضية الرعاية الصحية
وقضية الرعاية الصحية ترتبط بالقضية الأولى وهى الأقتصاد، فمن ناحية فأن نظام الرعاية الصحية فى أمريكا هو واحد من اسوأ النظم الصحية فى العالم من حيث أرتفاع التكلفة، ومن ناحية أخرى فأن اكثر من 40 مليون من الأمريكيين أى حوالى 15% لا يملكون تأمين صحى على حياتهم وما يترتب على ذلك من ظلم شديد. والإصلاح الحقيقى لنظام الرعاية الصحية يعنى إصلاح كفتيه التكلفة والتغطية.... وهذا شبه مستحيل فى النظام الأمريكى الحالى بشكله الرأسمالى القاسى، وفى ظل وجود عدد من شركات التأمين وشركات الأدوية التى تنفق مئات الملايين على جماعات الضغط لعرقلة الإصلاح لهذا النظام الصحى.وقد حاول أوباما البدء بإصلاع تغطية من لا يملكون أية رعاية صحية ففتح النار على نفسه من ال 85% الذين يدفعون تكلفة مرتفعة من جراء العلاج، وفتح النار عليه من الرأسماليين المستغلين، وفتح النار عليه من شركات ضخمة تستفيد من الوضع الحالى، وفتح النار عليه من هؤلاء الذين يرون أن خطته تعنى المزيد والمزيد من العجز المتفاقم فى الميزانية.
ورغم نجاحه فى تمرير مشروع القانون من مجلس النواب إلا أننا لا نعرف إن كان سيمر من مجلس الشيوخ بعد فقدان الديموقراطيين للأغلبية المطلقة فيه مؤخرا، ولا نعرف حجم التعديلات التى سيغيرها مجلس الشيوخ على مشروع القانون، ولا نعرف كيف سيطبق فى حال اقراره.
ويبقى مشروع إصلاح الرعاية الصحية واحدا من المشاريع المثارة فى المائة سنة الأخيرة ولم تتوفر إرادة وطنية حقيقية لإقراره فى ظل سيطرة الجشع الرأسمالى على هذا القطاع الهام والذى يشكل 13% من الناتج المحلى الأمريكى.
وبناء على هذا القانون أيضا ستتحدد فرص إعادة انتخاب أوباما من عدمه.

القضية الثالثة: قضية العراق/ والقضية الرابعة: قضية افغانستان وباكستان
فى الواقع أن القضايا الخارجية تراجعت كثيرا من حيث الأهمية منذ الأزمة الأقتصادية الحالية،وإذا وضعنا لها نسبة محدودة فى ترجيح كفة مزاج الناخب الأمريكى فسيكون ذلك بالتأكيد لقضيتى العراق وافغانستان، حيث ترتبط هذه القضايا بمئات الآلاف من العائلات الأمريكية التى يخدم ابناؤها أو خدموا فى هذه البلاد، ومن ناحية أخرى أيضا بقضية التكلفة والتى بدورها تصب فى حالة الأقتصاد المتدهور.
قضية افغانستان وباكستان مرتبطان معا ليس فقط من ناحية الحرب هناك ولكن من ناحية ملف التطرف الإسلامى عموما، ومن ناحية مخاطر تفكيك باكستان على أمن المنطقة والعالم، ومن ناحية نشاط القاعدة هناك،ومن ناحية صعوبة وربما استحالة التخلص من التطرف الدينى فى هذه المنطقة، ومن ناحية صعوبة تطوير افغانستان لتدخل فى عداد الدول الحديثة... ومن ثم تصب الجهود الأمريكية فى الجانب السلبى وهو محاولة تحجيم المخاطر الناجمة عن التطرف الإسلامى بدون القدرة على عمل نقلة نوعية فيما يتعلق بالتحديث الحقيقى لهذه الدولة. وقد وجد أوباما نفسه يعود إلى سياسات بوش فى افغانستان وربما مزيدا من التورط فى هذا الملف بعد أن كان ينتقد تورط بوش فى هذه الحروب.
وهكذا فان مواجهة المشاكل الحقيقية جعلت بوش يتخلى عن راديكاليته فى السنتين الأخيرتين من حكمه وجعلت اوباما يتخلى عن رومانسيته بعد سنة واحدة من حكمه، وتلاقى الأثنان فى مربع الواقعية ليس فقط فيما يتعلق بافغانستان والعراق وانما أيضا بخطة التحفيز الأقتصادى... والخاسر فى هذا الموضوع هو اوباما،لأن بوش فعل ذلك فى نهاية حكمه أما أوباما ففى بداية حكمه... وإذا استمر أداء اوباما على هذا النحو ففى تقديرى إنه لن يعاد إنتخابه لمرة ثانية وعلاوة على ذلك لن يدخل التاريخ بإنجازات تذكر.
وربما ما تعلمناه من تجربة أوباما القصيرة حتى الآن أن هناك من يتكلم كثيرا( القى أوباما 487 خطبة سياسية حتى الآن)، وهناك من يعمل الكثير...وبالتأكيد فأن التاريخ يخلد من يعملون ويتركون إنجازات حقيقية، وأما تأثير الكلام فقد يطرب الجماهير عاطفيا لبعض الوقت ولكنه ليس له قيمة تذكر عند المؤرخين....