فى ليلة عيد الميلاد للمسيحيين الغربيين حاول الشاب النيجيرى عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة متجهة لديترويت وباءت محاولته بالفشل. فى ليلة عيد الميلاد للمسيحيين الشرقيين نجح الإرهاب الإسلامى ذاته فى حصد 6 أرواح عقب خروجهم من قداس عيد الميلاد فى نجع حمادى بصعيد مصر. ورغم أن هناك سمات مشتركة للإرهاب الذى يقع على الأقباط مع سمات الإرهاب الدولى المعاصر إلا أن هناك سمات عديدة تميز العنف الواقع على الأقباط فى مصر عن غيره نختار منها الخصائص الأتية:-

اولأ: هو عنف وإرهاب دينى
أول خصائص العنف الموجه ضد الأقباط أنه عنف دينى بسبب مسيحيتهم وإيمانهم الدينى، فالطرف القبطى يعتدى عليه بشكل جماعى بدون سبب سوى لكونه مغايرا فى الدين، لهذا توجه هذا العنف فى كثير من حالاته إلى الرموز الدينية المسيحية مثل الكنائس أو الصلبان أو للأسرة المسيحية بغرض أسلمتها أو من خلال العنف اللفظى الموجه للعقيدة المسيحية، وهذا العنف اللفظى فى حد ذاته جزء ممهد ومكمل للعنف الجسدى. وقد افرد الباحث الراحل المرموق محمد السيد سعيد بحثا عن العنف الرمزى تجاه الأقباط معتبره من اسوأ انواع هذا العنف فكما يقول quot; يمثل ما نسميه الفتن الطائفية بعض أسوأ جوانب هذا العنف.ففى جميع الحالات تقريبا يتم العدوان على الكنائس ويتم التعامل بالذات بصورة سلبية مع الرمز الأول للمسيحيين المصريين وهو الصليب من قبل المتعصبينquot;.هذا العنف أيضا ديني لأنه يستمد زخمه ومبرراته فى معظم هذه الحوادث من نصوص دينية أو معتقد دينى، ولهذا ليس بمستغرب أن يتم الهجوم على الأقباط فى مئات الحوادث بعد صلاة الجمعة مباشرة، وقد قمت برصد عشرات الحوادث التى حدثت للأقباط بعد صلاة الجمعة فى العقود الثلاثة الأخيرة.
فالعنف الذى وقع على الأقباط منذ دخول المسيحية مصر هو عنف دينى، سواء كان ذلك قبل الغزو العربى من طرف الرومان، أو منذ الغزو العربى وحتى عام 1855 وهو عام إلغاء الذمية، أو فى الموجة الأخيرة المعاصرة للعنف ضدهم منذ مجئ السادات للحكم عام 1970 والمستمر حتى الآن.
ولهذا فأن الأقباط فى مواجهتهم للعنف المعاصر من الخانكة 6 نوفمبر 1972 إلى نجع حمادى 6 يناير 2010، يسيرون فى طريق الجلجثة على خطى السيد المسيح له المجد، وهو طريق طويل من الآلآم والأشواك والإضطهاد والإستشهاد.

ثانيا: عنف من طرف واحد
العنف ضد الأقباط يسير بشكل دائم من المسلمين إلى الأقباط، فلم يحدث مطلقا أن قام الأقباط بإعتداء جماعى على مسلم أو على مسلمين والعكس على طول الخط صحيح، وحتى فى بعض حوادث العنف النادرة ضد مسلم هى كانت توجها فرديا ولأسباب خاصة وليست دينية، كما حدث من انتقام الشاب رامى من الشخص المسلم الذى أذله وتزوج أخته غصبا عنه وعن أسرته ويقال إنه اغتصبها لكى يجبرها على الزواج منه أو الفضيحة، فهذا سلوك لم يحظى بأى قبول قبطى أو تأييد لهذا النهج وقد تم إدانته فى وقته من جهات قبطية عديدة. وقد يرد البعض ويقول ليس بمقدرة الأقباط القيام بهذا العنف لأنهم أقلية، وهذا قول مردود عليه بأن الكثير من الأقليات فى العالم تمارس العنف والتمرد على الأغلبية واوضح الأمثلة هو العنف الذى تمارسه معظم الأقليات المسلمة فى المجتمعات التى تعيش فيها، ولكن هذا يقودنا إلى السمة الثالثة لهذا العنف وهى سمة تميز السلوك الإسلامى عامة تاريخيا وحاضرا.

ثالثا: الأغلبية تستأسد على الأقلية
هناك سمة تميز المجتمعات الإسلامية وهى التحركات الجماعية وسلوك القطيع، فالدولة الإسلامية قائمة على سحق الفرد من أجل الجماعة والدين وثوابت الأمة وخلافه، ولهذا تستأسد على الأقليات غير المسلمة التى تعيش بينها وتتمرد على الأغلبية فى المجتمعات التى تشكل أقلية بها.هذا السلوك الإسلامى يجعل هذه المجتمعات لديها فائض كراهية وفائض عنف وفائض إرهاب بشكل مستمر يبحث دائما عن مبرر لإخراجه وأعذار واهية لمرتكبيه، وبدون وجود دولة قوية وردع قانونى حازم سوف تتفاقم الأزمات وتتحول إلى فوضى.
من مساؤى هذا السلوك الغوغائى الإنتصار للمسلم ظالما ومظلوما، فحتى فى المشاجرات العادية إذا انتصر المسلم أنتهى الموضوع، وفى الحالات الأخرى يحدث الأستقواء بالجماعة المسلمة لكى ينتصر المسلم فيحدث الهياج والهجوم على الأقباط ليتحول الموضوع إلى عنف تجاه الجماعة القبطية برمتها.... هذا سلوك أخلاقيا يتسم بالخسة والجبن والإستئساد الرخيص على أقلية مسالمة.

رابعا: الدولة طرفا رئيسيا فيه
فى تقرير العطيفى الذى صدر بعد أحداث الخانكة عام 1972 تناول التقرير فى ست مواضع مختلفة أن الأجهزة الأمنية قصرت تقصيرا ملحوظا فى إحتواء الأحداث، وقد تطور الأمر إلى ما هو اسوأ من التقصير فيما بعد، فقد حمل اللواء حسن ابو باشا وزير الداخلية الأسبق النبوى إسماعيل وزير الداخلية الأسبق أيضا مسئولية أحداث الزاوية الحمراء فى يونيه 1981 حيث رفض النبوى إسماعيل تدخل الأمن وقال أن البوليس لم يتدخل فى البداية لأسباب سياسية، وقال اللواء حسن ابو باشا أن عدد القتلى من الاقباط كان 81 قبطيا وليس 9 كما ذكر النبوى إسماعيل. وقد وصفت جريدة الأهالى فى عددها رقم 261 أن حادث الكشح برمته مدبر من الأمن وأن محافظ سوهاج شخصيا متورط فى هذا الحادث... ويمكننى سرد العديد من التقارير التى توضح بجلاء دور الدولة بمؤسساتها المختلفة فى العنف الموجه ضد الأقباط.

خامسا: عنف محلى
العنف الموجه ضد الأقباط هو عنف محلى ومنتج محلى، والكلام عن مؤامرة خارجية وخلافه هو من قبيل اللغو والعبث والتهريج الرخيص، وحتى الكلام عن استيراد الظاهرة من الفكر الوهابى هو كلام مبالغ فيه كثيرا لتبرئة الذات الجماعية، فمصر مصدر رئيسى لتصدير الفكر المتطرف للمنطقة بأسرها وللعالم كله، فحتى الوهابية ذاتها ترعرعت وتصدرت للعالم بفكر الأخوان وباموال البترول.
أول طرق العلاج هو مواجهة الحقيقة المرة أن المسلمين المصريين هم المسئوون كلية عن العنف الموجه ضد شريك الوطن، وإنه لم تثيت فى واقعة واحدة من مئات الإعتداءات التى وقعت ضد الأقباط بوجود أى طرف خارجى ولو حتى من قبيل التأثير على مجرى هذه الحوادث، ولو كانت هناك أى عوامل خارجية لما ترددت الدولة المصرية وجهاز مخابراتها فى الإعلان عن هذه التدخلات على الأقل لتبرئة الدولة من التهم الكثير الموجهة اليها بخصوص هذا الملف.

سادسا: عنف متزايد
العنف الذى حدث ضد الأقباط منذ عام 1972 يفوق العنف الذى وقع ضدهم منذ تأسيس الدولة الحديثة على يد محمد على عام 1805 عدة مرات، بل أن العنف الذى وقع تحت حكم الرئيس مبارك فقط يفوق العنف السابق على عصر السادات حتى عام 1805 أيضا عدة مرات، كما أن وتيرة هذا العنف تتزايد بشكل مخيف ومنذر بالخطر المحدق بالبلد. وقد رصد تقرير العطيفى عشرة حوادث طائفية وقعت فى الفترة من اغسطس 1971 إلى نوفمبر 1972، وكان معظمها حوادث صغيرة جدا إذا ما قورنت بما حدث بعد ذلك وخاصة الذى حدث منذ عام 1990 وحتى الآن. ولكن ما حدث فى عام 2009 وحده يفوق المائة حادثة منها عشرين حادثة كبيرة أشار اليها مركز القاهرة فى تقريره السنوى عن عام 2009.أما إذا رصدنا حالات التمييز ضد الأقباط فهى بالمئات سنويا.

سابعا: عنف موجه لمناطق الكثافة القبطية والنفوذ القبطى
يلاحظ أن معظم حوادث العنف ضد الأقباط تتجه لمناطق الكثافة القبطية التقليدية سواء فى الصعيد أو غيره، مثل كفر دميان فى الشرقية، وعزبة غالى بالجيزة، وعزبة بشرى وعزبة جرجس ببنى سويف، والفكرية وابوقرقاص بالمنيا، والقوصية وديروط باسيوط بالإضافة لمدينة اسيوط، وطما وطهطا والكشح بسوهاج، ونجع حمادى وفرشوط وبهجورة بقنا.... والقائمة تطول.فى بعض هذه البلاد يزيد الأقباط عن 75% من تعداد السكان بالإضافة إلى سيطرتهم التقليدية على البيزنس والنشاط المالى. ولم تكن هذه الحوادث نتيجة إحتكاكات طبيعية وإنما نتيجة إفتعال هذه الأحتكاكات من آجل خلق مبررات الهجوم على الأقباط لتخويفهم وتهجيرهم وترويعهم بغرض خلخلة هذه المناطق ديموغرافيا من الأقباط. وقد كان إنشاء فرع لجامعة الأزهر باسيوط هو لآجل هذا الغرض، فهذه الأمور لا تجرى بشكل تلقائى كما يتصور البعض بل هى نتاج خطة عامة ويبقى مسألة التنفيذ من خلال جهات المحلية والأمنية.

ثامنا: عنف يبحث عن مبرر للجريمة أو عذر للمجرم
تاريخ العنف المتأسلم هو تاريخ البحث عن مبررات للجرائم وإختلاق أعذار للمجرم، حتى أحداث 11 سبتمبر التى لا تبرر وجدوا لها مبررات سخيفة مثل الظلم الواقع على المسلمين فى فلسطين وغيرها. فى العنف ضد الأقباط ما أكثر هذه المبررات الواهية سواء فى الإشاعات التى تطلق أو الإفتراءات التى تروج أوالأعذار التى تتردد.فعندما ضعف تأثير الإشاعات بحثوا عن الإفتراءات. وعندما أكتشفوا سخافة وصف المجرم بالمجنون لجاءوا إلى وصف المجرم بالمنتقم لشرف المسلمين، وعندما تراجع كبار الإسلاميين عن العنف لجاءوا إلى عتاة المجرمين التى تمتلئ بهم السجون وتزدحم بهم ملفات الأجهزة الأمنية.

تاسعا: عنف جاء من رحم الأصولية الدينية والإستبداد السياسى
وقد لاحظ تقرير العطيفى الذى سبق الإشارة اليه أن الحوادث العشرة التى حدثت قبل حادث الخانكة ارتبطت بمناخ تعديل الدستور وإضافة الشريعة كمصدر للتشريع لأول مرة فى الدستور المصرى الدائم، وتصاعد هذا العنف مع محاولة إصدار قانون الردة وتعديل الدستور مرة أخرى لتتحول الشريعة إلى المصدر الرئيسى للتشريع عام 1980، فالاصولية الإسلامية فى مصر خرجت من رحم النظام العسكرى الإستبدادى. وفى حوار لنائب مرشد الاخوان المسلمين محمد حبيب فى المصرى اليوم بتاريخ 5 يناير 2010 قال ما معناه ان الأمن هو الذى يدير جماعة الأخوان ويعرف عنها كل شئ وهو الذى أعترض على أن اكون مرشدا لأننى منفتح على التيارات السياسية المصرية. وفى حوار لمرشد الأخوان مهدى عاكف مع المصرى اليوم أيضا بتاريخ 24 اكتوبر 2009 قال إنهم عقدوا صفقة مع الأمن بترشيح 150 اخوانيا فقط فى الانتخابات الماضية... والخلاصة أن الاستبداد السياسى والدينى يلعبان على أرضية واحدة ويكملان بعضهم البعض فى مسألة العنف الواقع على الأقباط.

وأخيرا: العنف سوف يتفاقم مستقبلا
لأنه لا توجد رغبة حقيقية فى إيقافه، ولأنه يصب فى صالح الإستبداد، ولأن الأقباط لا يبذلون جهدا كافيا للحد منه، ولأن الدولة تضع الكنيسة رهينة وتبتزها من آجل أمتصاص غضب الأقباط، ولأن جهود أقباط المهجر تحتاج إلى إعادة بناءها على أسس فعالة، ولأن رصيد قبول الآخر يتراجع بمعدل متسارع عند الأغلبية.