أعترف أن ردود الأفعال على مقالي السابق quot;حماس تطفئ الشمس في غزةquot; كانت بالنسبة لي مدهشة وغير متوقعة.. تعليقات القراء المؤيدة في إيلاف، وانتشار المقال بسرعة البرق في عشرات المواقع ومنتديات الحوار الفلسطينية والعربية عموماً، وما جاء بها من تعليقات ومعلومات، يفوق أغلبها في خطورته ما جاء بالمقال، علاوة على سعي شباب فلسطيني للتواصل معي وتأييدي.. شاب واحد فقط (يبدو أنه من حماس، وقد يكون قيادة كبيرة) تواصل معي وكان معارضاً لمجمل المقال.. لم يخبرني بالطبع عن اسمه، كأغلب الفلسطينيين الذين يتواصلون معي، لكنني هنا أحب أن أحييه، على أخلاقه الدمثة وحواره الراقي، ولقد بادرني بالقول بأن حماس منظمة تضم بشراً وليس ملائكة، ومن الطبيعي أن تكون لبعضهم انحرافات.. أوضحت له أن المقصود ليس تصيد أخطاء هنا أو هناك، لكننا نتساءل عن حال مليون ونصف فلسطيني تحت حكم حماس، ولما كان متعجلاً لارتباطات له، طلبت منه أن يكتب تعليقه كاملاً ويرسله لي، على أن أقوم بنشره كما سبق وفعلت، وافترقنا على وعد باللقاء، وقد ترك في نفسي أثراً طيباً، وأملاً بإمكانية التحاور الهادئ العقلاني.
أما بطل اليوم فسأترك القارئ يتعرف عليه من خلال ما دار بيننا من حوار، وأعيد هنا على التأكيد على أن تدخلي فيما يتم عرضه في مثل هذه الحوارات، يقتصر على وظيفة الإخراج للموضوع، أما المحتوى فإني أتبع فيه طريقة (copy amp; paste) من نص ما دار من حوار، مع الترتيب المناسب، وحذف ما تقتضي الملائمة حذفه:
قال: أعجبتني مقالاتك الرائعة وهي تتلمس وجع غزة.
قلت: أنت غزاوي؟
قال: صحيح من غزة.. أنا أسير محرر، أمضيت بضع سنوات في الأسر بإسرائيل، وأفرجوا عني بانتهاء المدة.
قلت: هل تم تعذيبك في الأسر؟
قال: صحيح وأصبت بعاهة مستديمة جراء التعذيب.
قلت: تعذيب لكي تعترف على زملائك؟
قال: لا هو زملائي اعترفوا علي.. بدهم إياني أعترف على نفسي.
قلت: أنت حمساوي؟
قال: الآن أنا لا أنتمي لأي فصيل.. بصراحة كنت في موقع قريب جداً من صنع القرار السياسي في الحركة الإسلامية، وشاهدت أشياء جعلتني أبدو أمام نفسي كإنسان منافق.. يعني بحكم سجني والكلام الملائكي والرباني، وسيد قطب والمدينة الفاضلة وما شابه.. فجأة كل ذلك يصبح مجرد كلام حين ممارسة السياسة!!.. مسألة الرواتب التي تدفع للعناصر، إذا لا تبصم يتم قطع راتبك.. أنا انخدعت بشعارات، يعني بدي أكون معك صريح، مجموعة مسائل خطيرة.. الصراعات على النفوذ والظهور، جزء كبير من عناصر وقيادات التيارات الإسلامية، بل معظمهم ينخرطون فيها لتكسب رزق، وهذا الكلام أنا سألته لقيادات كبيرة، وقالوا لي مش رابطنا إلا الراتب.. مسألة ايران، بدأ الكثير من أهل غزة بالتَشَيُّع نتيجة إغراءات مادية، قيادات وعناصر، أنا أعرف بالأسماء مئات.
قلت: ما رأيك الآن في مستقبل القضية؟
قال: شوف بدي أكون معاك صريح، تجربتي مع الحركة الاسلامية علمتني أشياء كثيرة.. أولاً كل الشعارات التي ترفع من قبل الحركات الاسلامية، ما هي إلا فبركات للوصول للسلطة، وهناك تربية حزبية مقيتة داخل الحركات الاسلامية خصوصاً حماس.. تصور أن قيادة إسلامية كبيرة تدخل في شجار مع شاب بالمعتقل، من أجل الاستئثار بخطبة الجمعة؟!!
قلت: وهؤلاء يدفعون الشباب للموت!!
قال: أقسم بالله لأحكي إلك قصص حقيقية ما تصدقها.. أنا اعتقلت وأنا صغير 18 سنة، استفدت كثيراً في السجن بتثقيف نفسي.. عارف بدي أكون معاك صريح، الناس في غزة بيحبوا مصر الآن أكثر من أول، علشان بدها تعمل على إغلاق الأنفاق.. اذا أحكمت مصر إغلاق الانفاق، حماس ستوقع المصالحة رغماً عنها.
قلت: معقول؟!!
قال: أقسم بالله.. أنا أحتك بمئات الأشخاص يومياً، لو تسمع الكلام إللي بيتكلموه ما تصدق.
قلت: أريد أعرف رأيك في الوضع الحالي.
قال: معلومة بسيطة.. حماس للآن، فقط أقل من نصف موظفيها صرفت مخصصات لهم هذا الشهر.
قلت: والدعم الخارجي؟
قال: شوف بدي أقولك، إيران بعتقد مش حطول في دعمها لحماس، فقط حتبقى قطر تدعمها، لأن إيران بتعيش قلاقل داخلية بدأت تأثر فيها.. شوف، فتح هي الأقرب للناس، والآن أدركت الناس هذا الكلام.. اليهود مبسوطين على الانقسام.. أهم إشي يتم إقناع حماس بالانتخابات، والباقي ساهلة زي ما بيقولوا.
قلت: القادة الذين يتشاجرون في المعتقل على خطبة الجمعة، أتراهم يتخلون عن كراسي الحكم؟!!
قال: غير هدا في إشي الناس مومنتبهين إله.. وهو إن حماس خايفة من الانتقام، لأن معظم عائلات غزة حماس مدمية معهم.. إبتعرف غزة لو حماس راحت، الآلاف من حماس سيتم قتلهم انتقاماً وتشفياً.. مو قصة فتح وحماس لا، بين العائلات وحماس.
قلت: أفهم من هذا أنه يلزم تدخل خارجي؟
قال: تماماً.
قلت: وإذا جاء هذا التدخل من إسرائيل؟
قال: أنا برحب بذلك بس، إيخلصونا من نفاق غزة وسماسرة الأنفاق.. هذا مو رأيي وحدي، أنا بحاكيك وأنا ناشط مجتمعي، ويومياً بأدخل أكثر من 30 بيت، من رفح حتى بيت حانون، بتفاجئ برأي الناس.. أنا شخصياً مو مصدق إللي بشوفة بعيني.. فقط الذي يعارض هو من ينتمي لحماس أو مستفيد من حكومتها.. عارف مين أكثر واحد وطني ويقاتل من أجل فلسطين وبصدق هو فلسطيني، وإنسان نزيه وصادق مع نفسه وغيره؟.. سلام فياض وبعده أبو مازن.. أنا معجب بسلام فياض وأبو مازن.. إبتعرف مين أكثر واحد عنده القدره على تعرية حماس وأساليبها؟.. د. محمود الهباش وزير الأوقاف والشئون الدينية.. الراجل هذا إبيشتغل بحكمة كبيرة، واستطاع إيقصقص كل أجنحة حماس في الضفة.
قلت: ألا يمكن أن تتحد العائلات الكبيرة وتُسقط حماس؟
قال: في الوقت الحالي صعب، بدها شرارة والناس إتحس بضعف حماس، أنت ما بتشوف إيش بتعمل حماس على إرعاب الناس.. موضوع قافلة غالوي عارف إيش عملوا فيهم؟.. إبتعرف كل الأشخاص الي جاءوا مع القافلة تم حجزهم في مكان واحد، ومنعوا من مغادرة المكان والاختلاط بالناس، إلا بحضور تنفيذية حماس.. إبتعرف كيف أقنعوا أعضاء قافلة شريان الحياة بالموضوع، وقافلة شريان الحياة تقبلوا الموضوع بصدر رحب، دون أن يعرف هؤلاء ما المقصود من منعهم؟!.. شغلوا طابورهم الخامس، وطلعوا إشاعات قوية، إن أعضاء قافلة شريان الحياة سيتعرضون للتصفية من اليهود، فيجب ضمان أمنهم وتحركهم، وألا يتحركوا إلا بأمن حماس وبحضورهم.. المقصود من وراء عمل حماس هذا، منع الناس من قول حقيقة حماس، وأين تذهب هذه المساعدات ولمن توزع.. إيش دليلي على ذلك؟.. في أحد الأشخاص من قافلة الحياة استطاع الهروب، لأنهم منعوه من زيارة أهله، فهرب وزار أهله ورجع لمكان القافلة.. بعد مغادرة القافلة تم خطف كل الأشخاص الذين الذين التقوا بهذا الشاب، والتحقيق معهم على الحديث الذي دار بينهم حول أوضاع غزة، وماذا تكلمتم على حماس، وعذبوا تعذيبا كبيراً، وهذا الموضوع نصف أهل غزة يعلمون به.
نكتفي بهذا القدر الآن، لنعود في الجزء الثاني، لنعرف ما هو أخطر، من شاب فلسطيني غلبته الشعارات البراقة حيناً، لكنه بعد رحلة مؤلمة على المستوى الشخصي والوطني، استطاع أن يعود إلى الوعي!!
مصر- الإسكندرية
[email protected]