هذا ليس عنوان فيلم أو مسرحية وإنما تمثيل للواقع المشرق للمرأة في القرن الحادي والعشرين باعتبارها كائن رئيس في منظومة الحضارة الإنسانية. والمرأة هنا تمثلها السيدة / كريستينا كيرشنر الرئيسة الحالية للأرجنتين.

والعنوان مستوحى مما أوردته الوكالة الفرنسية للأخبار أ ف ب بتاريخ 30/1/2010 من تصريحات السيدة / كريستينا كيرشنر الرئيسة الحالية للأرجنتين والتي أفادت إنها أكلت في عطلة نهاية الأسبوع لحم الخنزير المشوي مع زوجها وأوضحت مبتسمة quot; لقد كان الأمر هائلا وسارت الأمور على ما يرام خلال عطلة نهاية الأسبوعquot;.

بعد قراءة تصريحات السيدة كريستينا شعرت بالفخر وخيبة الأمل في ذات الوقت. الفخر لأنني أنتمي إلى فضاء البشر الذين يسكنون الأرض وقد تساوت فيه الأنثى مع الذكر في جميع الحقوق والواجبات.. فضاء تملك فيه المرأة الحرية بنفس الكمية التي يمتلكها الرجل.. فضاء تمتلك فيه المرأة نفس الحقوق في المأكل، والملبس، والتحدث في الأمور التي مازالت محرمة على نساء العالم العربي.. فضاء يحترم الحيوان ويفهم المقاصد العليا من وجوده.. فضاء يحترم الطبيعة التي ينتمي إليها الإنسان مثلما ينتمي إليها أي كائن آخر.

وشعرت بخيبة الأمل لأنني أنتمي إلى فضاء جزئي من كوكب الأرض لازالت المرأة فيه تكافح من أجل الحصول على حقوقها التي سلبها منها الرجل بالرغم من قيامها بكل واجباتها وما هو أكثر.. فضاء جزئي لا يسمح فيه للمرأة أن ترتدي أو تأكل، أو تشاهد، أو تتحدث إلا فيما يقرره الرجال.. فضاء يمنع فيه الرجل المرأة من ارتداء التنورة، فإذا ارتدت البنطلون يعاقبها بالجلد.. فضاء جزئي يحرم المرأة من حريتها العامة والخاصة والدلائل والأحداث التي تبرهن على ذلك لا تعد ولا تحصى.. حتى أن قيادة المرأة للسيارة تعتبر من المحرمات بأمر بعض الفقهاء، وسفر المرأة بمفردها من المحرمات عند بعض الشيوخ.. واللائحة تطول.. فما بالك لو تحدثت المرأة عن الفياجرا، وقالت quot;أن كل شيء مع زوجها كان على ما يرام بدون الفياجراquot;.. مسكينة حقاً المرأة في العالم العربي..

وشعرت بالاستياء لأنني أنتمي إلى فضاء جزئي غير متصالح مع بعض الحيوانات، وعلى الأخص الخنزير إذ يعتبره البعض حيوان نجس، بيد أني أعتقد أن النجاسة هي صفة يتصف بها الإنسان نتيجة انحراف أفكاره وغرائزه عن المسارات الصحيحة للطبيعة الإنسانية.

وما يزيد من كمية الاستياء أيضاً أنه في الوقت الذي يتغنى فيه الرجل العربي بلسان اللاوعي وبمنطق اللا منطق، وبعاطفة اللا عقل بأن المرأة العربية تملك من الحقوق ما يفوق غيرها من نساء الأرض تجد أن دولة واحدة فقط في العالم العربي هي سوريا من إجمالي عدد 22 دولة عربية توجد بها امرأة واحدة تشغل منصب نائبة رئيس الجمهورية.

بينما تجد في بقية دول العالم غير العربي والبالغ عددها 166 دولة أن حوالي 31 امرأة تشغل مناصب سيادية أي بما يعادل نسبة 18.7 % من عدد الرجال. فحسبما جاء في موقع منظمة التضامن النسائي للتعلّم من أجل الحقوق والتنمية والسلام WLP أن عدد 10 نساء في العالم يشغلن منصب رئيسة دولة هي الأرجنتين، أيرلندا، فنلندا،الفلبين، شيلي، سويسرا، رئيسة بالوكالة لدولة إسرائيل، البوسنة والهرسك، ليبيريا، لاتفيا. وعدد 5 نساء يشغلن منصب رئيسة وزراء في كل من أوكرانيا، ألمانيا، الجاماييك، نيوزيلندا، موزمبيق. وعدد 2 امرأة يشغلن منصب الحاكم العام في كل من كندا، وسانت لوسيا، وعدد 14 امرأة تشغلن منصب نائبة رئيس الدولة في كل من جيبوتي، ترينداد وتوباغو، الدومنيكان، كوستاريكا، إيران، المجر، تايوان، بيرو، جنوب أفريقيا، زمبابوي، غامبيا، فيتنام، اليونان، السلفادور.

هذا بالإضافة إلى آلاف النساء الحاليات والسابقات ممن شغلن أو يشغلن الآن مناصب رفيعة (وزراء، رؤساء جامعات، رؤساء محاكم عليا، قاضيات، برلمانيات، عضوات في مجالس شعبية ومحلية.. وغيرها). هذه هي مكانة المرأة في دول العالم الحر في القرن الحادي والعشرين. حيث نجد أن وضع وكرامة المرأة لا يعتمد على مستويات التقدم الاقتصادي للدول وإنما يعتمد على مستويات الثقافة العامة والقيم الإنسانية النبيلة التي تعتبر المرأة متساوية تماما مع الرجل في الحقوق والواجبات.

والمفرح حقاً أن كل هؤلاء السيدات من رئيسات الدول وغيرهن قد تم انتخابهن من قبل شعوبهن ولم يتم اختيارهن بنظام التزكية أو عن طريق الكوتة كما تحاول أن تفعل بعض الأنظمة في العالم العربي وهي كلها حلول سطحية لا تعالج المشكلة الأساسية وهي مشكلة الثقافة المجتمعية ذات الصبغات الدينية بتفسيرات جاهلية.

والعجيب حقاً أن تجد اليوم في العالم العربي أناساً لا يزالون في دهاليز الغيبيات متخبطون، وبعيداً عن العلم والمنطق تائهون. إذا وجه لأحدهم النقد من الآخر فالنقض مرفوض، وفي نفس الوقت لا ينتقد ذاته إذ يعتبرها خارج نطاق النقد، ولا يعي ما قاله العظيم كانت أن quot; النقد هو أهم آلة للبناء أكتشفها العقل الإنساني quot; فهو لا يؤمن بعلم وحكمة الفلاسفة الأشرار. وهو لا يرى نفسه لأنه لا يملك ألمرآه، وربما قد حطمها بإرادته التي أختزنها في اللاشعور أو اللاوعي وخرج بها بعيداً عن العقل.

إذا ما حدثته عن حاجته للديمقراطية، فالإجابة حاضرة.. نحن لنا خصوصيات وتاريخ وقيم أرفع من قيم العالم بأسره والديمقراطية رجس من عمل الشيطان. وإذا سألته عن سر تخلف العرب اقتصاديا برغم كثرة الموارد الطبيعية فنظرية المؤامرة جاهزة.. وإذا سألته عن سر تخلف العرب علمياً وتكنولوجياً.. سخر منك وأجابك على الفور لقد سخر الله لنا الآخرين لكي يعملوا ونستمتع نحن بإنجازاتهم.

حقاً ما أغرب هذا الفكر.. ما اغرب الفكر الذي يرفض تماماً تولي مناصب سيادية في المجتمعات العربية ليس بالنسبة إلى المرأة فقط وإنما إلى الأقباط أيضاً رجالاً ونساء. كيف يفسرون النصوص الدينية؟ وكيف يفهمون فلسفة التاريخ؟، وكيف يعملون العقل الذي طالما تغنوا بأنه وسيلتهم في الدعوة والإقناع.؟ أين حججهم التي تتفق مع حقوق الإنسان؟ ألا يعلمون أن كثيرين من رؤساء الدول المسيحية والهندوسية هم من أصول إسلامية أو من المسلمين. ألا يعلمون أن السيد كارلوس منعم ذو الجذور الإسلامية العربية جلس على سدة الحكم في الأرجنتين منتخباً من الشعب المسيحي لمدة عشر سنوات لولايتين متتاليتين من العام 1998 إلى العام 1999 في بلد تقدر فيه الجالية العربية بنسبة تتراوح من 1 إلى 1.5 % ـ منهم حوالي 150 ألف نسمة تقريباً من المسلمين ـ وذلك من إجمالي عدد السكان والبالغ 40 مليون تقريباً يدينون معظمهم (93%) بالمسيحية.

لا أعرف متى وكيف سينهض العالم العربي من غفلته ويستيقظ قبل فوات الأوان؟ ولا أعرف هل هي مسؤولية الحكام والحكومات؟ أم مسؤولية السلطة الدينية؟، أم مسئولية المستنيرين والمفكرين والعقلاء؟ أم هي مسئولية الجميع؟ أم أن الأمر يحتاج إلى معجزة.. لا يوجد أبلغ هنا مما قاله العظيم سقراط : quot;إنني أعرف أنني أكاد لا أعرف شيئاً، وحتى هذا أكاد لا أعرفهquot;.


[email protected]