الطائفية موجودة في كل مجتمع، ولا توجد دولة تخلو من الطائفية غير تلك التي وجدت في خيال أفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة، ووجود الطائفية في المجتمعات هي عملية نسبية تقل جدا في الدول المتقدمة والمحترمة وتزيد في الدول المتخلفة، وفي كل المجتمعات تقل الطائفية بين أوساط المثقفين والصفوة حتي تكاد تكون معدومة بين هؤلاء، نجد ذلك في أفقر المجتمعات وأقلها تقدما، ولكن الوضع عكس ذلك في مصر، فحتي الصفوة والمثقفين طائفيين حتى النخاع، بل والنظام كله طائفي.

فبعد نهاية بطولة كأس أفريقيا بأنجولا وفوز الفريق المصري بها، لم يفرح الأقباط ولم يشاركون في الفرحة، بسبب ما حدث في نجع حمادي يوم ليلة عيد الميلاد، والحقيقة أنني كنت في زيارة لمصر أثناء وقوع هذه الجريمة البشعة وأشهد أنني لم أتبادل التهاني بالعيد مع أحد من الأهل أو الأصدقاء وكانت كل مقابلاتنا ومكالمتنا في ذلك اليوم تنصب علي ما حدث لأخوتنا في نجع حمادي وكنا نتبادل التعازي ونواسي بعضنا بعضا بدلا من التهاني، ثم حلت بمصر كارثة أخري وهي تعرض بعض المدن القري المصرية لسيول غزيرة.

وبعد وصول الفريق القومي المصري مظفرا بكأس الأمم الأفريقية، قرر الفنان عمرو دياب التبرع بحفل غنائي للاحتفال بالفريق الوطني، إلي هنا وكل شئ يسير علي ما يرام ولكن تأتي المفاجأة الكبرى، عندما يقرر السيد حسن صقر بصفته رئيس المجلس القومي للرياضة بالاتفاق مع إتحاد الكرة المصري والجهاز الفني للفريق بقيادة الشيخ حسن شحاتة واللاعبين، أن تكون إيرادات الحفل التي كان متوقع لها أثنين مليون دولار أي ما يقارب أحدي عشر مليون جنية مصري لصالح متضرري السيول!!! وأين ضحايا مصر وضحايا الأقباط الذين فقدوا حياتهم بنيران الغدر والجبن؟؟

قد يقول البعض أن متضرري السيول قد يكون منهم مسلمين ومسيحيين، فأين الطائفية إذا؟؟ الطائفية هنا أن الدولة لا تعتبر موت ستة quot;زاد عددهم لتسعة بموت أثنين من المصابين واختناق سيدة أخريquot; من شبابها بكارثة!!!! ولا تعتبر إطلاق النار علي شباب في عمر الزهور وهم يلعبون ويلهون أمام كنيستهم في ليلة عيد الميلاد بمصيبة!!! الطائفية أن هناك من لايرى قيمة للدم المصري الذي أهدر بدون وجه حق وبدون ذنب طالما كان هذا الدم قبطي مسيحي!! المصيبة أن هناك من لا يرون دموع الأمهات التي تبكي دما علي أولادهن ولا يشعرون بهن!!! ليس لشئ إلا أنهم نصارى كفرة لا يستحقون المشاركة في تجفيف دموعهن ولا يستحقون الاهتمام من الكباتن!!! الطائفية هنا هي استغلال فوز الفريق المصري للتغطية علي حادث نجع حمادي، بدلا من استغلال الحدث لبث الحب بين الشباب المصري واستنكار الحادث وأن يشعر كل من يشارك ويشاهد الحفل بأنه شارك أسر الضحايا ولو بالقليل من المال أو القليل من المشاعر الإنسانية الجميلة.

في النهاية أن أموال الدنيا كلها لا يمكن أن تعوض أسرة عن قتل أحد أفرادها، ولم أكتب لأطلب مالا لأسر شهدائنا، وأن كان ذلك حقا أدبي وقانوني لهم من قبل الدولة والمجتمع المصري، بل كتبت حتى يشعر الأقباط باهتمام الدولة بهم وبشهدائهم وأن ينظر المجتمع لمثل هذه الحوادث علي إنها كارثة وجريمة في حق الوطن كله وليس في حق الأقباط فقط.. فكيف لي كقبطي أن أفرح بفوز فريق بلدي أو احزن علي هزيمته بعد ذلك؟؟؟ وحتي مبادرة هاني رمزي مدرب الفريق الاولمبي المصري بلعب مباراة في نجع حمادي لصالح أسر الضحايا لم تنفذ بعد ويبدو أنها لن ترى النور!!! إنها طائفية حتى في أسمى وأرقى المجالات وهي الرياضة!!

[email protected]