أستمعتُ بأهتمام الى أحد ممثلي قطر العراق لحزب البعث - فصائل المقاومة العراقية في سوريا وتحليله لما حدث ومايأمل أن يحدث في العراق كل يوم. ماجرى في تلك المقابلة التي نقلتها ( شبكة الانترنيت) وتدار أعلامياً تحت شعارات البعث العراقي، تتطلب وقفة تأملية لفهم مجموعات متعطشة للدمار والقتل والتأمر على نفس النحو الذي أنتهجته في السنوات الست الأخيرة وتنفيذها المقرر لحملة تصفيات جديدة بأسم المقاومة الأسلامية، تماماً كتلك التصفيات الجسدية التي شنها ( الحرس القومي ) في المدن العراقية في وسط وشمال وجنوب العراق منذ أكثر من 40 سنة.


ويبدو أن (خضير المرشدي) الرجل الأعلامي الممثل لجناح عزة الدوري الذي يحمل شهادة الدكتوراه لديه القناعة التامة والأيمان المطلق بما يلي :
1. أن الرفيق صدام حسين هو شيخ المقاومة وأبو الشهداء الأبطال وكذلك الرفيق الشهيد المناضل علي حسن المجيد.
2. أن حزب البعث العراقي هو حزب وطني شعبي تعشقه الجماهير العربية والأسلامية وتناصره وتؤيد شعاراته وتدعمه مالياً وأعلامياً.
3. أن البعث العراقي سيعود الى الساحة العراقية والعربية تحت راية (المجاهدين البعثيين ومجاهدي المقاومة الأبطال ) لأستهداف ( الأمريكيين وحلفائهم من العراقيين والفرس الصفويين والصهاينة الذين يلفضون أنفاسهم الأخيرة ) تحت ضربات المقاومة التي يقودها الممثل الشرعي للمقاومة( المهيب الركن عزة الدوري ) كما يرد أسمه ومنصبه في شبكة المنصور.
4. أن البيانات التي تصدر عن مكتب القطر العراقي للبعث في سوريا تخاطب العراقيين ( ياأبناء شعبنا الأبي، ياأبناء أمتنا العربية وجماهيرنا المناضلة ).


وتصوري لهذه الحملة الأعلامية وتحليلها أنها تصدر عن قناعة تامة لعقول تفتقد التوازن الفكري السياسي. كما أنها في غاية البساطة البيئية التي تنسخ بيانات وتصريحات حزبية تهديدية مكررة ومعوجة لرواسب قديمة تشكّك بأهل العراق الذين شُرد منهم أكثر من 4 ملايين نسمة ووضعتهم في قالب الأخلاص أو قالب الخيانة منذ عام 1963، حسب مشيئة العصابات البعثية الصدامية. هذه القناعة الأجرامية وتسمرها ولايمكن تغييرها مهما تتكشف لهؤلاء الأفراد من حقائق لأنها قائمة على أسس شخصية عدائية وليست سياسية كقوى معارضة تعترف وتقوم على أحترام الأرادة العراقية.


فنرى أنه من السهولة عند قادة البعث العشائري وعد الجمهور بالإصلاح ومحاربة الفساد وانتقاد الحكومة ونعت الكثرة العراقية بالعمالة والتبعية، أنه أسلوب للعيش مع كل التناقضات على حساب أهل العراق (المطالبون من جناح عزة الدوري رسمياً بالتضحية والموت ) في سبيل أفراد أسرة وعشيرة ومن في معيتهم. لذلك نرى أنه وبعد كل تاريخ تنكيل الحزب العشائري بقادة الحزب من البعثيين وكوادره المثقفة ومطاردتهم وسحق أفكارهم في التطلع للحياة الحرة، يحاول المكتب الأعلامي للبعث العراقي العشائري في دمشق، من جديد، كسب الجماهير وطمس حقيقة البيانات والأحصاءات الرسمية المؤرخة للمنظمات الدولية التي تشير الى المذابح والقبور الجماعية وعمليات الأنفال العسكرية ضد الأكراد وسحق التطلعات والحقوق القومية والأعتراف بحقوق العراقيين دون تمييز.


هذا الطغيان الفكري والقناعة المتشبعة بروح فردية القيادة وبصفة التمييز بين عراقي وعراقي، سلطة وسلطة، ودولة عدوة ودولة صديقة، تدور في مخيلة عناصر البعث العشائري كأسس تقليدية ثابتة كما كانت تدور في التمييز والتزمت والشك بين بعثي مخلص لمن ( صفقَ وخنعَ) وبعثي خائن لمن (لم يصفق ولم ينحن). أن قيادة حزب البعث العراقي في سوريا لم تُدن الحروب والغزوات والديون التي ورطوا العراق بها ولا بالأخطاء التي تسببت في تحطيم العراق كبلد مستقل ومأسي لسكانه. ولايجد متحدثهم الرسمي غرابة في تثمين الموقف الحالي لسوريا وتثمين موقف المملكة العربية السعودية في عملية أطراء تحوي كل الشذوذ الفكري متناسياً أن الدولتين كانتا قد أرسلتا قوات عسكرية لدحر الجيش العراقي من الكويت عام 1991 والعمل على اسقاط النظام لاحقاً.


والرجل مع ذلك على ثقة وأيمان مطلق عند الاستماع له، بأن جناح البعث العراقي ورئيسه الحالي عزة الدوري يضم كل الطوائف العراقية الدينية والعلمانية ويجمع كل القوى المُحبة للتحرير. ولاأدري صحة ذلك في وقت لفض كل العراقيين من الشيعة والأكراد الذين يمثلون أكثر من 80% من نفوس العراق، لفضوا العصابات المجرمة التي لاتؤمن أِلا بالقتل والتأمر. ولاأدري كيف نستطيع فهم كل هذه الثقة والأيمان بأنهم خلقوا للقيادة والقتال والحروب وعقيدة (وطن تشيده الجماجم والدم تتهدم الدنيا ولايتهدم). لقد كانت خيبتي حقاً كبيرة، حيث كان بودي أن أسمع من ممثل البعث (ولو بكلمات قليلة ) عن السلام والأستقرار والرغبة في استتباب الأمن وتضميد الجراح وعدم التلويح بأشارات القتال والحروب والتهديد لأعادة روح الثقة لأجيال العراق القادمة، ولكن الرواسب القديمة أخذت دورها المعتاد....


فأما التخويف والأبتزاز والقتل وقبول أهل العراق برفع راية السجود والتضحية بألأرواح والدم للبعث أو تخريب البلاد وهدم مؤسساتها عن
طريق عصابات منظمة ومسلحة للوصول الى قمة السلطة بالقوة.


لايوجد لهذه العقول فهم آخر ولايمكن أزالة الأصابة المرضية الفكرية بالحوار والتعليم والتثقيف بأن الوطنية هي ليست ملكاً حكراً لعشيرة والعلاقات مع الدول تبنى بكرامة وعزة وتخطيط دون تهديد من عقيمي الفكر والروح والمبدأ، وأن عالم اليوم والتأثير الأيجابي فيه يقوم أساساً على التعاون والأنفتاح والبناء الحضاري ورعاية البلاد وحماية مؤسساتها من التخريب وعلل الأمراض المتزمته، وتقوم على أحترام الدول المجاورة لا بالتهديد العسكري والمناطحة بين القوي والأقوى وهدر دماء الشباب.


عقلية النظام الشرس والقبضة الحديدية للحزب العشائري الذي أغتال أعضائه من (الرفاق) وشرد مناضليه و تاجر بأهدافه حلقات لاتنتهي بالأعتذار والندم والتوبة من المشاركين في الجرائم البشعة التي جاوزت في أجرامها تاريخ الجرائم النازية والفاشية. والحقيقة المكشوفة لهذه الفئة التي لاتحمل أي مصداقية في شعاراتها وتصرفاتها أنها تعتاش على مساعدات أنظمة عربية في سوريا، السعودية ومصر والتي تُقدَم مقابل خدمات. فكل الجرائم البشعة التي سببتْ تدمير العراق وتشريد أهله يختزلها البعض منهم تحت تسمية ( المقاومة وجبهة الجهاد والخلاص والتحرير والقتال ) ضد الأحتلال.


ولعل السياسة الناجحة لأي حكومة عراقية قادمة هي الأهتمام بالمطالبات العراقية والملاحقات القضائية المُلزمة بتسليم هؤلاء المُجرمين الى السلطات العراقية لمحاسبتهم وفق القانون رغم معارضة وحماية الجهات العربية والغربية لهم.

أستاذ جامعي وباحث سياسي
[email protected]