quot;آلية التآكل من الداخلquot;

في ثقافة المجتمعات المتخلفة منهج حياتي تديره قوى متنفذة ndash;مهما كان الأسلوب- قوامه التلميع من الظاهر على حساب التآكل من الداخل.. فذلك يخدم أمرين بالنسبة إليهم، على الأقل:
الأول: النزوع النفسي الى التظاهر بما ليس فيهم اقتداء أو تقليدا لمن يفوقهم تطورا ومظاهرا..كنوع من الحاجة النفسية( تحقيق التوازن النفسي ) و يعبر عنها في علم النفس بـquot;آليات دفاعية نفسية لتحقيق التوازن.
الثاني: إلهاء الناس بالمظاهر التي تنسحب-تنعكس- على الأفكار، وآلية التفكير بنسبة ما، و تسمى تجلياتها الواضحة او تعبيراتها الظاهرة بـ quot; شعاراتquot;و تنعكس إيحاءاتها على الإعلام- الكاذب في معظم ممارساته- وهذا يختلف عن الإعلان التجاري أو السياسي في المجتمعات المتقدمة..
ففي هذه المجتمعات المتقدمة، تمرر أشياء غير صحيحة عبر الإعلان والإعلام، ولكنها تكون مغلفة ndash;غالبا- بشيء صحيح، ضمانا لمصداقية ما يعلنون،لحساب نظرة إستراتيجية..-وهي نظرة تفتقدها النظم في المجتمع المتخلف عموما.


الشعوب في المجتمع المتقدم، لديها ثقافة التمييز، و وتمتع بحق حرية الاختيار في ظروف وجود تنافس شديد بين المختلفين في الإعلان والإعلام؛ سواء أكانوا تجارا، أم صناعا، أم سياسيين..الخ. ولا يمكن لإعلانهم أن ينطلي على الناس ما لم يتضمن جزءا موافقا لواقعهم وتطلعاتهم -أيا كانت..-.
وهكذا... فلا يعود الإعلان فقط إعلانا، وإنما ndash;أيضا- تربية للذوق والتفكير على ما فيه،ومع مرور الوقت.و يكون التأثير اخطر في هذا المنهج؛ عندما يتولى تطبيقه متنفذون-سياسيون خاصة- بشكل ما.. عندما يتولون السلطة، ويشكلون نظاما متخلفا ndash;بغض النظر عن تسميته: اشتراكيا أم ديمقراطيا، ليبراليا أم دينيا أوتوقراطيا...الخ. فالعبرة ليست بالتسمية وإنما بمدى تطبيق الشعارات ومضمون التسمية..


وإن ممارساتهم هذه تحيل المجتمع إلى مزرعة رخيصة لتجارب أذهانهم المبتلاة بمرض السلطة والمظهر..فيهدرون أموال الشعب على مشتهياتهم،ويبتكرون وسائل مغرقة في المبالغة في تعظيمهم،حتى يكاد بعضهم ان يكون quot;فرعوناquot; يردد لسان حاله القول: quot;أنا ربكم الأعلىquot;.ويبني كل منهج حياته الإدارية لمجتمعه على هذه الحالة المشوَّهة والمشوِّهة في نفس الوقت.


وبما أن استمرار هذا النمط من النظم مرهون برضا القوة المهيمنة عالميا ndash;سياسيا واقتصاديا وعسكريا- بشكل مباشر، كالاحتلال،أو غير المباشر؛ ولذلك مسارات كثيرة، منها الخافية، ومنها الظاهرة.فلا يمكن لهؤلاء الساسة أن يكونوا مرتاحين في ممارساتهم هذه؛ ما لم يؤمّنوا رضا القوى المهيمنة المذكورة.وكأمثلة:
حرب صدام مع إيران وكالةً عن أمريكا،ودفع مليارات الدولارات تعويضا عن سلوك خطط له النظام بوعي،عن طائرة لوكريي،نتيجة قرار غير محسوب،وهي من أموال الشعب وأرواحه ودمائه..وكانوا يدرسوننا بل ودرستاه أيضا أن حكومة السويد سقطت في مرحلة ما لأنها لم تؤمن مادة الزبدة في الأسواق لأيام أو أسابيع..-ولم يهدروا من أموال الشعب شيئا وإنما لم يحسنوا تامين بعض جوانب الرفاهية البسيطة للشعب خلال فترة قصيرة فحسب.


ومن الأسف ان نلاحظ أن هذه الثقافة الارتجالية والمبعثرة، تسري في الوسط السياسي الكردي-الحزبي بشكل خاص. أيضا..
نعم. في الوسط الاجتماعي عادة هذه الظاهرة موجودة بشكل ما، ولكنه يقتصر-عادة- على الذين يتبعونه، ولا يملكون السبل الى فرضه إلا قليلا..
لكن المتنفذين- السياسيين خاصة- يستطيعون فرضه أكثر-بفعل خلط الظاهرة النفسية المريضة هذه؛ مع مفاهيم قيمية- وطنية- وقومية نضالية؛ يجعل الناس أكثر استجابة لهم، فضلا عن خبرتهم الخاصة في نشر مفاهيمهم عبر آليات هيئوها لذلك بمهارة.


إذا، النزوع النفسي إلى التظاهر بما لا يتحلون به،وإتباع سياسة الهاء الناس فيما لا يعنيهم..وكل ما يتصل بذلك يصبح منهجا حياتيا يكرس باستمرار حتى يبلغ مبلغا يحيل مجمل العلاقات وأنماط التفكير والسلوك الى حال مرتبكة اجتماعيا ونفسيا وفي صميم التفكير.
وهنا المشكلة والمأساة..وربما المرض الذي يصعب جدا،علاجه.وهذا واقع المجتمعات المتخلفة-للأسف..فقد أفرز هذا المرض آليات ميكانيكية لاستمرارها، وقد تستعصي على المعالجة في الظروف العادية، ولا بد من جهود وذكاء وروح نضالية سامية وشجاعة للتصدي لها.