(الإنجاز التاريخي ) غير المسبوق الذي تحدث عنه الرئيس ألأمريكي باراك أوباما بالتوقيع على قانون الإصلاح الصحي و توسيع غطاء حماية التأمين الصحي لأعداد أخرى من الشعب الأمريكي هو في حقيقته العارية فضيحة كبرى لزعيمة العالم الرأسمالي الحر!، ولتلك القوة الكونية العملاقة التي أخذت على عاتقها تحرير الشعوب وفرض الديمقراطية ولو عن طريق المدافع و الصواريخ العابرة للقارات!

وهي القوة التي تحاول الهيمنة الكونية حتى في صياغة العقول و المناهج و مراقبة الحسابات و الكشف عن ما تحت البنطلونات و السراويل في مطارات الدنيا!، بينما قطاعات كبرى وواسعة من شعبها و خصوصا الفئات الشعبية و الطبقية الأضعف تعيش أوضاعا مأساوية مزرية أمام قلة ذات اليد و إنعدام الحيلة و المقدرة على الدفع في ظل نظام طبقي قاسي لا يرحم! و مع ذلك فإن غالبية ممثلي ( الشعب الأمريكي ) و بضمنهم كل نواب الحزب الجمهوري و عددا غير يسير من حزب الرئيس نفسه ( الحزب الديمقراطي ) قد وقفوا ضد هذا القانون الذي هو قانون إنساني يهدف لتوزيع جزء من الثروات الأمريكية المهدورة على المغامرات و الحروب و تجارب الأسلحة البيولوجية و النووية و الكونية المرعبة في رعاية الطبقات الأضعف و التي أصابتها الأزمة الرأسمالية النقدية الأخيرة في مقتل أيضا، ولا أدري كيف يمتطي نواب يمثلون الشعب صهوة المعارضة لقوانين إنسانية تصب في مصلحة الشعب؟ وهو ما يؤكد أن الطبقة السياسية الأمريكية تحركها الشركات الرأسمالية الإحتكارية العملاقة التي يمتلكها حيتان المجتمع الرأسمالي الأمريكي التي لا تلقي بالا في النهاية لمصالح و آمال وآلام غالبية طبقات الشعب التي أصابها الوهن و الضعف من جراء الأزمة الإقتصادية الكونية، لقد فشل العديد من الرؤساء التاريخيين الأمريكيين في إقرار مثل ذلك القانون بدءا من فرانكلين روزفلت وحتى تيودور روزفلت و هاري ترومان و إيزنهاور و جون كينيدي و رونالد ريغان و بوش الأب و الإبن و كلينتون أيضا في مراحل تميزت بظهور القوة ألأمريكية العظمى و سيادتها على الكرة الأرضية و تمكنها من حسم الحرب الكونة الباردة لمصلحتها..!

و مع ذلك فقد فشلت تلك القوة في معالجة آلام الضعفاء و التخفيف من معاناتهم بينما نفس القوة تتنطع لمعالجة مشاكل وآلام دول العالم الثالث و لو عن طريق سياسة نشر المارينز و إستعمال القوة المفرطة لفرض ديمقراطية معينة هي في حقيقتها ديمقراطية تدميرية ملغومة تستخرج كل الكوابيس و العفاريت لتطلقها في ألأجواء مدشنة لأجواء فتنة شاملة تعلم الإدارة الأمريكية جيدا بأبعادها التخريبية! يقول البعض و منهم الرئيس السوري بشار ألأسد مثلا بأن الولايات المتحدة تمتلك المعلومات و لكنها لا تمتلك المعرفة بشؤون المنطقة!! و أعتقد إن هذا الرأي مجاف للحقيقة فالأمريكان يعرفون جيدا كل التفاصيل الصغيرة و الصغيرة جدا وهم على إلمام كامل بتوافه الأمور فضلا عن عظائمها، و لكنهم يمتلكون سياسة ستراتيجية كونية تتجاوز المرحلة الراهنة لتخطط الشكل المستقبلي للنصف قرن القادم!، أتساءل حقا إذا كانت الولايات المتحدة وهي تمتلك أرقى المستشفيات و الجامعات و المعاهد المتخصصة في مختلف العلوم، كما أنها تمتلك من الثروات المادية ما يجعل الكون بأسره تحت تصرفها قد عجزت حكوماتها و إداراتها الجمهورية و الديمقراطية عن حماية مواطنيها و أبناء شعبها و ملايين المهاجرين إليها من غائلة الزمن و من الأمراض و الرعاية الصحية فكيف تريد تلك الإدارات تعميم النموذج الأمريكي في العالم أو أن تحقق الديمقراطية و التقدم و التنمية في الشرق الأوسط وفي العراق على وجه التحديد الذي تعرض لأكبر عملية تدمير عسكرية شملت مختلف جوانب الحياة العراقية و بشكل هشم بالكامل كل الإمكانيات الحقيقية لذلك البلد العربي المنكوب الذي نجحت الآلة العسكرية الأمريكية في تحويله لملحق أو سرداب من سراديب الولي الإيراني الفقيه!!، لذلك لم نستغرب الأنباء التي راجت حول النهب الأسطوري الذي تعرضت له الأموال الأمريكية المخصصة لإعادة إعمار العراق و البالغة 150 مليار دولار!! التي شفطها ( هوامير ) الشركات الأميركية العملاقة و بعضا من العملاء العراقيين، فالإعمار في العراق لا وجود له فلم يبن مرحاض واحد طيلة السبع العجاف الماضيات، و ما زالت أعداد هائلة من العراقيين تسكن المقابر و تعتاش في طعامها على ما تجود به المزابل! بينما أحمرت وجوه فرسان الطائفية و زعامات التخلف و الخرافة بالأموال التي إنهمرت عليها من حيث لا تحتسب! ألم يكن من الأجدى للإدارات الأميركية وهي تتفلسف حول شكل العالم أن تعير جزءا من الإهتمام لشعبها بطبقاته الأضعف و الأقل شأنا التي لا تمتلك حقول البترول و لا الشركات العملاقة العابرة للقارات و لا شركات الأمن و الحماية و المقاولات الوهمية... أكذوبة الدعم الأمريكي للتنمية و الديمقراطية لشعوب الشرق الأوسط تفضحها معاناة ملايين السود و اللاتين الأمريكيين الذين يموتون على أبواب المستشفيات الأميرؤكية لعدم شمولها بنظام التأمين الصحي الذي يشترط وجود مداخيل عالية لم تعد متوفرة و متاحة للجميع... من يعجز عن صيانة و تحصين بيته كيف يمكن له بناء بيوت الآخرين فضلا عن فرض الوصاية عليهم و تدمير حياتهم بدعم أهل الخرافة و الوهم لكي يمعنوا في تمزيق شعوبهم و تشظيها و جعل مستقبلها في مهب الريح؟.. لقد حرك الرئيس أوباما السواكن من الفضائح و أثبت على الملأ من ان فضائح السياسة الأمريكية و معاييرها المزدوجة هي أكبر من كل فضيحة... أما شعوبنا فما عليها سوى إنتظار ( غودو )..؟

من يعلم قد تتحقق المعجزة، رغم أننا لا نعيش أبدا في عصر المعجزات بل في عصور النصب و الإحتيال على الشعوب.. ولكم بما حدث في العراق أسوة سيئة...؟


[email protected]