يقف أمام الكاميرات عاقدا يديه خلفه، يتجول بزوجته المقعدة في شوارع امستردام، ويطوف بها المعارض والمناسبات العامة، يتحدث الصحفيون عن دماثة خلقه وحلو معشره إنه: يوب كوهين السياسي والأكاديمي السابق الذي جعل حزب العمل بحسب آخر استبيانات الرأي - بعد انسحاب زعيم حزب العمل فاوتر بوس وحلوله هو محله - القوة السياسية الأكبر في هولندا، بـ 33 مقعدا برلمانيا متوقعا.

من ضدها تتولد الأشياء، حكمة عربية تجد صداها في مملكة الأراضي المنخفضة، وبلد القنوات المائية، ففي وقت يتصاعد فيه المد اليميني في البلاد، يبدو أن رياح اليسار بدأت هبوبها مجددا، بعد النجاح الذي حققه حزب العمل بتقليل خسائره بشكل كبير في الانتخابات المحلية الأخيرة، ليصبح متفوقا على منافسيه الديمقراطي المسيحي الحاكم، لكن بروز اليسار ساعده انسحاب حزب العمل من الحكومة وسقوطها، ثم قدوم يوب كوهين الذي سمته صحفا هولندية المسيح الجديد.

وربما يرجع ذلك أساسا لاستشعار الكثيرين بأزمة القيادة في البلاد، مع عدم الثقة بصلاحية المسيحي الديمقراطي لذلك، بوزاراته الأربع التي سقطت قبل نهاية مدتها وكذلك عدم الثقة باليمين الهولندي لتلك المهمة. وكلك صعود تيار الرفض بعد الـ quot;لاquot; للدستور الأوروبي، وتنامي نزعة quot;ضد أوروبا واحدةquot;وتأكيد الانسحاب من أفغانستان بما يعنيه من فتور تجاه حلف الناتو الذي ساهمت هولندا في تأسيسه.

يستشعر الهولنديون خفوت لمعان تاريخهم المتسامح، ونضوب معين تواصلهم السلس مع العالم، وهم ورثة التجار شركة الهند الشرقية المتحدة 1602م. ينضاف لهذا الأزمة الاقتصادية التي أصابت هولندا في الخاصرة تماما.

في إطار هذا يبدو أن كوهين المولود لناشط يهودي بمدينة هارلم قرب امستردام، في أكتوبر 1947، وله ثلاث أبناء ( بينهم بنت)، كرجل أكاديمي عمل لجامعة ليدن وجامعة ماستريخت قبل أن يصبح عميدا للأخيرة، ثم وكيلا لوزارة التعليم والعدل وكذلك رئيسا لإحدى المؤسسات التلفزيونية (VPRO) وأخيرا عمدة لأكبر وأشهر مدينة في البلاد امستردام، ولتسع سنوات تقريبا، يبدو شخصية مقتدرة وجديرة بالثقة شعبيا.

وحصد كوهين إعجاب أوروبا، بمقاربته الاجتماعية الحكيمة، عقب مقتل المخرج الهولندي ثيو فان خوخ على يد متشدد من أصول مغربية، ووصفته التايم في مايو ذلك العام بأنه quot;مفتاح المدينةquot; وخطب كوهين في 20 ألف احتشدوا تنديدا بالاغتيال quot; المسلمون لم يكونوا بحاجة لندعوهم، لقد بادروا بأنفسهم لاستنكار الجريمةquot;. ومن ضمن 106 اعتداء في أرجاء هولندا بعد الواقعة، سجلت الشرطة اعتداء واحد فقط في امستردام ضد المسلمين بحسب مؤسسة آنا فرانك يومها. كما انه أول موظف رسمي في العالم يعقد قران زوجين من نفس الجنس حينما عقد زواج مثليي الجنس يوم 1 ابريل 2000.

يعتقد كوهين في مقولة quot; استمع لكل الأطرافquot; وهو ما جعله دائما شخصية هولندية quot;فوق الاعتبارات الحزبيةquot;، ومن الصعب على اليمين المتطرف المزايدة على صرامة كوهين في ملف الهجرة. فهو أول من بادر بالمطالبة والعمل على تشديد معايير الهجرة، والتحفيز على استضافة الخبرات الخارجية بالذات حينما كان وكيلا لوزارة العدل. وهكذا سيفقد خيرت فيلدرز زخما كبيرا من هجومه على حزب العمل حينما طالبه بوضع مقره في مكة وليس بأمستردام.

لا ننسى هنا أن قاتل ثيو فان غوغ وضع على صدر ضحيته ورقة تهدد من يعتبرهم يعادون الإسلام، وكان اسم كوهين من ضمنهم. كما انه كوهين كعمدة لأمستردام صرح بأن quot;النساء حين لا يعملن ولا ينلن وظيفة بسبب ارتدائهن النقاب (البرقع)، يجب أن يحرمن من المعونة الاجتماعية الخاصة بالعاطلين عن العملquot;.

ولكن تصاعد اليمين، ومواقف وسائل الإعلام الهولندية التي يرى المسلمون أنها غير محايدة تجاههم، والصورة النمطية عن الإرهاب والبطالة والجريمة، وعدم احترام المرأة، تؤدي بالمسلمين، لدعم حزب العمل، خاصة بعد أن قدم موقفا واضحا تجاه استحالة التحالف مع فيلدرز وحزبه مهما تكن النتائج. ودرجت بعض الصحف والمجلات على المقارنة بين اوباما وكوهين تحت مسمى أجندة التغيير.

تخلى الكثير من المهاجرين عن حزب العمل سابقا، بدعوى أن مرونته السياسية جعلته يجنح لليمين، ويترك مصالح الأجانب، وبعد ماحدث من سقوط الحكومة وقدوم كوهين، يبدو أن الشعور بالحاجة لحزب العمل باتت ملحة، خاصة وان الانتخابات المحلية الماضية أبانت عن قوة انتخابية وازنة للأجانب والمهاجرين، وهو ما يسعد quot;أبن الناشط اليهوديquot; الذي بات قريبا من منصب رئيس وزراء هولندا وبدعم من المسلمين أيضا هذه المرة.

[email protected]