قبل أسابيع قليلة اطلعت على صفحات إيلاف على مقال ممتع عن مشاهدة سكان بابل في العراق لأطباق طائرة واستغل كاتب المقال هذه الفرصة ليذكر القراء بعرض تاريخي لهذه الظاهرة الغريبة وانعكاساتها على الذهنية البشرية، فتساءلت هل يمكن للبشر تصديق حقيقة أن هذه الأجسام المحلقة المجهولة الهوية التي تختصر بالفرنسية بالحروف الأولى لجملة objets volants non identifieacute;s OVNI أو UFO بالإنجليزية، هي مركبات فضائية قادمة من كواكب أخرى في الفضاء مأهولة بحضارات متطورة تكنولوجياً وعلمياً ومتفوقة علينا أو متقدمة بآلاف أو بملايين السنين يطلق عليهم العلماء تسمية extraterrestres؟ وكيف وصلت إلينا تلك الأجسام الطائرة حتى لو كانت تسير بسرعات هائلة تقرب من سرعة الضوء وهي 300000 كلم / ثانية، خاصة وإن المسافات التي تفصلنا عن أقرب نجم للأرض هي أربع سنوات ضوئية، فما بالك إذا كانت تبعد عنا ملايين أو مليارات السنين الضوئية والسنة الضوئية هي ما يقطعه الضوء بسرعته المذكورة أعلاه خلال سنة أرضية؟ ومع ذلك يعتقد البعض جازماً أن هنالك عدد غير محدد من الكائنات الفضائية التي تشبهنا ولها هيئة البشر تعيش بيننا بصورة سرية ومختلطة معنا وتقوم بمهمات بحثية على كوكبنا منذ سنوات بعيدة لكنها لم تتصل بحضارتنا البشرية بصورة رسمية وعلنية عدا استثناءات نادرة عبر التاريخ.
وهنالك من لا يصدق ذلك وينفي نفياً قاطعاً وجود عوالم أخرى وكائنات ذكية في الكون غيرنا، ومن بينهم علماء كبار ومعروفين وحجتهم أنه quot; إذا كان هؤلاء موجودون حقاً فلماذا لم يتصلوا بنا بشكل عملي ملموس ومثبت لحد الآن؟ ويتلخص موقفهم بجملة أو بمعضلة quot; مشكلة اللاإتصال le problegrave;me du non contact واستحالة الاتصال بنا تبعاً لمفارقة فيرمي paradoxe de Fermi، وفشل برنامج سيتي SETI الذي نفذته وكالة الفضاء الأمريكية ناسا وهو عبارة عن محاولات لإجراء اتصالات كهرو رادويوية أو إشعاعات كهربائية radioeacute;lectriques مع حضارات لا أرضية أو فضائية civilisations extraterrestres ويميلون لفكرة وحدتنا الكونية Notre solitude Universelle أي أننا نمثل الحياة الذكية الوحيدة في الكون ووجودنا تم بمحض الصدفة، وهي صدفة لن تتكرر، وهذه نظرة عبثية لأن الكون المعروف بشساعته اللامحدودة لا يمكن أن يكون وجوده عبثياً وفارغاً إلا من حفنة من البشر لا يشكلون ذرة غبار بالنسبة لمكونات هذا الكون العظيم المتكون من مئات المليارات من المجرات و التي تحتوي بدورها على مئات المليارات من النجوم والكواكب الملحقة بها والدائرة في أفلاكها. يدعي أحدهم أن عمر الكون المعروف لدينا اليوم بوسائلنا العلمية البدائية لا يتجاوز الخمسة عشر مليار سنة في حين أن متوسط عمره في أسوء الأحوال حسب تقديرات العلماء هو عدة مئات المليارات من السنين، بعبارة أخرى أن الكون، بنظر هذا العالم، ولد للتو وهو ما يزال في طفولته و لا يمكنه أن ينجب هذا الكم الهائل من المخلوقات الذكية والعاقلة، وإن وجدت فهي تماثلنا في المستوى أو أدنى منا وموزعة في أعماق الكون البعيدة ولا يمكنها كما لا يمكننا الآن الترحال بعيداً حتى خارج مجموعتنا الشمسية للاتصال بها على عكس ما تقدمه لنا أفلام الخيال العلمي والمسلسلات الخيالية العلمية من نوع ستار تريك Star Trek وحرب النجوم La guerre des Etoiles والتي تقول لنا أن مجرتنا درب التبنانة ذات المئتي مليار نجم ومليارات الكواكب تعج بالمخلوقات الذكية من كل نوع وجنس، ويستند هذا العالم في رأيه هذا لمقولة العالم الفذ ستيفن هوكينغ Stephen Hawking في أن ظهور الحياة على كوكب ما لا يعني بالضرورة حصول حضارة متطورة وذكية. بالرغم من دهشة علماء الفيزياء الفلكية astrophysiciens عند اكتشافهم لعدد هائل من المجرات والنجوم والغازات الكونية الغنية بالكاربون والأوكسجين وهما مصدر الحياة في حقبة بدايات الكون عندما لم يتجاوز عمره بعد المليار سنة. وقبل المضي في الموضوع لنوضح ما المعني بمفارقة فيرمي ومن هو فيرمي. أنريكو فيرمي هو عالم إيطالي حاز على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1938 وتعبير مفارقة فيرمي أطلقه العالم الأمريكي الشهير كارل ساغان Carl Sagan ومفاده،quot; أنه لو كانت هناك حضارة كونية متقدمة تكنولوجياً وعلمياً لكانت استعمرت المجرة منذ زمن طويل وبالتالي كان من المفترض أن نرى كائنات فضائية تحتل كوكبنا وتديره وهذا لم يحصل. ولذلك أعلن عالم الفلك ميكائيل هارت Michael Hart سنة 1975 استناداً إلى مفارقة فيرمي، أن غياب الكائنات الفضائية الذكية على أرضنا يعني أن الإنسان هو المخلوق الوحيد داخل المجرة، وكرر نفس مقولته علماء آخرون مثل فيليب زاركاPhilippe Zarka وألفريد فيدال مدجار Alfred Vidal Madjar و نيكولا برانتزوز Nicolas Prantzos الذين يؤيدون مفارقة فيرمي ويطرحون نفس التساؤلات والشكوك، من قبيل: quot; إذا كانوا موجودين فأين هم؟ ولماذا لم يأتوا إلينا لحد الآن بشكل علني وملموس ومثبت؟ فحضارة تسبقنا بمليون سنة لا يمكن إلا أن تكون حاضرة بيننا. وإذا كان تلك الحضارة لو وجدت فلماذا لم تستعمر الأرض التي لا يتجاوز عمرها الـ 4.6 مليار سنة، فهذا يعني أنها غير موجودة. ويعتقد العالم ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould أن وجودنا كان نتيجة حدث عرضي للتطور الأعمى وإذا كانت الحياة عبارة عن حادث وقع بمحض الصدفة فلا مجال لاحتمال تكرار هذا الحادث أو تكرار هذه الصدفة في مكان آخر في الكون. يعتقد عالم الفيزياء الفلكية والرياضيات البريطاني ستيفن هاوكينغStephen Hawking أنه إذا كانت هناك حياة ذكية ومتطورة في مكان آخر خارج الأرض فإنها ستكون حتماً بعيدة جداً وإلا كانت قد زارت الأرض منذ زمن بعيد ولكنا عرفنا بوجودها وزيارتها لنا حتماً ولحدث ذلك وفقاً لسيناريوهات تطرقت إليها أفلام الخيال العلمي من نوع quot; يوم الاستقلال Indeacute;pendance Day quot;و quot; حرب العوالم La Guerre des mondes quot; أي كمخلوقات غازية ذات نوايا شريرة وليس كما جاء في فيلم إي تي ET أو فيلم لقاء النوع الثالث Rencontre de troisiegrave;me type، وبالتالي عندما ستتاح لنا فرصة استكشاف مجرتنا درب التبانة فربما سنكتشف أشكال بدائية من الحياة ولكن بالتأكيد لن نعثر على مخلوقات مثلنا لأن الكائنات التي تشبهنا سوف تدمر نفسها قبل أن تصل إلينا أو تدمرنا بمجرد عثورها علينا كما نفعل نحن البشر، وهذا هو أيضاً رأي العالم الفيزيائي والفلكي لوي هيندكورت Louis Hendecourt.
لماذا لم يعط مشروع سيتي SETI أية نتائج مثمرة؟
كان عالم الفلك فرانك دراك Frank Drak أول من قام بحث منتظم عن إشارات ورسائل ذكية قادمة من الفضاء من حضارات كونية سنة 1960، وذلك في إطار مشروع أوزما Projet Ozma إلا أن الاستماع لإشارات قادمة من نجمتين متشابهتين وجهت إليها الصحون اللاقطة، وهما إبسلون إريداني Epsilon Eridani و تو سيتي Tau Ceti لم يعط شيئاً. وفي سنة 1961 قدم دراك معادلة رياضية عرفت بمعادلة دراك للوجود الحي في الكون Equation de Drak تتعلق بعدد الحضارات الكونية الذكية المفترض وجودها في مجرتنا درب التبانة La voie lacteacute;e. إن أغلب مفردات أو ثوابت ودالات تلك المعادلة مجهولة، كنسبة الكواكب الملائمة للحياة، ونسبة الكواكب التي ظهرت فيها الحياة، ونسبة الكواكب التي ظهرت فيها حياة ذكية ومتطورة، الخ.. وكانت النتيجة النهائية لصيغة دراك الرياضية تعتمد كثيراً على تقدير متوسط الحياة لحضارة متقدمة تكنولوجياً أو كما صاغها هو بالفرنسية La dureacute;e de vie moyenne drsquo;une civilisation avanceacute; technologiquement فلو أعطينا قيمة مرتفعة لهذه الدالة L في المعادلة فإن النتيجة تقول أن المجرة مأهولة بملايين الحضارات الذكية وإذا كانت القيمة لهذه الدالة L صغيرة، بسبب التدمير الذاتي المحتمل للحضارات المتقدمة تكنولوجياً على سبيل المثال، فإن الحضارات الذكية المفترضة أو المتحملة تعد بالمئات في المجرة. وبعد أن فشل مشروع سيتي في تقديم نتائج مشجعة قطع الكونغرس الأمريكي التمويل عنه وصار يشتغل اعتماداً على الهبات الخاصة من الشركات وتبرعات بعض الأثرياء في العالم منذ عام 1994. وإنطلاقاً من معادلة دراك استنتج العلم الفلكي بيير غيران Pierre Gueacute;rin وجود ثلاث أنواع من الحضارات الكونية أو الفضائية آخذاً بالاعتبار معيار مستوى التطور التكنولوجي لحضارتنا الأرضية حالياً.
النوع الأول: حضارات لم تكتشف بعد وسائل الاتصال الحديثة teacute;leacute;communication ومستواها التقني والعلمي لا يتجاوز ما حققه البشر في حقبة القرن التاسع عشر وبالتالي ليسع بوسع مثل هذه الحضارات أن ترسل إشارات أو رسائل لحضارات أخرى ومنها حضارتنا نحن.
النوع الثاني: حضارات تمتلك مستوى علمي وتقني يشابه ويقارن بالمستوى التكنولوجي لحضارتنا الأرضية في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
النوع الثالث: حضارات حققت تقدماً تكنولوجياً هائلاً يتفوق على حضارتنا بمئات الآلاف أو بملايين السنين.
فلو استثنينا النوع الأول لعدم قدرته على التواصل تكنولوجياً معنا أو مع حضارات أخرى تتفوق عليه، نأخذ النوع الثاني ونتساءل هل من المنطقي أو الأمر الذكي والنافع أن تطلق حضارة من هذا النوع الذي يتساوى مع مستوانا التقني والعلمي، إشارات ورسائل كهرو راديوية radioeacute;lectriques مكلفة على أمل أن تلتقطها إحدى الحضارات المشابهة أو تشخصها وتعرف مصدرها مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك الرسائل ستستغرق عشرات أو مئات أو آلاف السنين لكي تصل إلى الجهات المرسلة إليها؟ وكذلك الأخذ بالاعتبار أن الرد عليها سيستغرق نفس الفترة الزمنية التي استغرقها إرسالها إذا كان هناك رد ما؟ البعض يعتبر هذه الخطو ذكية عندنا لأنها ستجعل الآخرين يعرفون يوماً ما بوجودنا داخل المجرة وفي هذا الكون كمن يرمي قنينة فيها رسالة في المحيط لعل أحداً يعثر عليها حتى بعد فوات الأوان. ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا هو موقف أو قرار حضارات أخرى بمستوانا ومن نوع حضارتنا. والسؤال الآخر يتعلق بـ quot;ما هو احتمال وجود حضارة تقارن بمستوى حضارتنا في القطاع الجغرافي الكوني المختار والمستهدف والمرسلة إليه الرسائل وهي احتمالية ضعيفة جداً نظراً للتنوع الكبير والتفاوت في المستوى الزمني لمستويات التطورquot; كما يقول غيران. أما حضارة من النوع الثالث الذي يسبقنا بآلاف أو ملايين السنين من التطور والتقدم التكنولوجي فلن تضيع وقتها بلا طائل بإرسال رسائل بطرق كهرو راديوية radioeacute;lectrique بدائية تجاوزها الزمن وباتت بالية من وجهة نظر تقدمها العلمي وتحتاج لزمن طويل جداً لكي تصل إلى هدفها، وإن وصلت فقد لايكون بمقدور من يتسلمها فك طلاسمها وفهمها. وليس من المعقول أن حضارات متطورة ومتفوقة علينا بآلاف أو ملايين السنين لا تمتلك وسائل أخرى للتواصل والاتصال غير تلك المعتمدة على الموجات الكهرو مغناطيسية والراديوية والتي تتحدد سرعتها بسرعة الضوء الثابت حسب نظرية النسبية والتي لايمكن تجاوزها وهي 300000كلم/ثانية وهي بطيئة بالنسبة للمسافات الموجودة بين المجرات والنجوم في الكون والتي تحسب بمليارات السنين الضوئية. صحيح أننا نحن البشر لا نستطيع التنقل والسفر بأسرع من الضوء لأن الزمن يصبح صفراً بالنسبة لنا ولا نمتلك الأدوات التقنية القادرة على السفر بسرعة تقرب من سرعة الضوء في المكان الثلاثي الأبعاد في كوننا المرئي والقابل للرصد والمراقبة إلا أن بعض الفيزيائيين المنظرين في مجال هندسة وتركيبة وتكوين الكون يقولون بأن لهذا الأخير عدة ابعاد، بل ويقولون بوجود عدة أكوان متداخلة أو متوازية أو متجاورة autre Univers consubstantiel ou parallegrave;les يوجد عبرها مختصرات طرق racourcis زمكانية spatio ndash; temporels و ثقوب أو قنوات دودية زمكانية trous de vers يمكن استغلالها لإرسال الرسائل أو السفر دون انتهاك أو خرق لقوانين النسبية وبطرق علمية لايعرفها البشر بعد كاستخدام المادة المضادة antimatiegrave;re و المادة الشبحية أو المادة الظل Matiegrave;re fantocirc;me ou matiegrave;re Ombre ومحركات البلازما ومضادات الجاذبية antigravitationnelles والتي سنتطرق إليها بالتفصيل العلمي الدقيق في مقالات لاحقة، وقد اثبت العلماء وجود تلك الممرات الخفية أو غير المرئية التي تستقلها الأطباق الطائرة للتجول بين الكواكب لذلك من غير المتوقع تسلم رسائل من حضارات من النوع الثالث ترسل لحضارات بدائية مثلنا وبطرق بدائية كالتي نستعملها نحن اليوم، ومن غير المحتمل أيضاً وجود حضارات من النوع الثاني في محيط يبلغ قطره بضعة آلاف من السنوات الضوئية حول شمسنا. أو هم موجودين ولكن بمستوى حضاري وتقني يعود للعصر الحجري الذي مررنا به نحن أو حتى قبله، أو على العكس من ذلك توجد حضارات تمتلك فيزياء متطورة جداً لا تخطر على بال بشر ولن يفيدها إرسال رسائل راديوية فهم يعرفون بوجودنا ويراقبوننا عن بعد مما يدل على عبثية ولا فائدة مشروع سيتي للتواصل الكوني.
في حلقات قادمة سنتطرق لصلاحية مفارقة فيرمي Paradoxe du Fermi والإجابة على التساؤلات العلمية المشروعة التي يطرحها وآراء حضارات كونية وصلت إلينا بطرق متعددة تشرح أسباب عدم اتصالها المباشر والرسمي معنا والكشف عن وجودها بصورة ملموسة لا تقبل الدحض.
د. جواد بشارة
[email protected]
التعليقات