لم يمر نوروز هذا العام بسلام. الرصاص لاحق الكرد في مدينة الرقة السورية هذه المرة. قوات الشرطة والاستخبارات وبأمر من السلطات المحلية في المحافظة اطلقت الرصاص الحي على المتجمهرين في منطقة quot; المطحنةquot; فقتلت فتاة ويافعاً، كما جرحت واعتقلت العشرات. الحجة كانت هذه المرة رفع المحتفلين لصور الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الأسير في تركيا. صور أوجلان والأعلام الكردية في إحتفالات نوروز أكراد سوريا؟. ما الجديد في ذلك؟.
حادثة القتل إذن، كانت عربوناً جديداً للعهد القائم بين النظام في دمشق وبين الحكومة التركية. هذا العهد الذي تريد بعض الأجنحة في الحكم السوري( على رأسها رجل تركيا القوي في دمشق العماد حسن تركماني) تعميده بدم الكرد السوريين. علاقة النظام بالحكومة التركية علاقة حب من طرف واحد. علاقة كلها quot;تنازلات في تنازلاتquot; وتطعن في صميم المصالح الإستراتيجية السورية( شرحها بتفصيل المؤرخ والباحث الكردي السوري د.خالد عيسى). تنازل عن لواء الإسكندرون وتنازل عن حصة سوريا في مياه نهري دجلة والفرات، اضافة الى الإذعان للطلب التركي بإغراق الأسواق السورية بالبضائع التركية الكاسدة. وquot;فوق البيعةquot; قمع سلطوي للمواطنين الكرد وإظهار الشدة حيالهم، وخصوصاً من هم من مناصري حزب العمال الكردستاني. تركيا quot;تصبرquot; على إحتفالات أكرادquot;هاquot; وتظهر quot;الجّلد والحلمquot; وهي ترى الملايين تحتفل بعيد النوروز وتهتف بحياة أوجلان والمقاتلين الكرد، إحتراماً لما يوصف بquot;الديمقراطية التركيةquot; وتقرّباً من معايير كوبنهاغن الأوروبية، بينما النظام السوري يرخص لزبانيته بقتل المواطنين الكرد فقط لأنهم يلوحون بصور أوجلان وأعلام العمال الكردستاني.
الكرد السوريون الذين شاركوا في صنع الإستقلال وكان لهم رجالاتهم، ممن قادوا البلاد في أحلك الظروف، يعٌاملون الآن بالحديد والنار كرماً لعين دولة إقتطعت من الوطن السوري منطقة تزيد مساحتها عن مساحة الجولان بمرتين؟. الكرد السوريون الذين ولاؤهم لسوريا أكثر بكثير ممن يٌظهر الوطنية اليوم وينادي بشعارات quot;القومية العربيةquot; بينما هو وأقاربه وحاشيته ينهبون ثروات البلاد ويتركون نصف الشعب جائعاً، يٌقتلون ويٌهجرون من أجل دولة تقطع المياه عن سوريا وتساهم في تجفيف نصف مساحتها الزراعية. ثمن التقرب المذل من الحكومة التركية هو دماء الأطفال والنسوة الكرد. هو مستقبل ملايين الفلاحين السوريين في الجزيرة ودير الزور والرقة ممن قضت تركيا على حياتهم، وحولتهم إلى عمال أجراء في أحياء الصفيح، بعد أن قطعت مياه الفرات عنهم بحجة إرواء سد أتاتورك. فبئس الثمن ذاك...
حزب تركيا القوي المتغلغل في مفاصل النظام السوري هو الذي يقود الحرب ضد الشعب الكردي الآن. حزب تركيا الذي يضم تجاراً وضباطاً وساسة وصحفيين وأساتذة جامعات هو الذي يٌزين للنظام في دمشق بإستهداف الكرد للتقرب من حزب العدالة والتنمية وإستجداء وساطته مع إسرائيل. حزب تركيا هو الذي يعتقل الآن عشرات السياسيين والمثقفين الوطنيين الكرد ومن مختلف الأحزاب والإتجاهات السياسية. حزب تركيا في دمشق هو السبب في إصدار الأحكام الجائرة ( 7ـ 12 عاماً) بحق أنصار حزب الإتحاد الديمقراطي( حليف العمال الكردستاني) والتشدد حيال المئات من معتقليه في سجن quot;عدراquot; وغيره، وهو الذي يروج للخطة الرهيبة القاضية بتجويع الكرد بغية اخراجهم من مناطقهم وتوزيعهم في الداخل والخارج. حزب تركيا هو وراء اصدار المراسيم الجائرة من قبيل المرسوم 49 الذي شلّ حركة البناء والنماء في المناطق الكردية...
النظام إختار الإقتداء بالحكومة التركية منذ أن أبلغه أردوغان عن خلاصة معلوماته حول إنتفاضة 12 آذار 2004 وحثه على قمع ثورة الكرد السوريين ضد الظلم والطغيان الرسمي بحقهم. وكان أردوغان ينقل للنظام توصيات quot;مجلس الأمن القومي التركيquot; الذي انعقد على عجل في اليوم الثاني من الإنتفاضة وصار يراقب التطورات دقيقة بدقيقة...
إذا كان العرب يتهمون العراق بانه واقع تحت سيطرة ايران وميّال لسياستها، فليعلموا جيداً بأن سوريا( احد أركان محور الممانعة!) قد وقعت الآن تحت سيطرة الحكومة التركية، وحصان طروادة هو حزب تركيا القوي في دمشق وحلب...
الكرد لن يتخلوا عن النضال ولن يتنازلوا عن حقوقهم ابداً. ورهان النظام على قمعهم من أجل كسب ود الحكومة التركية هو رهان خاسر على المدى الطويل، وسوف يأتي بالوبال الذي لن يكون سوى أحد تجليات الضرر الإستراتيجي الفادح الذي سيلحق بسوريا الوطن جراء تبعية النظام الخالصة للحكومة التركية...
التعليقات