واحدة من اهم ما يواجه عملية التحول الى النهج الديمقراطي لبناء العراق الجديد هو الامية باشكالها المتنوعة وفي مقدمتها، الابجدية والحضارية والسياسية المستشرية في قطاعات واسعة من الاهالي في المدن وبشكل اوسع في الارياف، وهي التي تنتج حينما تجتمع جميعها امية وطنية وعذرا إن استخدمت هذا التعبير الذي اعني فيه الجهالة بالوطن والضبابية في مفهوم المواطنة وتقزيم البلاد واختزالها في قرية أو مدينة أو عشيرة، بسبب ديمومة البداوة وتراكم التخلف والتجهيل المتعمد من قبل معظم الانظمة التي تسلطت على البلاد، وذلك من خلال عمليات غسل الادمغة وتسطيح العقول الذي تعرض له المواطن طيلة عشرات السنين منذ قيام الدولة العراقية مطلع القرن الماضي وحتى تقزيمها في حزب او عرق او دين او شخص اوحد خلال نصف القرن الاخير؟
ويمكن أن نقول انه كانت هناك محاولات جدية في نهاية سبعينات القرن الماضي للحد من الامية الابجدية حصرا، والتي تضمنت مشروعا عاما في كل البلاد ولمعظم الاعمار خارج سن المدرسة الابتدائية لولا اصطدامها بجدار سلسة الحروب الحرب التي ابتدأت في ايلول سبتمبر 1980م واستمرت حتى سقوط النظام في نيسان 2003م، تسببت في ايقاف ذلك المشروع وفشله تماما مع تدهور المستوى التعليمي والتربوي في المدارس والجامعات العراقية عموما، رافق كل ذلك برنامج منظم ومشدد من قبل الحزب الحاكم في عسكرة المجتمع وغسل ادمغة الاهالي وتسطيح عقولهم ووعيهم بتكثيف المعرفة والمعلومات بشخص الرئيس والحزب واجهزة دعايتهم التي فعلت فعلتها في تقزيم مفهوم المواطنة وتشويهها الى درجة الغاء مفهوم العراق كوطن او دولة واعتباره قطرا لا اكثر من خلال إذابته في كيان خيالي وطوباوي، وبناء منظومة سايكولوجية وفكرية لدى الفرد لا تتعدى مجموعة شعارات الحزب ووصايا القائد ومفردات الحرب والعسكرتاريا والعدو المفترض الذي يهدد البلاد ويستهدف العرض والارض والدين!؟
وقد ادى ذلك الى تفشي امية في المفاهيم الوطنية وغياب مفهوم المواطنة الحقة على حساب مجموعة قيمية اخرى تم زرعها وتكريسها وهي تختصر الوطن في قرية والشعب في عشيرة او اسرة بذاتها حينما تم حصر دائرة معلومات الفرد وثقافته وتطلعاته وانتمائه بشخص القائد التاريخي والضرورة وايديولجية الحزب الحاكم الشمولية والمطلقة والتي لا تقبل الاخر المختلف الا من خلال تبعيته وانقياده كليا لثقافة القطيع التي كرستها مبادئ ذلك الحزب وسلوكيات رئيسه وحولتها تدريجيا الى نظام العشيرة والشيخ، مما ادى خلال ما يقرب من اربعين عاما الى ظهور طبقة واسعة من الاهالي ذات الوعي المسطح والمستكين تماما الذي تكون على اساس ( نفذ ثم ناقش )* الذي شوه بناء الشخصية الانسانية وقتل فيها عنصر المبادرة والخوف وبالتالي عمل على نمو انماط من السلوكيات والتعقيدات والتناقضات الحادة بين طيات تكوينها النفسي والاجتماعي مثل الانهزامية والتملق والسذاجة وفقدان الثقة والتردد والقسوة والامعية وتسودها ثقافة الاستكانة والانقياد وغياب الرأي والتفكير.
بحق إن ما يواجه العراق اليوم ليس ارهابا منظما وتدخلات مخابراتية وسياسية اجنبية بقدر ما هو هذه الحاضنات الامية المسطحة التي تستقبل افواج الارهابيين والقتلة والجواسيس وتجار السياسة، والتي كونتها تلك الامية الوطنية خلال عقود طويلة من التجهيل والتقزيم وثقافة القطيع التي خلقت الاستكانة والامعية والانسلاخ من الوطن والشعب للتقزم والانكفاء في شخص الرئيس او الحزب ومن ثم القرية والعشيرة مما يجعلها من اولى اولويات القوى الفاعلة في المجتمع من الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام بوسائله المختلفة في العمل من أجل اعادة بناء الشخصية الوطنية على اسس ديمقراطية رفيعة تنطلق من مفهوم راق ونبيل للمواطنة بعيدا عن الدين والمذهب والعرق وثقافة الرئيس القائد والحزب المنقذ بالارتكاز على عملية واسعة لتحديث مناهج التربية والتعليم وتغيير فلسفتها بما يتوافق ومبدأ المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان في العراق الجديد.
[email protected]
ـــــــــــــــــــ
من المبادئ الرئيسية لحزب البعث
التعليقات