الشرط الثقافي الحديث والمعاصر شرطا غير منتج وغير محدد- بكسر الدال- مالم يتخلله فعلا سياسيا، والفعل السياسي، لايمكن له أن يأخذ مداه دون الشرط الاجتماعي، فلو كان الرئيس الراحل حافظ الأسد ضابطا في الجيش الإنكليزي أو في أي جيش لدولة ديمقراطية ومؤسساتية، لما استطاع القيام بحركته التصحيحية التي قام بها عام 1970 في سورية. ربما هذه البداهة بالنسبة للكثيرين، تجعل القول فيها نوع من السذاجة،ولكن في وضعنا السوري، فيها الكثير من القول، الشرط الثقافي السوري منذ زمن ليس بالقليل، هو شرط ترتبط فعاليته بدورة إعادة إنتاج السلطة بشكلها هذا، ودون مواربة في هذا الموضوع، لا جديد في سورية إلا ما تم بناء على إعادة موضعة السلطة هذه- السلطة نفسها- في العلاقات الدولية والإقليمية، والجديد هو في مقصدنا الكيفي وليس الكمي، بمعنى أن زيادة الفساد ونقصان القمع، هذه يمكن أن تكون جديدة بالمعنى الكمي للعبارة. إذا يمكن القول أن الشرط الاجتماعي في سورية، هو برمته شرطا أعادت هذه السلطة بناءه من جديد عبر أربعة عقود، كانت كافية للقول أن الشرط الاجتماعي أصبح شرطهاquot;مؤسسات دولة، قوانين عمل، مدن، قرى، أحياء سكنية، طلائع، شبيبة، طلبة، جامعات، نقابات، جمعيات أهلية، قبيسيات، معسكرات تدريب لمقاومات عربية، مكاتب لتنظيمات إسلامية من أقطار أخرى، مكاتب لتجمعات علمانية غير سورية تساعد في عملية إعادة إنتاج دورة هذه السلطة بالذات، مؤتمرات للآحزاب العربية، والقائمة تطول، والشعب بات كتلة تلاؤم مع شرط السلطة هذا، وتحول إلى جزء من شرطها الاجتماعي، لهذا السلطة لا يهمها أبدا سوى ما يمكن أن يعكر صفوها، من خلال موضعة معارضة مع العلاقات الدولية، كما بدا أنه حدث ما بين عامي 2005 و2007. حتى النخب أصبحت نخبها، وتتحرك ضمن هوامشها المتحركة أصلا، النخب التي أعادت موضعتها، ضمن ما عرف بهواجسها المتمحورة حول الخوف من التغيير الديمقراطي، حتى المعارضة الإسلامية، يبدو أنها هي أيضا انخرطت في هذه الموضعة، وأصبحت تشكل رافدا من روافد دعم الموجود حتى تزاح الغمة عن غزة.


هنالك شرط اجتماعي كتيم أيضا، وكما نعتقد أنه مهما كانت كتامة الشرط الاجتماعي لأية سلطة سياسية، فإنه لا يستطيع إلغاء هوامشه، إلا إذا تراكمت شروطا أخرى تصبح معها الهوامش ملغية أيضا، كوريا الشمالية، في سورية الهوامش لا يمكن إلغاؤها، والأسباب متعددة ولكن الرئيسي منها، ان طبيعة السلطة القائمة واحتياجات دورتها لإعادة إنتاج سيطرتها على المجتمع، تحتاج إلى قطاع خاص اقتصادي، تحتاج إلى قطاع خاص أهلي- تنمية الطائفية من الطوائف المتواجدة تاريخيا دون أن تعطي لهذه التنميات أي حق بتواجد قانوني- وديني في بعض الأحيان- القبيسيات نموذجا- أيديولوجي- عروبة ومقاومة- إن هذه اللاكليانية الديكتاتورية، قد طبعت النظام منذ مراحل تأسيسه الأولى. أنت الآن لو كنت تملك رأسمال تستطيع ان تؤسس مجلة أو جريدة، ولكنك لا تستطيع بث ثقافة لا تريدها السلطة أن تصل للمجتمع. هذه الحالة الهجينة في خصوصيتها السورية، هنالك ما يشبهها في بلدان أخرى، وهنالك ما يميزها فرادة في العالم، وهذا قي الواقع ماكان دوما مثار خلاف بيني وبين كثر من رفاقي اليساريينquot; أن هذا النظام بعيد عن أن يكون نظاما شموليا أو كليانيا، ولنلاحظ الآن أن قطاع الأعمال الخاص المملوك مداورة أو صراحة من قبل رجالات السلطة، أصبحت مساهمته في الاقتصاد السوري المأزوم أكبر من مساهمة قطاع الدولة، وهذه النقطة جعلت بعضنا، يبدأ هجوما على ما يسمونه عملية اللبرلة وما تحتويه من خصخصة، دون أن يسألquot; أين؟ وكيف تحصل هذه الخصخصة؟ ومن يأخذها؟ وفي أي سياق، بمعنى في كل دول العالم تأتي الخصخصة وفق برنامج انتقال واضح نحو اقتصاد السوق، وحماية هذا السوق بقانون واضح، بينما ما يجري هنا، هو استيلاء شبيه بالذي جرى في السابق، عندما استولت السلطة على قطاع الدولة حتى أفلسته. إن إعادة هيكلة الاقتصاد السوري، أو الخصخة أو الانتقال إلى اقتصاد السوق، سموها كما شئتم، لكنها لايمكن أن تتم بالمعنى العملي دون حضور الفاعل الطائفي فيها، بوصفه فاعل احتكاري، ويسعى لاحتكار الثروة الاجتماعية والاقتصادية...وليس شرطا أن تستفيد جماهير الطوائف- كما هي منضدة سلطويا- من إعادة هيكلة الاقتصاد السوري سلطويا، وبحضور الفاعل الطائفي...وهذا ما سنعود إليه في مقالات لاحقة.