معضلة الإعلام في الوطن العربي؟ قبل أن يطرح السؤال عن أسباب أزمة الإعلام العربي، ينبغي أولا طرح السؤال المبدئي: هل هناك إعلام عربي حقا؟ والجواب في نظري: لا وجود لإعلام عربي كما لا توجد سينما عربية وهلم جرا.. وكما أن وجود أفلام عربية لا يعني وجود سينما عربية، فوجود وسائل إعلام عربية كالمحطات الفضائية، والجرائد ورجال ونساء مهنة من صحفيين وصحفيات.. لا يعني وجود إعلام عربي ذو هوية واضحة.
لا يختلف الإعلام من بلد عربي إلى آخر فحسب بل من وسيلة إعلامية إلى أخرى في القطر الواحد. من يقرأ جريدة 'الخبر' الجزائرية المستقلة مثلا وصحيفة أخرى حكومية تصدر في نفس البلد، يلاحظ فرقا شاسعا في أسلوب ومضمون المادة الإعلامية المقدمة. ولو شاهد التلفزيون مثلا وقرأ في نفس الوقت جريدة 'الوطن' الصادرة في الجزائر بالفرنسية سيخيّل إليه أنهما لا يتحدثان عن بلد واحد. ونفس الوضع نلاحظه في المغرب أيضا.
أما على المستوى العربي فيظن القارئ أو المشاهد أنه انتقل إلى كوكب آخر إن تصفّّح جرائد أو شاهد فضائيات إذ أن اللغة الإعلامية و الاهتمامات والإمكانيات تختلف من بلد إلى آخر اختلافا جوهريا.
يعيش الإعلام في الدول العربية أزمة متعلقة بهيكل تلك الدول ذاتها ولا يمكن أن يكون سوى في ذاك الوضع المرتبك. إعلام العرب مسّه التحديث كغيره من الميادين الأخرى. فهو يمتلك أحدث التقنيات وتشرف عليه أقلام ذات تكوين نظري عال، تمتاز بتقنية عالية في التعامل مع الخبر من الناحية العلمية ولكن لا تستطيع الذهاب إلى حدودها المعرفية القصوى في الممارسة. فلئن تمتع الشكل بالمواصفات العالمية في أغلب الأحيان لتوفر المال العام والخاص، فمن ناحية المضمون يبقى الأمر مغايرا تماما لسبب بسيط هو غياب الديمقراطية إذ لا مصداقية لإعلام لا يملك حرية البحث والقول.
الإعلام جزء من منظومة عامة إذا انتفى ركن من أركانها تهاوى كل البناء. إذن لا ديمقراطية بلا إعلام حر ولا إعلام حر بلا نظام ديمقراطي إلا في حالات معقدة ونادرة جدا يكون فيها في حالة صراع مرير مع نظام الحكم. فهل هناك ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي، تلك هي المسالة؟
الحداثة الإعلامية هي وليدة الحداثة السياسية بشكل عام فمن العبث أن ننتظر ظهور حرية صحافة في جو ثقافي سياسي 'ما قبل حديث'، لا يسمح بذلك فحسب بل يعادي التعبير الحر أصلا لأسباب متعلقة بشرعية السلطة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. يمكن الحديث عن إعلام ناطق بالعربية، أما عن إعلام عربي الهوية فذاك لم يولد بعد في نظري ولا أحد يستطيع أن يعرف ما سيكون إن ولد يوما. استفاد الإعلام في الدول العربية من التقنية(التحديث) ولكن لا يستطيع أن يكون حديثا (الحداثة) في بلدان لا يكون فيها القضاء مستقلا استقلالا كاملا. يستمد الإعلام استقلاليته من استقلالية السلطات الثلاث الأخرى وهو شرط لم يتحقق بعد في العالم العربي.
ربما سيدفع إعلام الإنترنيت الموازي الإعلام العربي الكلاسيكي المتكلس إلى البحث عن مصداقية بديلة بعيدة عن تعسف العسكر ودولارات المشايخ وأحاديث رجال الدين..
حميد زناز مؤلف 'فصل المقال في مواجهة أهل الظلام'،دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب2009.
التعليقات