الجزء الأول

مقدمة: يتعمد بعض المراقبين عدم الدقة وتعميم نظريات المؤامرة للأساءة الى العراق بشتى الطرق الأخبارية الاعلامية والترويج والتسويق لبضائع سياسية مُغرضة تعود بالويل والأذى والفرقة على أهل العراق ومسيرة الديمقراطية التي نحرص عليها وعلى تأكيدها في كل مناسبة. ولتسهيل الفهم للقارئ، لابد لنا أن ندرك حقيقة موضوعية تُجنبُنا سوء التقدير عند تحليل مقومات مايسمى (فيلق القدس) بمنهجية ومؤشرات تاريخية. الفيلق في التعريف العسكري لاينطبق أِلا على هيكل منظمة عسكرية تابعة لدولة، ويضم الفيلق في العادة، فرقتين عسكريتين أو أكثر ويخضع الى قيادة وسيطرة مركزية من مؤسسة عليا مُعترف بها في الدولة التي تقوم بتأسيسه. وهذا التعريف هو الأقرب الى الواقع وينطبق على مؤسسات عسكرية واكاديمية معروفة وتُنشر أسماء قياداتها.


ظاهرة تسابق العديد من المجموعات الارهابية أستخدام مشتقات ومصطلحات عسكرية هي أحدى وسائل الوصول الى أهداف سياسية مُبيتة ( كالألوية الحمراء الأيطالية الأرهابية). فالغرض من التسمية وأ شتقاقها من أصل الألوية العسكرية الأيطالية الحقيقية ) هي أن الألوية المزيفة تحاول أن تضفي على نفسها صفة الهيبة والخبرة العسكرية وتكسب أعتراف المجتمع، مع أن قادتها لم يكن لهم تاريخ أو سجل عسكري يُذكر. فاستخدام الكلمات ولاتُغيّر من الصفة الحقيقية للجنس أو من واقع الحال.


تابعتُ بحذر وحيادية موضوع قيادات فيلق القدس الايراني في العراق، ووجدت من مصادر مختلفة أمينة وأمنية مستقلة وقريبة من الأحداث أن فيلق القدس الايراني هي العبارة المناسبة التي تستخدمها القوى المُعادية للنظام العراقي الجديد، والحقيقة الأغرب للمراقبين المستقلين، أن هذا الفيلق هو مجموعة عصابات ولصوص ومليشيات غير منظمة، تضم عناصر من ضباط وجنود الجيش العراقي السابق ممن هربوا الى ايران خلال الحرب العراقية الأيرانية، وأكثرية الهاربين من العراق الى دول المنطقة بعد حرب الخليج عام 1991، وبعضهم مدنيين من حملة الجنسيتين العراقية والأيرانية (المزورة والحقيقية ) ممن كان بعث العراق يطلق عليهم بالتبعيّة ويُحسنون اللغة العربية والفارسية. وهذه العصابات مختلفة الولاء والمذاهب، ويُمكن القول أن المال هو المُحرض الأول لأفعالها. وذلك يعني، أنها تأتمر بأي مذهب ديني قومي أو حزبي يفضله من يسوقهم للعمل، كما أن التزاوج المتوارث بين الشيعة والسنة خاصةً في محافظات الأنبار وكربلاء والنجف، تخدمهم لهذا الغرض، فهم (شيعة سنة ) ويصطحبون وثائق مزورة ووثائق قانونية كنتيجة لأتلاف وحرق الآف الوثائق في عهد صدام البعث، كما أن تحركاتهم لا تخضع لأي سلطة سياسية حكومية، ولاترعاها أو تمولها أي ( دولة بصفة رسمية ) وليس لها أي توجه فكري، أيديولوجي عقائدي أو هدف سياسي مُحدد، وتخدمهم في ذلك الفوضى السياسية في أيران والعراق. وقد لايكون مستغرباً (نظراً لقلة المعلومات المتوفرة ) أن بعضهم مُجند لتقديم خدمات للمخابرات الأسرائيلية عن العراق وتطلع أيران الحصول على التكنولوجيا النووية.


ولاستكمال دراسة الصورة الأوضح، علينا أن نسأل أنفسنا الأسئلة الصعبة دون الأرتكاز على العصا المذهبية الدينية أو العنصرية القومية، منها تحديداً: هل القيادات السياسية العراقية مستعدة لتلبية حاجة الاكثرية الصامتة للضرب بيد من حديد على كل العابثين والخارجين عن القانون والارهابيين والذين ينضون تحت رايات مختلفة؟ هل يسعى العراق الى محاربة خصوم وهميين وأبتلائه بمحاربتهم لوحده شرقاُ وغرباً، شمالاً وجنوباً أم محاربة من يقوم بالأرهاب والتخريب الفعلي دون مساومات؟ والسؤال الأهم، ماهي مصلحة العراق في معاداة الجارة أيران أذا كانت دول ووكالات مخابرات تغذي هذا العداء لخلق جيب أسرائيلي عميل على حدودنا الشرقية؟ علامات استفهام كبيرة للقوى العراقية التي ستمسك بالسلطة.


أن مُسميات عديدة دخلت في الصحافة الأعلامية، ودأب الناس على ترديد أسماء هذه الحركات للأشارة الى أفعالها ونواياها دون معرفة حقيقة الجهات التي تقف وراء تمويلها وأغراضها. وتقارير المخابرات وما آلت اليه قضية مدينة القدس والعلاقات العربية الأيرانية تجبرنا الى مراجعة أنفسنا والتحقق من علاقاتنا الحقيقية مع دول أسلامية أخرى كتركيا الاسلامية. كما أن مايصدر من نشاط تخريبة وحركات فوضوية خولت لنفسها أستخدام كلمات خلابة ذات تأثير نفسي ومعنوي على العرب والمسلمين يتطلب ألقاء نظرة جدية على حركات عديدة، أضافة الى ما هو مُخصص هنا عن حقيقة فيلق القدس الأيراني. فهل تسائلنا يوماً ما تمثله حركات أخرى يدور نضالها الوطني بعيدأ عن أرض المعركة الحقيقية ولمعرفة مافعلته لأسترجاع الأرض الفلسطسنية والقدس، مثل: عصائب الحق، جُند الأسلام، الأمارة الأسلامية، جبهة البعث للتحرير والخلاص، حركة تحرير الأحواز، جيش المرابطين، عناصر قوات بدر، عناصر جيش المهدي، فدائيوا صدام، سرايا ثورة الطف الحسينية، سرايا تحرير الجنوب، وجواسيس البعث العشائري التي تتصرف كعناصر مستقلة بأكثر من 30 فصيلاً مسلحاً، خارج نطاق سيطرة حزب البعث الحقيقي (اليساري منه أو اليميني).


ويتبين من المراقبة والتحليل أن الدافع المُحرض لأعمال مايدعى بالفيلق المزيف هو الحاجة الى المال والأتفاق بين العميل والممول على طريقة الدفع وهي تعمل وفق من يدفع أكثر، ولايهم زُمرهذه المجموعات المُجرمة مايطلق عليها من تسميات دينية أجتماعية أو سياسية، فهذه العصابات في حقيقة أمرها، مجموعات من اللصوص وهم لايمثلون ميول الأشخاص السياسية، الحزبية أو المذهبية، وتنتشر في بغداد وعلى الأخص مدينة الصدر، الشعلة، مدينة الحرية، وكذلك في محافظات ديالى وتكريت والموصل والانبار والبصرة باعداد ونسب مختلفة ولايوجد تنسيق بينها. تقود هذه العصابات قيادات محترفة على القتل والأختطاف والتهديد بالفدية. وتوزع الأموال التي تُعطى من هؤلاء الأمراء للمخطِط والمنفِذ (بكسر الطاء والفاء)، حيث تَدرُ اعمال هذه المجموعات المجرمة أرباحاً طائلة من اعمال الخطف وطلب الفدية، والسرقات، والتهريب، وأغتيالات مسؤولين ونواب منتخبين وضباط شرطة، والهجوم المدبر على مراكز الشرطة ونقاط التفتيش، وأطلاق الهاونات على قوات التحالف وقوات الامن العراقية، ونادراً ماتنأى عن أشتراكها في عمليات معقدة تُترَك لأختصاصات عناصر أجنبية أخرى مناوئة للحكومة العراقية وتبغي أشغالها بقضايا أمنية داخلية لحين القيام بانقلاب همجي دموي مشابه للأنقلابات العشائرية الماضية التي غطت أرض العراق بالدماء.


وقد يفاجأ القارئ بأن فيلق القدس الايراني هو العبارة المناسبة المُستخدمة من أعداء النظام الأيراني وبالأخص (حزب البعث العشائري و مجاهدي خلق الذي كان يأويه نظام صدام في المحافظات العراقية ). وغرضه الحالي تخريب الوحدة الوطنية العراقية الحالية باي الطرق الخداعية الممكنة وتخريب العلاقة مع الدولة الجارة، لوجود مؤسسة أيرانية رسمية فعلية تحمل أسم quot; فيلق القدسquot; في الجمهورية الأسلامية ولديها بعثات رسمية في العراق. لذا، فليس غريباً أن يسخر الرئيس السوري بشار الأسد من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي طالبت فيها دمشق بالابتعاد عن إيران مصرحاً بإلغاء تأشيرات الدخول بين سورية وإيران في خطوة جديدة للتقارب الأقليمي، وليس غريباً أن تتمكن المملكة السعودية مؤخراً من الإطاحة بمجاميع إرهابية من عناصر quot;الفئة الظالةquot;. وكان المقبوض عليهم 101 بينهم 47 سعوديًا، فيما شكل عدد اليمنيين 51 أضف إلى صومالي وأرتيري وبنغالي. التنسيق بين العراق والسعودية ضرورة أمنية لتعرضهما المباشر لقوى الأرهاب الذي يدخل تحت مسميات ووجوه مموهة عديدة. وهنا يجب أن نوجه أنتقاداً حاداً قادة القوى السياسيةالعراقية التي تتبنى بشدة التحالف لأشغال مناصب الحكومة فيما بينها ولاتتبنى مشروع تحالف مكافحة قوى الأرهاب والزمر المعادية للعملية السياسية. فالمنتخبون الذين شاركوا بشراسة المعركه الانتخابيه سيطلب الناخبون منهم شراسة مماثلة في أزالة جذور قوى الأرهاب الداخلي وكشف مموليه الخارجيين.


أن من يريد أن يفهم أخطبوط البعث العراقي عليه أن لا يلجأ الى لغة الخطاب وأنما بأهمية تاريخ الأحداث وتجارب البعث التفاوضية وأتفاقاته الشيطانية وألاعيبه بين الحكومات والأحزاب السياسية وأسلوب توظيفاته لعصابات وزمر للأعمال الأستخبارية حسب الحاجة والوقت والغرض. فالخديعة والتموية وأتفاق الأغراض وعملية خلط فصائل وجماعات وزمر وفرق أغتيالات هو عمل متعمد أستعملته تاريخياً أجهزة مخابرات صدام وبالذات جهاز quot;حنينquot; وصَعُبَ على أجهزة المخابرات المضادة كشف غطاءها لعدم وجود من تلصق به الجريمة أصلاً وتبعد المجرمين والشبهة عن أهدافهم الحقيقية. ما هو الدليل؟

أستاذ جامعي وكاتب سياسي
[email protected]