في الوقت الذي يركز وفد اقليم كردستان على القضايا الوطنية العراقية المهمة وفي مقدمتها المواطن وامنه وحاجاته الاساسية وما يتعلق بالدولة ومؤسساتها وصلاحيات الرئاسات الثلاث والقضايا العالقة بين المركز والاقليم وتطبيقات الدستور في كل مواده، يذهب الاخرون الى تقزيم القضية العراقية بشخص من سيكون رئيسا للوزراء من هذه الكتلة او تلك، غافلين او متغافلين ما يحدث يوميا لهذا المواطن الذي انتظر عشرات السنين لكي يسقط نظام الحزب الواحد والشخص الواحد وينهض عراقا اخرا يحترم الانسان وحريته ويعمل من اجل تحقيق اهدافه وحاجاته الانسانية بما يليق ببلاد احتضنت اقدم الحضارات واكثرها تطورا.

ورغم ان وسائل الاعلام لم تسرب أي معلومة دقيقة عن مضمون الورقة الكردية المقدمة منذ عدة ايام الى الكتل العراقية الرئيسية وربما بطلب من وفد اقليم كردستان لكي تكون الامور اكثر جدية وبعيدة عن التأويلات او التنافسات الاعلامية والسياسية، الا ان قراءة سريعة للمشهد الذي كان عليه الوفد الكردستاني منذ منتصف حزيران الماضي وهو يجتمع ويحاور ويطرح مجموعة افكاره ربما يخرج بانطباعات قريبة مما تتضمنه تلك الورقة.

يتناول الخطاب الكردستاني محورين مهمين الاول محور وطني عراقي والثاني يتضمن نقاط اكثر خصوصية ربما بالاقليم من المشاكل العالقة بين اربيل وبغداد اضافة ما هو مشترك عراقيا وكردستانيا في قانون النفط والغاز والتعداد العام للسكان والقوات المسلحة.

في المحور الاول: المحور العراقي عموما ويشمل مقترحات لاعادة النظر في الصلاحيات التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث بما يعزز الاتحاد والتوافق العراق ضمن فلسفة الدستور الدائم ومبادئه الاساسية، ويدعم قيام مجلس سياسي وتفعيل صلاحياته من خلال قانون او تشريع يسنه مجلس النواب ويعتمده كمؤسسة عليا الى جانب الرئاسات الاخرى ليدعم بنية وفكرة التوافق التي ما تزال الحاجة اليها ماسة وضرورية في هذه المرحلة.

كما يستشف المرء من خلال معظم اللقاءات والحوارات التي اجراها الوفد الكردستاني مع الكتل السياسية العراقية منذ منتصف حزيران الماضي وحتى اليوم تأكيدا مهما على القضايا الوطنية التي تتعلق بحياة المواطن وامنه ومستواه الاقتصادي وحاجاته الاساسية ( الخدمات ) ومن ثم التفكير بمن سيكون رئيسا للوزراء من هذه القائمة او تلك، بما في ذلك المواطن الكردي او العربي أو التركماني في كركوك او الموصل او ديالى ممن تقع مناطقهم ضمن ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها التي جاءت في المحور الثاني من الورقة الكردية التي كثفت مجموعة من العالقات بين الاقليم والحكومة الاتحادية وفي مقدمتها تطبيقات الدستور في المادة 140 التي يؤكد معظم السياسيين الاكراد على انها لا تتعلق بكركوك فقط، وانما تشمل كل المدن والقصبات التي تعرضت للتغييرات الديموغرافية على اسس عرقية وقومية ودينية وطائفية سواء في كركوك او الموصل او ديالى وتكريت والرمادي والنجف وكربلاء والحلة وفقد نتيجتها مئات الالاف من المواطنين بيوتهم واملاكهم وحتى هويتهم القومية بما اطلق عليه بقانون تصحيح القومية سيئ الصيت انذاك.

ان الوقوف بمسافة واحدة من كافة الكتل السياسية العراقية هو ما ميز الخطاب الكردستاني مع تأكيده على الثوابت الوطنية الاساسية في التحالف الاستراتيجي مع القوى التي قاومت وناضلت معا طيلة عشرات السنين، ومن هنا يبدو ان نجاح وفد اقليم كردستان في اقناع الكتل السياسية العراقية وتقريب وجهات نظرها حول ثوابت وطنية عراقية تشكل مخارج مهمة للعملية السياسية ينفرد بها الكرد لصالح الخيار الوطني العراقي بعيدا عن التدخلات الاجنبية مهما كان لونها او شكلها في تأسيس حكومة وطنية عراقية تمثل الكل صغر حجمه ام كبر لتكون حكومة شعب لا حكومة احزاب وفئات مؤهلة لتحقيق ما يصبو اليه المواطن وحل العالقات من المشاكل على مستوى البلاد او مع الاقليم.

[email protected]