تعرف موسوعة quot;فيكيبيدياquot; الفوبيا بالخوف الشديد و المزمن و غير المبرر من وضعية معينة. على هذا الأساس، تتعرض الأقليات التي تكون ضحية فوبيا الأغلبية إلى ظلم و اضطهاد لا مبرر له. و هو ما حصل ويحصل للأسف للأقلية المسيحية في الدول الإسلامية، التي يتم استهدافها على ثلاث مستويات، كما سوف اعرض لذلك في هذا المقال، مع اخذ عدة أمثلة من مصر، باعتبارها الدولة التي تحتوي على اكبر أقلية مسيحية في الشرق الأوسط.

أولا: تمييز قانوني و إداري ضد الأقلية المسيحية

خلافا لدولة القانون التي تحمي الجميع باعتبارهم مواطنين، تبدأ quot;الفوبياquot; المعادية للمسيحيين عندنا بالتمييز بينهم و بين أفراد الأغلبية، حتى يتسنى استهدافهم بعد ذلك. و هذا ما يفسر ذكر الديانة في البطاقة الشخصية للمواطن المصري. و هو إجراء غير معمول به في عدد من الدول الإسلامية الأخرى. و قد كلف هذا الإجراء غير المبرر الأقباط و المتنصرين الجدد الكثير. فبناء على الديانة الواردة في البطاقة الشخصية يتم إقصاء الأقباط من المناصب الهامة في الدولة كما ورد في تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في سنة 2007. كما يواجه المتنصرون (الذين اعتنقوا المسيحية طوعية) مصاعب عند محاولتهم تغيير الديانة على البطاقة الشخصية. و هو ما أكد عليه تقرير منظمة quot;هيومن راتس واتشquot; الصادر في نفس السنة و الذي يمكن الاطلاع عليه كاملا على الرابط : http://www.hrw.org/reports/2007/egypt1107/5.htm
جاء في التقرير:
quot;يواجه المصريون المسلمون الذين يرغبون في اعتناق المسيحية مأزقا. فالدولة لا تعترف بذلك و لا تسمح للمواطنين بتغيير ديانتهم بصفة قانونية، أو استبدال اسم مسلم بآخر مسيحي على بطاقة الهوية. كما يواجه هؤلاء المواطنون مشاكل عندما يتعلق الأمر بقانون العائلة الذي يتم فيه الاحتكام للشريعة في حالات الزواج و الطلاق و الميراث. و يصعب عليهم تربية أطفالهم على الدين الجديد الذي اعتنقوه. و يضطر بعضهم الحصول على وثائق مزورة، مما يعرضهم للوقوع تحت طائلة العقوبات التي يفرضها القانون.quot;

كما يواجه الذين ينتقلون من الإسلام إلى المسيحية و المقربون منهم حسب التقرير: quot; احتمال التمييز ضدهم من الإدارة الحكومية و من المجتمع أيضا، بما فيه إلغاء الزواج للمتزوجين من مسلمات... و قد يتعرضون لعقوبة السجن حسب الفصل 98 من القانون الجنائيquot;، الذي يعاقب على كل ما من شانه quot; تحقير الأديان السماوية أو تهديد الوحدة الوطنية و السلم الاجتماعية quot;. و من الواضح إن لهذه العبارات الأخيرة من المرونة في التفسير ما يجعل أي مواطن مهددا، خصوصا وان الفصل المذكور لم يحدد على أي أساس يمكن اعتبار اعتناق ديانة جديدة تهديدا للوحدة الوطنية و السلم الاجتماعية!

ثانيا: حصار الأقلية المسيحية و تحقيرها و التشكيك في عقيدتها

ربما لم يصل وضع المسيحيين في الدول الإسلامية إلى ما وصلت إليه وضعية الأقلية الاحمدية في باكستان حيث تم إعلان أتباع هذه الطائفة خارجين عن الإسلام تحت حكم الجنرال ضياء الحق، مما شجع على استهدافهم خلال العقود الأخيرة، بما في ذلك تعرض مساجدهم إلى التفجير. لكن غالبا ما تتعرض الأقليات المسيحية إلى ما يشبه حالة حصار في الدول الإسلامية، مما يؤدي إلى إثارة العداوة ضدها.

على مستوى الإعلام، تسمح السلطات المصرية مثلا ببث الفضائيات المحسوبة على التيار الإسلامي، مثل قناة quot;أزهريquot; التي يشرف عليها الداعية الشيخ خالد الجندي، لكنها لا تسمح بالمقابل ببث قنوات تبشيرية مسيحية. و منذ أشهر خصص برنامج quot;البيت بيتكquot; الذي يذاع على التليفزيون المصري حلقات عن التعاليم الإسلامية لكنه لم يعط نفس الفرصة للمسيحيين للتعريف بتعاليمهم، مما أدى إلى انتقادات الكنيسة لهذا التمييز. كما يتم تحقير المسيحيين في وسائل الإعلام أيضا بادعاء إن الإنجيل كتاب محرف و أن الكتاب المقدس عند المسيحيين هو في الحقيقة quot;كتاب مكدسquot; كما صرح بذلك المفكر الإسلامي محمد عمارة.

و يصل الأمر لدور العبادة حيث يتم هضم حقوق المسيحيين في بناء الكنائس و حتى ترميم ما تهدم منها.

كما تتم محاصرة الأقلية المسيحية من الخارج بقطع قنوات الاتصال بين أفرادها و الناشطين في مختلف دول العالم. و خير مثال على هذا ما يحصل باسم مواجهة التبشير، و هي كلمة حق أريد بها باطل في معظم الدول الإسلامية. فسواء أخذنا القانون الجزائري الذي يجرم التبشير أو عمليات طرد المبشرين الأجانب من المغرب، نجد أن هذه الإجراءات تنتهك بطريقة فظة حقوق المواطن في الحصول على المعلومة و حقه في العقيدة بما في ذلك حقه في اعتناق عقيدة جديدة، كما أقرت ذلك صراحة المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. و عذر المسلمين الأقبح من ذنب لتبرير هذه التصرفات هو ضرورة احترام عقيدة الأغلبية المسلمة و التصدي للهجمة المعادية للإسلام. كما يتم التذرع بحملات الترغيب للشباب المسلم لاعتناق المسيحية مقابل إغراءات مالية. و غني عن الذكر إن المسلمين هم آخر من يحق لهم التذرع بمثل هذه الذرائع. فالهيئات الدعوية الإسلامية لا ترى حرجا في الدعوة لدينها في الدول الغربية ذات الأغلبية المسيحية، كما أن مليارات الدولارات تنفق في هذه الدول لتمويل المدارس و المراكز الإسلامية؟ فعلى أي أساس نحلل لأنفسنا بما نحرم على غيرنا؟


ثالثا: اعتداءات و مجازر تستهدف الأقلية المسيحية

ينتج عن جو التحقير و الكراهية للمسيحيين الذي يشارك فيه quot;ثالوث الإعلام و التعليم و الخطاب الدينيquot; على حد تعبير مجدي خليل حالة من الهستيريا الجماعية، تؤدي في النهاية إلى اعتداءات و أعمال عنف موجه ضدها. و هذا ما يفسر مجزرة نجع حمادي و ما حصل قبلها و بعدها في مصر و الهجمات المسلحة و التفجيرات التي تعرضت لها أملاك و كنائس المسيحيين في باكستان و العراق. و هذا ما أكدت عليه قائمة quot;وورلد واتش ليستquot; التي تصدرها منظمة quot;اوبن دورزquot; حيث جاءت ثمانية دول إسلامية ضمن الدول العشرة الأكثر اضطهادا للمسيحيين، إلى جانب كوريا الشمالية و لاوس، و جاءت 35 دولة ذات أغلبية مسلمة ضمن 50 دولة الأكثر اضطهادا للمسيحيين في العالم.

لعل خير دليل على استفحال ظاهرة الكريستيانوفوبيا و خطورتها في الدول الإسلامية الهجرة الجماعية للمسيحيين من هذه الدول، خلافا لما هو حاصل في الديمقراطيات الغربية حيث يزداد عدد المهاجرين المسلمين إليها، مما يدحض الوهم الذي يتم الترويج له في شان وجود جو عام من الاسلاموفوبيا في هذه الدول.

[email protected]