يستنزف الانسان الشرقي معظم حياته ويهدرها في العلاقات الاجتماعية ، فهي تستهلك عمره وجهازه العصبي ، وتضغط على حريته الشخصية ، وتقلق راحته النفسية.. ومع هذا كله نجد الشرقيين يتباهون ويفتخرون بكثرة التواصل والعلاقات في مجتمعاتهم ، ويعتبرونها ميزة انسانية تفتقر اليها المجتمعات المتحضرة في الغرب !
يتحدث عالم النفس الفرنسي ((بيير داكو )) في كتابه : (( الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث )).. عن احد اعراض ((العصاب - الشعور بالنقص )) الذي هو مرض نفسي وظيفي من دون وجود اساس مادي له ، ويربطه بالعلاقات الاجتماعية ، ، بحسب (( داكو )) فإن الشخص الذي يشعر بالنقص لايستطيع ان يقيم علاقة ( ندية ) مع الآخرين نظرا لإفتقاره للتوازن النفسي الذي يمكنه من وضع ذاته في موضعها الطبيعي بين الناس ، ويتجنب النظر الى الآخرين : اما ( أعلى أو أدنى منه ) ، ولعل افضل مكان للبحث عن انتشار هذا المرض فيه هو المجتمعات الشرقية.
فالعصابي شخص فقد توازنه النفسي ، وهو ببساطة يعد طفلا على مستوى النضج النفسي ، اذ انه تجمد عند مرحلة الطفولة وأُحتجز عند عتبتها من قبل العقد النفسية المطمورة في منطقة اللاشعور ، وهو يظل طفلا نفسيا حتى لو حصل على أعلى مستويات التعليم والثقافة ، فهذا لايغير شيئا ولايتمكن من جرف وتطهير اللاشعور من العقد مالم يخضع الى علاج مكثف بواسطة التحليل النفسي ، وليس الطب النفسي أو الارشاد النفسي ، ونحن في الشرق نتيجة السلسلة الطويلة من القمع والتربية المشوهة للفرد.. حتما سيصاب بالأمراض النفسية - أكثرية - افراد هذا المجتمع.
وبسبب شعوره بالدونية والنقص.. فإن العصابي يتعامل مع الناس ، اما ( أدنى منه أو أعلى ) ولاوجود للعلاقات المتوازنة ( الندية ) ففي حالة شعوره بأن الطرف الآخر أعلى منه.. سيأخذ سلوكه شكل التملق والخضوع الماسوشي ، مع مشاعر عدوانية مكبوته نحوه لأنه تسبب في إشعاره بنقصه ، وعند أقرب فرصة ستنفجر هذه المشاعر العدوانية وتنهار العلاقة ، اما في حالة شعور العصابي بأن الطرف الآخر أدنى منه فإنه سينتفخ ويتغطرس ويمارس سلوكا تسلطيا دكتاتوريا ، بقصد الاثبات لنفسه انه قوي الشخصية ، لاحظ سلوك الرجل الشرقي مع زوجته واخته كيف يتصف بالتسلط والعدوانية والسلوك الجبان الذي يستعرض قوته على المرأة لأنه مطمئن الى حالة ضعفها وعدم قدرتها على الرد المباشر بالمثل ومبادلته الضربات كما هو الحال في المعارك بين الرجال !
وايضا لاحظ سلوك الطغاة والمجرمين من الساسة ورجال الدين وشيوخ العشائر وزعماء العصابات وغيرهم ، فهؤلاء عندما يشعروا بضعف الأفراد والجماعات ، تبرز القسوة لديهم ويمارسون الظلم والبطش والقتل ، وحينما يتصدى لهم خصم أقوى منهم سرعان ما يظهر الجانب الآخر وهو الشعور بالنقص والدونية واعلان الاستسلام للخصم الأقوى ، وتجارب التاريخ مليئة بالنماذج!
ان النظرة العلمية للعلاقات في المجتمعات الشرقية.. تجرد - أغلب - هذه العلاقات من اعتبارها دليلا على انسانية الشرق وشيوع المحبة بين افراده ، وتنظر اليها على انها تعبير عن اعراض مرض نفسي ، وهدر للعمر ، ومن الافضل للانسان ان يقلص علاقاته ويحصرها بعدد قليل من الناس بدل هذا العذاب والاستنزاف اليومي ، اما الخضوع للتحليل النفسي فهذه للأسف عملية مستحيلة في ظل عدم توفر المحللين النفسيين في تلك المجتمعات !
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات