لكل أمة في هذا الكون قضايا مركزية تدافع عنها، ولها ديانة سماوية أو وضعية أو مجموعة قيم تسير على هداها، ولها لغة قومية تعتز بها، وعندها عادات وتقاليد تحترمها، وفي ذاكرتها موروث وتاريخ، وعندها، قبل ذلك وبعده،عثرات وإخفاقات وهزائم . نحن العرب، أيضا، عندنا نفس ما عند شعوب العالم، بالتمام والكمال. مع ذلك، نحن نختلف عن جميع سكان هذه المعمورة. كيف ؟

لنبدأ، أولا، بقضايانا المركزية: القضية الفلسطينية وأختها الوحدة العربية. هاتان قضيتان عادلتان، بدون أي شك، وبكل المعايير. ماذا فعلنا بشأنهما ؟ الأولى خضنا من أجلها حروبا عديدة خسرناها كلها، والآن، لم تعد الحرب بيننا وبين عدونا، إنما بيننا، نحن أصحاب القضية، ودونكم ما يحدث بين جمهورية غزة الإسلامية الفلسطينية وبين الجمهورية الفتحاوية الفلسطينية.

قضيتنا المركزية الثانية، الوحدة العربية. بحت أصواتنا ونحن نردد: quot;بلاد العرب أوطانيquot;، والنتيجة ؟ النتيجة نلمسها لمس اليد عندما يريد أحدنا الحصول على تأشيرة سفر لزيارة أحدى عواصم quot;بلاد العرب أوطانيquot;. ولا نتحدث عن خلافاتنا العربية العربية فالحديث عنها يحتاج إلى مجلدات.

إما بشأن لغتنا القومية فأن عجزنا، بل مرضنا اللغوي نجده في صعوبة، وأحيانا، استحالة التفاهم والتواصل اللغوي بيننا، فالواحد منا يحتاج، حقا لا مجازا، إلى مترجم عندما ينتقل من منطقة جغرافية إلى أخرى داخل بلاده نفسها، ويحتاج أكثر من مترجم عندما يسافر من بلد عربي إلى آخر. أما عين الفراهيدي وتاج عروس الزبيدي ومحيط الفيروزأبادي فأنها أصبحت، بسبب ندرة نسخها وعدم استخدامها، من التحف النادرة.

وفي مجال الدين والتدين، فلا نظن أن هناك أمة على وجه الأرض تدعي تمجيد دينها وتطبيق تعاليمه مثلما نفعل، لكن الواقع الذي نعيشه لا تصلح لوصفه إلا الجملة الشهيرة التي رددها قبل قرن الشيخ رفاعة الطهطاوي: في أوربا وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وعندنا وجدت مسلمين ولم أجد الإسلام. ويا ليت الأمر توقف عند زمن الطهطاوي. ففي هذه الأيام أضحى الشيعي والسني يكفر أحدهما الآخر ويطالب بذبحه، جهارا علانا، رغم أن الجميع يقولون أنهم يعبدون إلها واحدا ويتلوون كتابا منزلا واحدا ويمجدون نبيا كريما واحدا. ولو خرج من قبره سيرى الطهطاوي كيف، في أيامنا هذه، يفجر المسلمون منا كنائس المسيحيين ويروعونهم وهم يؤدون صلاتهم في أقدس مناسبة عندهم، رغم أنهم من أصحاب الكتاب وأندادنا في المواطنة، وأشباهنا في الخلق.

الآن، نصل إلى عاداتنا وتقاليدنا. سنتوقف عند واحدة منها: أوضاع المرأة. تقارير الأمم المتحدة تقول أن حالات قتل النساء غسلا للعار في العالم العربي هي بالآلاف ولا تتوقف عن الزيادة، وهو أمر تؤيده الجهات العربية المعنية. تقول الفلسطينية جنان أبو غوش، منسقة توثيق قتل النساء، إن عام 2010 شهد زيادة كبيرة في عدد النساء القتلى في جرائم الشرف في فلسطين. والأمر لا يقتصر على بلد عربي بعينه، ففي مصر تم قتل 82 امرأة فقط في عام 2010، وفي العراق ازدادت عمليات قتل النساء وكذلك في الأردن وسوريا وغيرها من بلدان عالمنا العربي. عمليات الذبح هذه تتنافى مع نص عليه ديننا الذي ندعي التمسك به والذود عنه، والحرص على تطبيق تعاليمه. القرآن الكريم لم يقل اقتلوا نسائكم. القرآن قال quot;واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيراquot;، ولم يقل اذبحوهن على الظن والشبهة. وفي حال الزنا، لم يقل القرآن والزانية والزاني فاقتلوا كل واحد منهما، أو اقتلوا الزانية. القرآن قال quot;الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة.quot; والزنا، لكي يحدث ويتم، وضع له الفقهاء شروطا من المتعذر تماما توفرها (الميل بالمكحل)، وذلك كله حتى لا يتم استسهال التهمة وإطلاقها دون دليل. والغالبية الساحقة من النسوة اللواتي نذبحهن لم يثبت، وفقا لتقارير الطب العدلي، ممارستهن للجنس. نحن نتعامل مع ديننا بانتقائية غريبة وبشيزوفرينيا كثيرة الاعوجاج، نحن نضع ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، سوية، على طاولة واحدة ثم ننتقي انتقاءا من الدين قطعة ومن العادات قطعتين ومن التقاليد ثلاث ونحيكها ثيابا، على هوانا، ومثلما نرغب ونشتهي، لكنها ثياب لا تسر العين ولا تستر العورة، والعالم كله يراقبنا ويقول: يا جماعة، أنتم عراة. فنرد عليه بالمتفجرات والهجمات الانتحارية.

ها نحن وصلنا للمتفجرات والهجمات الإرهابية، إذن لا بد أن نتحدث عن صورتنا في عيون العالم. قبل 11 أيلول 2001 وقبل قبل قبل هذا التاريخ كانت صورتنا، نحن العرب، في العالم كله، كالتالي: بدوي يركب بعيرا يسير في الصحراء وخلفه امرأة ملفوفة بالسواد. بعد أن اكتشفنا البترول، أو بالأحرى بعدما اكتشفوه لنا، تغيرت صورتنا. البعير غاب وحلت محله البوينغ أو المرسيدس أو اليخت، والبدوي اختفى وحل مكانه بلاي بوي، والصحراء غابت وحلت محلها شوارع عواصم الغرب، والمرأة الملفوفة بالسواد استبدلت بأوربية شقراء يدها الأولى على وسطنا، مكان رزقها، ويدها الثانية على مؤخرتنا، حيث توجد محفظة دولاراتنا. بعد هجمات 11 أيلول تغيرت الصورة من جديد. محفظة الدولارات اختفت من اللوحة، والوسط لف بحزام ناسف، لكن ما داخل الوسط ظل ناشطا، فهو وسيلتنا الوحيدة التي نباهي بها الأمم، وهو عدة الحرب التي بفضلها يستولي شيوخنا على زوجات لهم بأعمار الحفيدات. والرأس المكشوف لم يعد كما كان إنما غطيناه، هذه المرة، بعمامة سوداء أو بيضاء مسدولة على الكتف، والأسماء تغيرت فأصبحت (أبو مصعب، أبو الهيجاء، أبو...) تيمنا بأسماء الأسلاف. وبفضل غزوة 11 أيلول، وغزوات لندن ومدريد، وحذاء المجاهد ريتشارد ريد، أصبحت شرطة المطارات تدع كل المخلوقات تمر قبلنا، حتى الكلاب والقطط، ثم بعد ذلك يأتي دورنا، فيبدأون بتفتيشنا، أعني هواننا، وكل واحد منا يقول مع نفسه، بسبب هذا الهوان: ليت أمي ما خلقتني. وليتهم توقفوا عند هذه الإجراءات، الآن يفكرون باستخدام آلات تصوير، ولعلهم استخدموها فعلا، تخترق كل شيء فتصيرنا، ذكورا وإناثا، ربي كما خلقتني.

هذه هي صورتنا نحن العرب في عيون العالم في العقد الثاني من الألفية الثالثة. وهي صورة خلقناها نحن ولم تختلقها quot;المؤامرات الامبريالية الصهيونية التي يحيكها ضدنا الغرب الكافرquot;.

قطر في نهاية عام 2010 تقدمت خطوة في طريق تغيير صورتنا هذه. ذهبت قطر، بشخص رئيسها وقرينته الشيخة موزة المسند إلى زيوريخ، ومن هناك خاضا معركة كونية، وربحا المعركة: قطر تستضيف كأس العالم عام 2022. نعم، هي حرب كونية، فالرياضة في عالم اليوم لها اقتصادها الذي يقدر ببلايين الدولارات، ولها وسائل إعلامها، ولها ملايين من البشر يتابعون أحداثها، ونحن نرى ونسمع كيف تستقل دول العالم للفوز باستضافة هذه المناسبة الرياضية العالمية أو تلك.

الحروب الحديثة تخاض بالعقل وليس بالقوة العضلية

قطر أرادت أن تقول للعالم، ونجحت نجاحا باهرا، إن الرجل العربي المعاصر، والمرأة العربية المعاصرة ليسا انتحاريين بطبعهما، ولم يخلقهما الله لخوض الحرب وحدها. أرادت قطر أن تقول إن المرأة العربية في عالمنا المعاصر لم تعد كما كانت جدتها (أم حكيم) الخارجية، لا تعشق إلا الموت، والرجل العربي لم يعد (قطري بن الفجاءة)، لا يجيد إلا الخطب والقتال. أولائك كانوا جزء من تاريخنا وثقافته السائدة وقتذاك، ونحن أبناء عصرنا هذا، لا نحنط الماضي ولا نعبده، ولا نقدس كل ما هو قديم، إنما نستلهم من تلك الثقافة ما يلاءم عصرنا، ونطرح منها الغث والمتخشب والميت، ونحن العرب لسنا في جزيرة معزولة عن العالم داخل عالمنا المعاصر. لماذا نذكر أم حكيم وقطري بن الفجاءة ؟ لأنهم من أسلافنا، ولأن قطر، كما تعرفون، وتحديدا جنوب شرق قرية الخوير في قطر، هي المكان الذي يقال أن قطري بن الفجاءة ولد فيها. وعندما يذكر قطري بن الفجاءة تذكر زوجته الحسناء، أم حكيم، وعندما تذكر أم حكيم تذكر الحرب، ويذكر عشق الموت، ويذكر كره الحياة. قطري بن الفجاءة، ولا تهمنا هنا آيدولوجيته، بقدر ما يهمنا انتماءه لقيم الأجداد، كان قرينا بالعنف، وزوجته الحسناء، أم حكيم، كانت عاشقة للموت، لا تطلب إلا إياه (كما quot;المجاهدات والمجاهدينquot; في تنظيم القاعدة هذه الأيام)، وكانت تردد في ساحات المعارك: quot; أحمل رأسا قد سئمت حمله وقد مللت دهنه وغسله ألا فتى يحمل عني ثقله.quot;

رئيس دولة قطر، حفيد قطري بن الفجاءة، (حفيده في الانتساب للعرق والمكان)، وقرينته الشيخة موزة المسند، حفيدة أم حكيم، ذهبا سوية إلى زيوريخ حيث كانت ترنو أنظار سكان الكرة الأرضية قاطبة، بانتظار الإعلان عن أسماء الدول التي ستستضيف في السنوات القادمة أكبر حدث كوني في عالمنا المعاصر، أي المونديال. رئيس قطر ذهب للمعركة بالزي الأفرنجي، دون درع بن الفجاءة ودون سيفه، ودون رغبته في الحرب، ودون خطبه الرنانة، والشيخة موزة المسند ذهبت، بكل أناقتها وأبهتها، تحمل رأسا دهنته وغسلته، لكن ليس مثل أم حكيم، لتجعله نهبا لسيوف الأعداء فيريحونها منه، بل لتحاور به من حولها، وتستخدمه لإقناعهم بقضيتها. الشيخة موزة المسند ذهبت إلى زيوريخ، لا طلبا للموت، إنما طلبا لحياة هانئة، سوية، منفتحة على العصر ومسالمة، لها ولأبنائها من الأجيال العربية الصاعدة. وعاد رئيس قطر وقرينته ظافرين، بعد أن خاضا غزوة زيوريخ. هكذا، بدون أناشيد حماسية، ولا سيارات مفخخة، ولا خطب رنانة، ولا فتاوى تكفيرية. لا رئيس دولة قطر تنازل، وهو يرتدي الزي الأفرنجي، عن فصله وأصله، ولا الشيخة موزة المسند أساءت لتقاليد بلدها وأمتها، ولعفة وشرف المرأة العربية. ومثلما كانت دولة الإمارات قد حققت، بالكاميرا وحدها، ما عجزت عن تحقيقه كل أجهزة المخابرات العربية، عندما اكتشفت عناصر الموساد الذين قتلوا المبحوح، فأن دولة قطر حققت، ببراعة المنطق، ورجاحة العقل، وتماسك القرائن، وبرودة الأعصاب، انجازا للعرب هو الوحيد في تاريخهم الحديث.ومنذ الآن وحتى عام 2022 سيصبح أسم قطر على شفة كل لسان، وكذلك العرب، بفضلها، طبعا. ومنذ الآن وحتى عام 2022 نتوقع أن يصدر أصحاب فتاوى رضاعة الكبير، وتحريم وضع الطماطم والخيار في سلة واحدة، مزيدا من الفتاوى ضد المهرجان الكوني القادم في قطر، يقولون فيها: هذه بدعة سيئة ابتدعها الغرب الكافر ليبعدنا عن ديننا وعن قيمنا.