تقف اوساط واسعة من مهاجري الامس من العراقيين موقفا مترفعا بل و معاديا لمهاجري اليوم، و يرى بعضها أن الهجرة من العراق لم يعد لها مبرر، و كان اكبر حزب يساري عراقي قد طالب في آخر برنامج له باستحصال حقوق اللاجئين و المهجرين العراقيين، ثم حدد حقوق أي مهجرين يقصد: quot; الذين هجروا في زمن النظام السابقquot; دون أن يرى انه ملزم بأن يدافع عن كل عراقي هجر أرضه و وطنه في أي وقت و تحت أي ظرف. و سعى ممثلو الحكومة ممن كانوا انفسهم و حتى و قت قريب لاجئين في بلدان اوربا و الجوار و يحمل اغلبهم جوازات غير عراقية، سعوا لدى حكومات اوربا، ليس من اجل عقد اتفاقات بناء البنية التحتية المهدمة أو تطوير التعليم المنهار في البلد... الخ، بل و بكفاءة عالية و اصرار منقطع النظير من اجل اعادة طالبي اللجوء العراقيين قسرا فيما يمثل مخالفة صريحة للانظمة الدولية، و كان فارس هذه الجهود و المتحمس الأكبر لها قيادي في حزب يساري كبير.
قادة اليسار العراقي ثقفوا الشباب المتحمس طيلة عقود من الظروف السياسية الشاقة و في كل العهود على ضرورة البقاء في الوطن و الاستمرار في النضال ضد الانظمة الرجعية و الديكتاتوريات فأستشهد عشرات الألوف منهم في سبيل ما آمنو به، و لكن قادتهم كانوا اول المغادرين ما أن يلوح في الافق شبح الحملات القمعية تاركين هذه الجماهير مكشوفة للقمع دون اتصال تنظيمي و دون ارشاد أو رعاية.
أسوأ ربابنة السفن كانوا يعرفون و يحترمون القواعد المعمول بها، فهم لا يغادرون السفينة الغارقة قبل أن يغادر آخر مسافر في قوارب النجاة. أما هؤلاء القادة فقد غادروا السفينة العراقية قبل أن تغرق على كراسي الطائرات الوثيرة مزدرين الغرقي و أناس القوارب و بعد أن تسببوا هم انفسهم في غرق السفينة بسياستهم التي ما شهدت نجاحا واحدا.
كانت الخارجية السويدية قد ردت على تصريح المسئول العراقي الذي قال فيه ان الاتفاق معها كان على الاعادة الطوعية قائلة: بل أتفقنا على الاعادة القسرية للاجئين العراقيين! و هكذا لم يعد سرا أن أفرادا من الحكومة ممن لا يستطيعون حماية انفسهم حتى داخل المنطقة الخضراء يطالبون باعادة طالبي لجوء بدعوى ان الوضع في العراق آمن، و بين هؤلاء المهاجرين من اُعيد أو عاد بسبب اليأس فقُتل دون أن يسأل أحد: من المسئول عن ذلك؟ بل أننا وجدنا أن بين مهجري الامس من يرفع صوته متنضامنا مع اصوات تأتي من اليمين المتطرف و العنصريين المعادين للاجانب واصما المهاجرين بتهم شتى. على أن متظاهرين عراقيين في هولندا أشاروا الى أن ثمن مثل هكذا اتفقات هو صفقات تجارية و استثمارية كبيرة ضحيتها طالبو اللجوء.
ففي العام الماضي تظاهر عراقيون رُفضت طلبات لجوءهم امام البرلمان الهولندي و قدموا مذكرة لأعضائه تندد بالاتفاق على الاعادة القسرية، و استغربت المذكرة كيف أن حيثيات اعادة العراقيين تشير إلى أن البلد أصبح آمنا، في الوقت الذي تُصدر وزارة الخارجية الهولندية توصيات للرعايا الهولنديين بعدم زيارة العراق لان ذلك يشكل خطرا كبيرا على حياتهم؟ و تضيف المذكرة إلى أن تبديل الحكومة الهولندية لموقفها من اللاجئين العراقيين بسرعة كبيرة بين القبول الواسع و منح الاقامات بسهولة إلى الرفض الواسع و سحب الاقامة ممن حصلوا عليها بل و رمي عوائل رفضت طلبات لجوئها في الشارع في ايام البرد القارس، قد تزامن مع زيارة مسئول عراقي رفيع تمخض عن ابرام اتفاق مع شركة شل الهولندية التي حصلت بموجبه على امتيازات كبيرة. و كانت الدولة الاوربية الوحيدة التي صدت مثل هذه المساعي هي المانيا حيث قالت مستشارتها انجيلا ميركل موجهة كلامها للمسئول العراقي الكبير: أعمل أولا على توطيد الامن في بلادك قبل أن تطالبنا باعادة اللاجئين. قادت حزب محافظ كان اكثر حرصا على المواطنين العراقيين من ابناء جلدتهم.
و بغض النظر عن الجهة التي يأتي منها الموقف، فإن الموقف الصحيح و الانساني ينبغي ان يرحب به سواء جاء من السيدة ميركيل المحافظة او السيد رئيس وزراء تركيا الاسلامي رجب طيب اردوان الذي سارع إلى المانيا بعد سماعه بحادثة حرق ملجأ لطالبي اللجوء من الاتراك و قام بتعزية عوائل الضحايا و طالب الحكومة الالمانية باشراك محققين اتراك في التحقيق في الحادث المثير للشبهات و لم يسأل فيما اذا كان الضحايا اتراكا، كردا ارمنا ام غير ذلك، بل وجد انه ملزم بالدفاع عنهم كمواطنين و رغم أن طالبي اللجوء في العادة من معارضي الحكومة. أما الضحايا من اللاجئين العراقيين و منهم ضحايا القارب الذي غرق قبالة سواحل استراليا و الذي اشرنا اليه في مقالنا السابق فلم تسمع به الحكومة و لم تجد نفسها ملزمة بتعداد ضحاياه ضمن قوائم الضحايا.
وسائل تنديد عنصرية بالاجانب و ثقافتهم
إن ايراد امثلة منفردة للتنديد بالاجانب و الشرق اوسطيين على وجه الخصوص و القيام باستلال امثلة منفردة لاصدار حكم جماعي هي من خصائص الفكر العنصري.
فقبل اسبوع أو أكثر نقلت لنا وسائل الإعلام خبرا عن قيام امريكي باطلاق النار على عضوة الكونغرس جابريل جيفوردز مما تسبب في جرحها جرحا بليغا و مقتل ستة من مرافقيها بينهم قاض اتحادي كما جرح في الحادث آخرون مات منهم صبي بعد حين، و قبل اعلان نتائج التحقيقات و معرفة هوية الفاعل، حبس المقيمون في اوربا و قطعا في امريكا من القادمين من مناطق الشرق الاوسط انفاسهم خشية أن يكون الفاعل مسلما. إذ عندها ستكون ردود الفعل محسوسة في كل مكان، خصوصا بعد ان تقوم بعض وسائل الاعلام و ممثلو اليمين المتطرف و العنصريون بصب الزيت على النار.
و إذ نتنفس الصعداء الآن أن تكون التحقيقات قد أثبتت أن الفاعل ليس مسلما، فإن الكثير من وسائل الاعلام المتحيزة و المعادين للاجانب سوف ينصرفون إلى التفكير بإن هذا العمل ليس ارهابيا طالما لم يقم به شخص مسلم!! و مرتكبو هذه الجرائم يكونون في العادة و وفقا للتحقيقات مريضين نفسيا أو يعانون من مشكلة عقلية، أما الارهابي المتحدر من اصول اسلامية فإنه يكون في العادة طبيعيا مائة بالمائة و لم يحصل ابدا ان مسلما ارتكب عملا ارهابيا قد وُجد انه يعاني من مشاكل نفسيه أو عقلية. فلو أن نفس هذه الاطلاقات قد أطلقت و نفس الضحايا قد سقطوا على يد مسلم ، فإن نفس هذا العمل سيكون ارهابيا ، و سيكون الفاعل سليما معافى، رغم أن الدافع في الحالتين كان سياسيا.
لو عاد القارئ الى نفس الموقع الالكتروني الذي اشرنا اليه في موضوعنا السابق أي موقع لوون وتش (LoonWatch) لوجد انه يشير إلى أن الجماعات غير الاسلامية التي ترتكب اعمالا مسلحة و تقتل الآخرين لدوافع سياسية لا تسمى مجموعات ارهابية ، بل إن مثل هذه المجموعات تطلق عليها اسماء أخرى مثل انفصاليون أو متطرفون. هناك اذن اطلاقات شريرة دون غيرها من الاطلاقات. و سلب الانسان حياته بسبب الاختلاف في الفكر هو عمل ارهابي من أي جهة جاء و سواء كان عدد الضحايا واحدا أو مائة لان المبدأ واحد، فمن يقتل واحدا يقتل مائة و من يقتل مائة يقتل الفا.و كما يرى الموقع عن حق أن مثل هذا التلاعب بالتسميات هو الذي مرر مقولة quot; ليس كل مسلم ارهابيا، و لكن كل ارهابي مسلمquot;.
و هكذا فإن صياغات مقصودة في تسمية الاشياء تهدف الى صرف النظر عن جوهرها و تلقى آذانا صاغية لدى بعض اوساط من العنصريين، و تضليلٌ مثلُ هذا سوف يلحق الضرر ليس بالمسلمين المتطرفين و الارهابيين، فهؤلاء في كل الاحوال لا يأبهون للكراهية و العزلة، بل يستهدف الجميع اعتمادا على المكان و المنشأ، أي جميع القادمين من المنطقة بدون تميز، بما في ذلك من كان غير مؤمن أو من كان علمانيا أو من اعتنق اللبرالية أو اليسار الماركسي، فالتعميم من خصائص العنصرية.
خروف العيد
و في الحوار الذي جرى مع القارئ حول موضوع الثقافات نشير إلى أن محاولات تجري، لاهداف سياسية معلومة، من أجل افتعال تعارض تعسفي بين ثقافات مختلفة و تقاليد متباينة بامكانها أن لا تتصادم بل ينبغي أن تتكامل أو أن تتعايش على أقل تقدير، و يلجأ اليمين المتطرف المعادي للاجانب و للمهاجرين الى استلال امثلة فردية و تضخيمها اعلاميا من اجل وصم ثقافات و شعوب كاملة بتهم لا أساس لها على اساس عنصري، و لكن الانكي أن يجد هذا اليمين المتطرف آذانا صاغية بل و تكرارا لحججه من يساريي الامس القريب.
القارئ لا شك يتذكر قيام بريجيت باردو بالاحتجاج الشهير ضد قيام الناس في عيد الاضحى بذبح خروف العيد و حملات التضامن التي شهدتها اوربا مع هذا الخروف المغدور.
و ليتصور القارئ سيدة وقورة ترتدى احلى ملابسها و حليها و معطفا من الفرو تجلس في ارقى مطعم باريسي مثلا و تأكل قطعة من الستيك الطري بوزن 350 غراما أي ما يعادل ما يستهلكه طفل عراقي او افغاني في عام كامل، هذا اذا قيض له أن يأكل لحما، تحكي لجليستها تعاطفها مع خروف العيد، و اذ تواسيها جليستها و هي تربت على يدها، متحدثة عن تخلفنا المريع لا يفوتها أن تلاحظ التماعة دمعة في طرف عينيها تذرفها حزنا على الخروف المذبوح، و يفوتها أن تلاحظ أن بقرة من 1000 كيلوغرام تذبح للحصول على قطع قليلة من لحم الستيك الفاخر من مكان مخصص من جسدها، و أن معطف الفرو الذي ترتديه السيدة المتباكية قد تطلب نفوق، بل قتل العشرات من الحيوانات الصغيرة المسالمة.
أليس هذا مشهدا تشيخوفيا بامتياز؟
لقد كرس تشيخوف كامل موهبته الساخرة لكي يفضح النفاق الاجتماعي للطبقات البَطِرة. إن امثال هذه الحملات هي مثال على الكراهية المنفلتة.
قد تكون بريجيت باردو نباتية، لا اعرف، و لكن ما اعرفه ان اوربا تستهلك من اللحوم اضعاف ما يستهلكه العالم الاسلامي بسبب مستوى المعيشة، و هذه اللحوم لا تنبت على الاشجار و لا تصنع في المصانع انما تعني بالضرورة ان ثمة حيوانات تذبح بالجملة لتلبية الاستهلاك الكبير و قد يذبح في اوربا في نفس يوم العيد هذا ما يتجاوز ما يقوم به كامل العالم الاسلامي بمرات و مرات و لكن بطبيعة الحال يكون الامر غير معلن و ليس ثمة آلات تصوير لتصور المشهد.
القتل quot;غسلا للعارquot;
و في نفس هذا السياق ادرجت و ضخّمت من قبل المعادين للاجانب قضايا القتل غسلا للعار مما قام به قادمون من المنطقة في اوربا و هي جريمة بشعة بكل المقاييس و مثل هذه الجرائم موجودة في كل المجتمعات أو أن هناك اشباهها و ربما ما هو اسوأ منها. فجرائم مثل اختطاف و اغتصاب اطفال بعمر سبع أو ثمان سنوات ثم قتلهم تحدث في اوربا سنويا بما يتجاوز الحوادث المنفردة في القتل غسلا للعار و يصنف القائمون بها على انهم مرضى نفسيا و كثيرا ما أطلق سراحهم بعد فترة قصيرة و عادوا لارتكاب نفس الجريمة للمرة الثانية.
و كثيرا ما وجدت السلطات أطفالا حديثي الولادة مرمين في مكبات النفايات و بقوا فيها حتى ماتوا ، هذا بالرغم من وجود مؤسسات ترعى الاطفال من الذين لا ترغب الامهات اللواتي هن في الغالب شابات يفضلن الحرية الاحتفاظ بهم.طبعا من المعيب استعمال مثل هذه الحوادث للتنديد بمجتمعات بكاملها و ادانة ثقافة كاملة. فالغالبية الساحقة أو ما يفوق التسع و تسعين بالمائة من المهاجرين غير مستعدين لمثل هذه الممارسات مما عرف بالقتل غسلا للعار فلماذا يستل هذا الأقل من واحد بالمائة لتعميمه على الاخرين و جعله وسيلة للتشهير بشعوب وثقافات كاملة؟
التعليقات