سموّ الأمير،
تحيّة منّي كفرد من أفراد الشعب الليبي الذي رأى في سموكم ما رآه الليبيون جميعا من كرم العون في الضائقة التي ألمّت بنا، وما زلنا نعاني من تبعاتها حتى اليوم. فأنتم من هب من العرب مع دولة الإمارات العربية لنجدتنا، وكانت المسافة الجغرافية التي تفصلنا قد اختزلتموها كرما حتى خيل لنا أنكم إحدى قبائلنا الغيورة أو مدينة من مدننا المعطاءة.
أنتم لم تتوانوا على إمداد ثوارنا بالسلاح حتى تمكنوهم من الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم، وأنتم لم تألوا جهدا في إغاثة أهلنا من نساء وأطفال خارج الحدود عندما شردتهم كتائب الطغيان وأجبرتهم على الفرار، فما كان منهم إلا أن نجوا بأعراضهم مخلفين زادهم وراء ظهورهم لأن سغب البطون كان أهون عليهم من غسلين العار.
وأنتم من وقف معنا في كل المحافل الدولية تذودون عن قضايانا الوطنية حتى كانت خارجيتكم لا هم لها غير ذلك، فكانت صولات وزرائكم ودبلوماسييكم لا تحمل غير هموم شعبنا ومطالبه العادلة.
ولم تكن خزائن أموالكم موصودة أو حتى مواربة بل مشرعة على مصارعها تتدفق منها الأموال بسخاء يتواضع أمامه مفهوم الكرم العربي في التاريخ.
أما عن إعلامكم فكانت قنواتكم الفضائية نعم النصير، تنقل أخبار الثورة وتصور جبروت العسف لكي تراه عيون العالم قاطبة، حتى أجبرت ضمير العالم على الانحياز للحق الذي لم نكن نطالب بسواه في الحياة الكريمة والعيش الآمن وانقشاع الاستبداد.
كل ذلك سوف يبقى في تاريخ شعبنا شاهدا على هبّة قطر الشقيقة إلى زمن عزّ فيه المجير وضمر فيه الشرفاء الذين يجودون بدون انتظار لعوض وفي غير منّة أو تساخ.
إن الشعب الليبي سوف يذكر على مدى التاريخ هذه الوقفة النبيلة لقطر شعبا وأميرا وحكومة، وسوف يترسخ هذا الموقف من خلال حكايات العجائز اللاتي سيروين لأحفادهن تفاصيل هذه الملحمة في مهدهم قبل أن يدرسوها على
على مقاعد الدرس في مدارس الوفاء عندما يكتب التاريخ على حقيقته.

إننا شعب يا سمو الأمير قد عانى الكثير، فتاريخه كأنه حلقات من النوازل والنكبات والمظالم، فكانت الطبيعة قاسية علينا ضنينة بالماء شحيحة بالكلإ، فكنا نستغيث إلى الله بصلاة الاستسقاء ونموت في أغلب الأحيان من الجوع والأوبئة، ولكننا كنا نستقبل موتنا برباطة جأش ورضى، ما دمنا نتكفن بالحرية في صحارينا الواسعة. وكانت تأتينا أقوام من وراء البحر تحاول أن تختلس منا مواردنا على شحتها، فنقاتلهم قتال من يرغب في ما وراء الموت لبؤس ما تعطيه الحياة.

كنا دوما بحكم الجغرافيا مطمعا للآخرين، فتعلمنا منذ نعومة أظافر التاريخ أن الحياة لا معنى لها بدون حرية، وهذا أول درس يتعلمه الليبي من أمه الصحراء، لذلك فقدنا نصف سكاننا في قتالنا ضد إيطاليا، كما قاتلنا فرسان القديس يوحنا وحتى الأتراك العثمانيين، عندما تبينا أن خلافتهم ليست في إخاء الإسلام، إنما هي هيمنة ملك عضوض.

حتى اكتشفنا أو بالأحرى اُكتُشفت لنا ثروة تحت أقدامنا، وقبل أن تكتمل فرحتنا بزوال الفقر وانتهاء العوز خرج من بيننا، وإن لم يكن منا، إنسان مريض أذاقنا سوء العذاب مستعملا أموالنا أصفادا لفرحتنا، ووضع على كل شفة صرخة وعلى كل خد دمعة وفي مل فؤاد لوعة، وصبرنا على مصابنا صبر أهل الصحراء على الشدائد، ثم كانت الهبّة المباركة التي قرر فيها الشعب وأد عاره وستر عورته التاريخية بإسقاط هذا النظام البائس.

سمو الأمير، إن جمال ما قمتم به من أجل شعبنا وقضيته العادلة يجب أن لا تفسده الأهواء ولا تقبحه النزوات، لذلك وخوفا على هذه الصفحة المضيئة لدولة قطر في تاريخ علاقتنا الأخوية، أود أن أقدم إليك جملة من الملاحظات على بعض التصرفات التي أنأى بشخصكم الكريم أن يكون والغا فيها.

فقد رأينا من دولة قطر قبل وبعيد تحرير طرابلس أمرا جللا كنا نهمس به همسا حتى لا نخدش مشاعركم، أما الآن وقد بدأ الليبيون يجهرون بالشكوى، فلا نرى بدا من مصارحتكم بما تردّده الألسن وتعتمل به الأفئدة.

فأنتم يا سمو الأمير تدعمون فئة من الشعب الليبي على غيرها من مكوناته، واخترتم المتشددين من الإسلاميين، وكان اصطفاؤكم لهم ضد رغبة الأكثرية الساحقة من شعبنا الذي يرفض التطرف، وكان المؤمّل منكم أن تقفوا مع الوطن لا مع فئة منه أيا كانت. فكنّا نعتقد أنكم سوف تكملون مكارمكم بتشجيع إنشاء الجيش الوطني والأمن الوطني ونزع السلاح حتى يتسنى لشعبنا ولوج العملية السياسية، وإن فعلتم ذلك فسيكون متناغما مع عطائكم، ونحن ما زلنا نعتقد أنكم مع شعب ليبيا، لا مع فئة معينة تستقوي بكم في محاولة للاستيلاء على السلطة.

إن ليبيا قد أوشكت على التحرر، فلا نريد منكم سلاحا، بل نريد مساعدتنا عل جمع ما أعطيتم من سلاح، لتسليح الجيش الوطني به، لأن للدولة وحدها حق احتكار القوة.

نحن لا نريد الآن أموالا كالتي نسمع أنكم تهبونها لبعض الفئات حتى يشكلوا به مزيدا من المبليشيات ويستدرجوا به الكثير من الشباب العاطل عن العمل. فإن ليبيا الآن لها من الأموال ما يكفي لتدشين عهد التنمية المستدامة، كما لها ما يكفي لدفع كافة الهبات التي قدمت لها.

كما أن قناة الجزيرة التي تملكونها، والتي أعانتنا على الانتصار، لا نريدها قناة لفئة معينة تبث الفتنة وتشكك في الشرفاء، وإنما نريدها قناة تحررية نكمل معها المسار الذي بدأته حتى نقيم الدولة المدنية الديمقراطية التي يريدها الشعب الليبي.

يا سمو الأمير، لا تجبروا الشعب الليبي على قول ما لا يريد قوله، ولا ترغموه على فعل ما لا يريد فعله، فهو يريد صداقة الشعب القطري العظيم. هذه النبتة الخيرة التي تعهدتموها بالعناية نريدها أن تنمو في ظلال الإخاء والاحترام المتبادل.

إن وقوف قطر على مسافة واحدة من كل فئات شعبنا وإيديولوجياته هو ما سوف يتوج علاقاتنا في المستقبل بالرفاهية والخير المشترك للشعبين. أما إذا أخذت السياسات القطرية هذا المنزلق الخطير الذي توجهت إليه، فإنني أريد إعلامكم يا سمو الأمير بأن الشعب الليبي شرس في حبه كما هو شرس في كراهيته، وإذا وقع المحظور واستُبدل العرفان بالنكران واستبدلت المحبة بالبغضاء والأخوة بالعداء فلا جدوى من شكوى الضحية لأنها سوف لن تكون بريئة من إهراق دمها.