كي لا أكون مجحفاُ بحق الحركة السياسية الكردية في سوريا و كي أستثنيها مما سأكتب عن المعارضة السياسية السورية quot; المؤتمراتية quot; و كل يسير في فلكها، أرغب أن أشير إلى واقعية وعقلانية الحركة الكردية العظيمة في التعامل مع ما جرى و ما يجري في سوريا، هذه الرؤية الواقعية التي قلت نظيرتها في التعامل مع هذه الاحداث الخطيرة في الوطن السوري و اختفت لدى البعض الآخر، لتسود العقلية الانتقامية و العشائرية ممزوجة بمراهقة سياسية مغامرة في التعامل مع أخطر أزمة سياسية ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستويين العربي و الاقليمي لا بل و الدولي. و نتمنى من كل المعارضة السورية أن تقتدي حقيقة بالمعارضة الكردية في التعامل مع هذه الأزمة.

لنعد إلى موضوعنا المقصود و هو المجلس الوطني السوري و كيف و ما هي آلية تأسيسه وما هي نقاط الاختلاف و الخلاف....؟؟ و كيف يمكن لغيمة سوداء تركية أن تمطر رذاذاً وبرداً...؟؟

لقد اشارت السبعة أشهر الماضية من عمر الحدث التاريخي السوري و بكل مفرداته إلى خصوصية مطلقة يتمتع بها طرفا الحدث في سوريا (( طبعاً لا مساواة بين الاثنين ))، اقصد النظام السياسي الامني كطرف أول و المسبب لما آلت إليه الاوضاع في سورية، الطرف المُستَبِد و القابع على الصدور و المضطِهد للطرف الثاني الممثل بالشعب و الذي يمثل القوة العظمى للعملية التفاعلية، دون أن ننسى الطرف الثالث من المعادلة أو ما تدعي// مجازا // بتمثيلها الارادة السياسية للطرف الثاني أي إرادة الشعب و أقصد هنا quot; المعارضة السورية quot; و بالأخص العربية منها و الأخصُ الأخص التيار الاسلامي الممثل بالإخوان المسلمين ومن يرضعون منها، و التي تحاول دائماً فرض أجندتها على المعارضة السياسية ذات التوجه العلماني و الليبرالي معتمدة على الدعم المطلق التي تحصل عليها من حزب التنمية و العدالة التركي الحاكم quot; فرع الاخوان المسلمين التركي quot; عبر تأمين بعض الدعم اللوجيستي للمعارضة السورية من حق بطاقات الطائرات و المنامة في الفنادق الفخمة و تأمين قاعة للمؤتمرات و غير ذلك، بالمناسبة هناك أكثر من 20 معارض سوري أعرفهم و معظمهم من الاخوان المسلمين انتقلوا من أوربا إلى تركية استنبول و هم كانوا يقبضون من نقابات و بلديات المدن التي كانوا يسكنونها في أوربة، هي مجرد إشارة استفهام و ليس أكثر.

قد أتفق مع مقولة أن التأثير القوي لتلك الممارسات القمعية والاستبدادية و الاقصائية لطرف المعادلة الاول quot; النظام quot; و لمدة 45 عاماً لكل مختلف معه و ما أنتجت هذه السياسات من حالات اجتماعية و اقتصادية ونفسية غير صحية للمواطن السوري من اللاستقرار في التكوين النفسي و الفكري و حتى الاخلاقي إلى عدم الثقة بالنفس و بالآخر و الخوف من الحاضر و المستقبل و غير ذلك لكن... و هنا النقطة البارزة في المقصد و هي أن معظم القائمين على هذا المؤتمرات و على ضوء معرفتي بهم و قراءاتي لهم من النخبة السياسية التي قرأت عن فرنسيس فوكوياما و صموئيل هنتنغتون....!!!! و اندمجوا مع المجتمعات الغربية ذات الطابع العلماني و الديمقراطي و بالتالي هم بعيدون عن تأثير نتائج ممارسات النظام السوري حتى الاخوان المسلمين منهم.

إذاً ماهي سر العلاقة الحميمية بين هذه المؤتمرات و الدولة التركية التي توفر لهم كل الامكانيات المادية و المعنوية و لا يمكن لأحد أن ينكر هذه العلاقة الحميمية و من ينكرها سأتهمه آسفاً بالكذب وللأسباب التالية:
1 - لم تكن تركيا و حكوماتها المتعاقبة ومنذ أن ظهرت كقوة اقليمية في الشرق يوماُ ما تقف إلى جانب حركات التحرر و الشعوب المضطهدة المطالبة بالحرية و الديمقراطية، بل العكس هو الصح، فقد عمل النظام التركي و على مدى قرون مضت بمفاهيم استعمارية استعلائية و الغائية لكل الشرائح الاجتماعية quot; القومية quot; من غير التركية، لا بل و حاربتهم و هناك من الشعوب من أبادتهم (( الأرمن، الكرد )).

2 ndash; تركيا كنظام سياسي و كما تشير الدراسات العلمية و السياسية و التاريخية لا يمكن لها القبول بأي أجندات لا تخدم مصالحها.
3 ndash; تركيا تعرف تماماً أن الشعب السوري مسجوناً منذ 40 عاماً، لماذا لم تحرك ساكناً على الاقل منذ استلام آردوغان السلطة في تركيا مثلاً...؟؟ ولن أتطرق إلى الموضوع الكردي و ما يشنه آردوغان من حرب إبادة على الشعب الكردي و تلك القرصنة الدولية والجريمة التي ارتكبها بحق الزعيم الكردي عبدالله اوجلان 1999 في كينيا كي لا يتهمني أحد بأنني قومي متعصب أو عنصر من عناصر حزب العمال الكردستاني...!!!!

إذاً... ترى هل هذه صحوة ضمير تركي تجاه ما قتلت من الشعب السوري ابان احتلالها لسورية...؟؟ و هل هو ندم تركي على إصدارها حكم الاعدام بحق 47 من الوطنيين السوريين في كل من بيروت ودمشق إبان نهاية الحرب العالمية الأولى ما بين فترة 21 أب 1915 و أوائل 1917. فضلاً عن الذين أعدمتهم في عام 1916.

4 ndash; و هو الأهم بالنسبة لنا كأكراد سوريين، إن المؤشرات - و على ضوء متابعاتي و قراءاتي للحدث السوري و مفرداته وسيما المعارضة و معرفتي بالتركيبة القومية و السياسية للنظام التركي - تشير بأن الاخوان المسلمين و بعص الشخصيات القومية العربية و بطلب من الحكومة التركية أن لا تثير القضية القومية الكردية لا في المؤتمر و لا في البيان الختامي للمؤتمر و أن يركزوا على اسقاط النظام فقط و أن يقنعوا الأكراد بأن سقوط النظام أولاً و الديمقراطية التي ستأتي حتماً هي التي تحل قضيتهم.
ترى هل يقصد حزب التنمية والعدالة بأن الديمقراطية الموعودة في سوريا بعد سقوط النظام هي ديمقراطيته التي تقصف بالطيران القرى الكردية في كردستان العراق أم اعتقال 82 ناشطاً كردياً في استنبول و 25 في آمد quot; دياربكرquot; 4/10/2011.

و يبدو أن الاخوة الاكراد الذين حضروا المؤتمر بلغت بهم السذاجة الى قبول هذا الامر و أنهم نسوا أو لم يقرأوا عن التجارب التاريخية التي مرت على الشعب الكردي و بنفس الاسلوب عندما مارس الشيوعيون العرب نفس اللعبة، ثم أن الدراسات السياسية التاريخية تؤكد و بشكل لا لبس فيه أن كل قضية قومية هي قضية ديمقراطية و لكن ليس بالضرورة أن تحل بالديمقراطية فالقضية الباسكية لم تحل في أسبانيا الديمقراطية و القضية الكردية في تركية لم تحل في تركية الديمقراطية و قضية كاراباخ بين أرمينيا و أزربيجان و..و.. الخ.

و كانت قد أشارت بعض المصادر أن نجاح المؤتمر كان بضغط تركي قوي عن طريق ايعازها للاخوان المسلمين بضرورة تقديم بعض التنازلات و التسهيلات للقوى العلمانية و الليبرالية لإنجاح هذا المؤتمر مع تأكيدها على ضرورة التطرق إلى القضية الكردية وعدم الحديث عن الحقوق القومية للشعب الكردي و إذا أدى الامر بتذمر الاكراد كما ذكر المصادر فلابأس من وضع أحد المستقلين الكرد بالمجلس القيادي للمجلس الوطني السوري مع ذكر قضية الاقليات و حقوقها دون ذكر اسم الاقليات، و قد جاء كل هذا الاهتمام و الضغط التركي على المجلس نتيجة تقارير تشير بأن فشل المعارضة السورية هذه المرة يعني بقاء النظام لمدة أكثر و هو بالتالي فشل تركي فاضح في التعامل مع القضية السورية ويؤكد المتابعين بأن التدخل النظام التركي السافر في شؤون المعارضة السورية و عبر بوابة الاخوان المسلمين ومحاولة تحريف الثورة عن أهدافها الحقيقية في تحقيق الحرية و الديمقراطية للشعب السوري و التأسيس لمجتمع مدني حر كان السبب في عدم وصول المعارضة إلى اتفاق فيما بينها و كان من أبرز أسباب التدخل التركي في الشأن السوري هو الموضوع الكردي في سوريا، وإن محاولة النظام التركي إضفاء الطابع الاسلامي على هذه الثورة الديمقراطية و البيضاء عبر دعمها غير المحدود للجماعات الاسلامية و العاملة في إطار المعارضة السورية و التي توافقها في الايديولوجية دون غيرها من المعارضات الاخرى كان واضحاً.

إذا قد يرى المهتمين بالشأن السوري في سياق ما ورد بأن الوقود التركي و الاخواني للمجلس قد يقف فيما لو غير المجلس بوصلته عن تركية و عن الاخوان المسلمين و قد يكون هذا وارداً لثلاثة أسباب:

1 - إن الاتفاق فقط على اسقاط النظام دون التوافقات السياسية التي تحدد مستقبل سوريا بعد اسقاط النظام غير كاف سيما و أن التركيبة السياسية للمعارضة السورية و للمجموع السوري هي تركيبة معقدة تحتوي على قضايا معلقة و معقدة و خطيرة و عدم الاتفاق على حلول مبدئية لها يترتب عليها نتائج خطيرة كالقضية الكردية مثلاً و موضوع الطوائف الدينية التي هي نتاج واقعي و طبيعي لتراكمات تاريخية غير طبيعية. و الدخول في هذه القضايا قد تثير نقمة تركيا.

2 - الخلاف الأيديولوجي بين الاخوان المسلمين و الكثير من المنضويين تحت قبة المجلس الوطني و هذا ما بدا واضحاً عندما لم يتمكن المؤتمر من انتخاب رئيس للمجلس الوطني.

3 - بين عدم توجيه دعوات لشخصيات يسارية و ليبرالية مؤثرة لحضور المؤتمر.

4 ndash; إن الحضور الكردي مع احترامي للحاضرين لم يكن مقنعاً أبداً، فالحركة السياسية الكردية بثقلها الجماهيري لم تحضر و وجود التنسيقيات الكردية لم يكن مقنعاً في المؤتمر على أية حال إن على المعارضة السورية أن تخضع نفسها لعملية الفرز السياسي و الايديولوجي لأن هذا الخلط غير التاريخي و غير الواقعي بين المفاهيم و التوجهات هي من أكبر الاخطاء التي ترتكبها المعارضة السورية سيما و أن هناك من المعارضات من تخلت عن معارضة النظام السوري سابقاً عندما اتفقت المصالح.

و أن تعطي المجال للشعب السوري و من يمثله في اختيار الشكل الأمثل للعملية النضالية و الانتقالية للمرحلة القادمة كما و نطالب المراهنين من المعارضة على الدور التركي و المرتميين في أحضان شيخ الشيوخ أردوغان أن يكتفوا بما نالوا من الانتكاسات و الوعود من هذا النظام الاسلامي و أن يدركوا أن النظام التركي لا يمكن أن يكون مناصراً لقضيتهم العادلة و هو الذي يقتل شعبه.