الساعة تقارب الثامنة الا ربع، تدخل صالة السينما من دون أن يكون في مخيلتك أي صورة واضحة حول عمّا يمكن أن تكون القصة.. قالوا ان الفيلم جميل ولكن لم ترد أن تحرق المراحل فلم تسأل حتى عن القصة ويقرّر ذهنك ألا يحلّلها. تحجز تذاكرك وتنتظر صديقتك حتى تصل، وبعفوية تجد نفسك تنظر حولك محاولاً أن تقدّر عدد الذين جاؤوا مثلك في هذه الليلة ليتابعوا الفيلم الذي يتحدث عنه الجميع، وتكتشف أن الوجوه معظمها في عمر المراهقة..
وفي هذه اللحظات تفكّر لبرهة عما يمكن أن يكون الفيلم، فعنوانه اللبناني بامتياز يفتح على احتمالات كثيرة ممكن أن تكون عبرت ضمن أفكار مخرجته الشابة ولكن لا يخطر في بالك أن تكون ذهبت بعيداً لتضرب على وتر حساس الى هذا الحد... كل ما في مخيلتك رجع صدى ايجابي جداً أثار فيك حشرية مشاهدته.. فإحدى صديقاتك شاهدته على مدى يومين متتاليين وتعليقها كان quot;خرجت وأنا أبكيquot;، أما صديقك فاختصر تقييمه بجملة واحدة quot;رائعة كيف تضحكك وفي نفس اللحظة تبكيكquot;..
لا تتخيل نفسك أن ينقلب مزاجك من الضحك الى البكاء في لحظة، ولكن نادين لبكي في فيلمها quot;هلأ لوينquot; مع شخصياتها التي أبدعت في تجسيد أدوارها بروعة لا متناهية تجعلك تتفاجىء بدموعك بعد نوبة ضحك من قلبك.. فهذا الفيلم يضع الأصبع على الجرح اللبناني فيرسم أمامك صورة اللبناني الذي أصبح يعيش انفصاماً بين الواقع الذي يريده والواقع الذي يعيشه بعد تراكم سنوات اليمة مرّت على هذا البلد. تبكي لأن هذا الواقع الذي تجسّده شخصيات تراها للمرة الأولى على الشاشة هو السكين الذي يطعنك كل يوم لأنك تعرف الى ماذا أوصل هذا البلد، وربما لأن هذه الشخصيات تعيش غصة هذا الواقع فأبدعت في اخراجه لك بصدق فأبكاك الرجل كما أبكتك المرأة، وان كانت هي بالعاطفة المجبولة فيها استطاعت أن تجعلك تغص مرات كثيرة وتبكي، فهي الأم والحبيبة التي تحمل هم الرجل الذي يقرّر أن يسير في موجة الغضب المجنون الذي سار ويسير فيه الشباب اللبناني..
هي التي قالت كفى ونجحت بسلطة عاطفتها أن تجبر هذا الرجل أن يسير على الطريق الذي يجب أن يسلكه وان لم تستطع أن تدير دفة الأمور الى النهاية فبقيت quot;وهلأ لوينquot;.. فالقضية لم تنته مع انتهاء القصة بل البداية هناك. الفيلم وضع الاصبع على جرح غدا ملتهباً، بطريقة مميزة تجعل كل طرف معنّي في الصميم، وبأسلوب يبعث في داخل كل شخص حساً أنه مسؤول وغير قادر على رمي الكرة في مرمى الآخرين كما اعتاد اللبناني أن يفعل... فهل سيكون هذا الفيلم على أجندة السياسيين واللبنانيين ويسألون أنفسهم بعد أن يشاهدوه quot;وهلأ لوينquot;؟
التعليقات