لعل المجلس الانتقالي الليبي كان صادقا او كاذبا او محتارا مثل الجميع في مسألة مقتل القذافي. لكن الرجل مات على اية حال وهو في ذمه ربه وله من الله ما يستحق. إلا ان ما اعتقده خطأ لا يغتفر من المجلس الانتقالي الليبي هو مسألة الدفن في مكان سري لجثة القذافي وابنه.
الحجة كانت ان لا يصبح المكان معلما او منطلق فتنة او شيء من هذا.
وهنا مكمن الخطأ. فالناس تحب الغموض. وغموض مقتل الرجل سيزيد منه غموض مكان دفنه. ويعني هذا ان الرجل الذي كان المجلس الوطني يخاف منه حيا، هو خائف منه حتى في قبره. وان المجلس نفسه هو من سيساهم في تحويل القذافي بعد حين الى اسطورة كما حول موته الى علامة استفهام كبيرة.
كان على المجلس الانتقالي تسليم القذافي الى قبيلته. تدفنها، تحرقها، تحنطها، لتعمل ما تشاء، فمن أي شيء يخاف المجلس الانتقالي؟ هل ستعيد القبيلة الروح الى جسد ابنها؟ هل ستلبسه بدلة عسكرية او زيا وطنيا وتضعه نصبا في شارع رئيسي؟ إنها تريد ان تدفن ابنها بما يليق بميت. هذا كان حق لا ينكره عليها احد. بل وكان اولى ان يتم ذلك سريعا دون عرض جثة ميت على رعاع يصورون ويتصورون ويعبثون بما لا يليق بكرامة الانسان.
القذافي وصدام حسين، كلاهما اجرم في حق شعبه. مع هذا فقد سلمت جثة صدام الى عائلته دون عبث أحد بها، ودفن في مسقط رأسه دون ان يخشى احد في العراق من ان يصبح القبر مزارا او مركز فتنة في بلد كله انقسامات وفتن.
ما أقرأه بين السطور من مسألة رفض طلب القبيلة جثة ابنيها، وابقاء القبر سريا هو التالي:
أولا، ان الانتقام طافح في الصدور حتى من قبيلة القذافي نفسها، وهذا يخيفنا من موجة انتقام تصيب الشارع الليبي كله تقود الى فوضى عارمة.
ثانيا، ضعف ثقة المجلس الوطني في الشارع الليبي، وإلا فلم الخوف من جثة ميت؟
أخيرا، فإن بقاء القبر سريا يعني ان إبقاء طريقة الموت سرية الى الأبد.

[email protected]