هذه هي العبارة التي رددها الرئيس اليمني عندما سقط صدام حسين تحت وقع الضربات العسكرية الأمريكية، حينها كانت أنظمة المنطقة تخشى التغيير من الخارج. الآن وبعد أن تغيرت المعادلة وأصبح التغيير يأتي من الداخل، وبعد أن هرب بن علي ثم سقط مبارك تحت زلزال وضغط الشارع، هل سيحلق البقية رؤوسهم قبل أن تتكفل الشعوب بالمهمة؟

لا تبدو الأمور بهذه السهولة في أذهان المتثبتين بالحكم، فمبارك قبل أن تقلَّه المروحية من قصره بساعات قليلة، كان يرى في نفسه بطل مصر الذي دافع عنها ضد إسرائيل فرفض التنحي من منصبه. لكن إصرار الشعب كان أقوى من عناده.

هكذا تفكر الأنظمة وهكذا يتعنت رموزها الغارقون في الفساد والتزوير وفي انتهاكات حقوق الإنسان، ومن هنا فإن الشعوب التي تابعت باهتمام ما حدث في تونس وفي مصر تعيش حالة استعداد واستجماع للقوة لإسقاط أصنامها، فيما تخال تلك الأصنام أنها لا تزال بعيدة عن الانتفاضات الجارفة التي ستأتي على الأخضر واليابس (كما قال أبو الغيط قبل أن يصبح في خبر كان).

رئيس اليمن وعدَ بعدم توريث ابنه وبتخليه عن المسؤولية عند نهاية فترة رئاسته، الأردن زاد من رواتب الموظفين ورئيس الجزائر وعد بوقف تطبيق حال الطوارئ وبفتح التلفزيون لأمثالي من المشاغبين والمغرضين وهكذا... ومن تحت الطاولة تستورد هذه الأنظمة الغاز المسيل للدموع والهراوات والأدرع الواقية وتطارد الناشطين وتكمّم الأفواه، وتقمع المسيرات السلمية.

لا أكون كثير التفاؤل، إذا قلت إنّ عام 2011 سيكون عام سقوط الديكتاتوريات في المنطقة وسيشهد تقلبات سياسية واجتماعية تاريخية، لكن الخشية كل الخشية على الانتفاضات التي انفجرت - وستنفجر- من الاستغلال السياسي والأمني لصالح لوبيات المصالح وكبار الجنرالات في الجيوش ولصالح قوى إقليمية تريد تصدير نفاياتها السياسية إلينا.

ولا أزال عند قولي: إن ماحدث في تونس ثم في مصر هو بداية الطريق، وسقوط الرمز أو الصنم ليس سقوط النظام وما ينتظرنا هو الأهم، فمؤسسة الجيش في دولنا هي مؤسسة حامية للأنظمة وساكتة على الفساد والمفسدين، إن لم تكن متورطة في قضايا فساد كبيرة. وعندما أتحدث عن الجيش فلستُ أتحدث عن الغالبية المسحوقة من الجنود أو عن الضباط الشرفاء وإنما أتحدث عن مجموعة من القيادات المتحالفة مع العصابات التي تمتص دماء الشعوب.

الجيش مكانه الطبيعي هو الثكنة العسكرية، الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة التي يجب أن تكون خاضعة خضوعا مطلقا للسياسيين وهذا ما يحدث في كل الدول الديموقراطية في العالم، والتي تستمد شرعيتها من الشعب وتحكم عن طريق المجالس المنتخبة.

اللجوء إلى الجيش خوفا من البوليس هو خدعة بصرية، كشفتها صحيفة ذي غارديان البريطانية التي كتبت أن الجيش المصري متورط في خطف وتعذيب الآلاف من الشباب والناشطين، بشهادات منظمات حقوق الإنسان.

أعود وأقول، إن ماحدث في تونس ومصر وسيحدث في الجزائر واليمن وغيرها: انتفاضات أو بدايات ثورة وليست ثورات كاملة، والثورة هي التغيير الجذري، الذي يؤدي إلى اقتلاع الأنظمة الفاسدة من جذورها ومحاسبة رموزها وأعوانها وعملائها، وإعلان القطيعة مع كل سياسات الماضي، ومن ثم تطبيق ديموقراطية حقيقة وتأسيس دولة عصرية مدنية، دولة مواطنة تعتمد على المؤسسات المُنتخبة شرعيا، لأن أكذوبة الشرعية الثورية افتضحت أمام شرعية الشباب الغاضب التواق للتغيير.

إنها مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، وتحية للشباب التونسي والمصري، وشكرا للشيخ غوغل والحاج فايسبوك والسيدة تويتر.

إعلامي وباحث في جامعة كارنيغي ميلون.