لم آخذ معمر القذافي يوماً على محمل الجد، لا كزعيم ولا كرئيس ولا كإنسان ولا بالطبع كفيلسوف! لكنني منذ صباح أول أمس الأحد، مجبر على فعل ذلك، لأنّ مجنون العرب وبطل الكوميديا السوداء في العالم، قرّر أن يحرق الشعب الليبي، ويحوّل ليبيا، بوصفها مزرعة خاصة شقّت عصا الطاعة، إلى أرض محروقة، محروقة فعلاً لا مجازاً.
أتابع الأخبار الشحيحة، بعدما قُطعت جميع الاتصالات عن ليبيا، وأغصّ بالقلق والقهر.
تقول الأخبار إنّ مجنون ليبيا يقصف جماهير الشعب الليبي بالطائرات الحربية : بالإف 16، وغيرها من أنواع الطائرات المقاتلة.
يا له من خبر! ويا لشماتة إسرائيل بما تسمع!
الرجل الغريب الأطوار، قرّر أن يكون فريداً في جبروته وطغيانه [وربما في نهايته أيضاً] فأنزل الطائرات لتحصد أرواح الشعب الأعزل.
هذه هي نهاية القصة، التي لم تبدأ إلا منذ أيام. فكيف ستكون النهاية الحقيقية لو استمرّت ثورة الليبيين أسابيع أو شهراً؟
طبعاً لا جدوى من مناشدة رجل مجنون أو ابن أجنّ منه.
ولكننا نناشد شعب ليبيا البطل أن يصمد ويصمد، ونناشد جيش ليبيا أن يقف مع الشعب، وإلا فهو العار سيلاحقه للأبد.
أما الغرب الدنيء، فهو دنيء فعلاً، ولا تحكمه أخلاق ولا مبادئ، وإنما مصالح فقط. رأينا هذا مع مصر، ومن قبلها مع تونس، لذا لا نستغرب ولا نتفاجأ من غرب يكيل بمكيالين.
أمّا ما فاجأنا فهو العقيد على لسان ولده، بـquot;أنه سيقاتل حتى آخر رجل في المعركةquot;. طبعاً معركته مع شعبه وليس مع إسرائيل. فيا للمفارقة المنحطة!
ومادامت quot;معركةquot; فكل شيء مباح، من أصغر الجرائم حتى أكبرها. وما دامت quot;معركةquot; ويديرها quot;عقيدquot; فليس غريباً أن يلجأ إلى جيش من المرتزقة، وإلى كتائب الإرهاب التي يتزعمها نجله المجرم.
إذن فوضع ليبيا غير وضع تونس ومصر بالمرّة.
وبناء عليه، فالوضع أصعب وأخطر وأكثر حساسية.
ذلك أن بن علي ومبارك، لم يفقدا عقلهما تماماً، أما المجنون، فلا نهاية ولا توقّع لما سوف يبتكره من طرائق جهنمية في الإجهاز على شعبه الثائر.
في تونس ومصر كان ثمة دولة، مؤسسات، أحزاب، طبقة وسطى، بُنية تحتية لمجتمع مدني، أما ليبيا فصحراء قاحلة. رجل هو الأكثر نرجسية في تاريخ العرب الحديث وربما القديم، استولى على مقدّرات شعب، مدة 42 عاماً، فصار يظنّ نفسه إلهاً، فكيف لبشريّ مُتألّه أن يتنازل عن بلد وشعب ومقدّرات؟
ستكون المنازلة هنا أشرس، فثمة من جانب شعبٌ أعزل، ومن الجانب المقابل متألّه مسلّح مصفّح، لا تعوزه القدرة ولا ينقصه المال.
المنازلة إذاً بين بشر طبيعيين وبشري أنتي طبيعي بامتياز.
هذا هو قدر ليبيا في هذه اللحظة.
ومع ذلك، فالنتيجة محسومة وإن كان ثمنها باهظاً أو أبهظ : القذافي في أيامه الأخيرة، والشعب الليبي العظيم على أبواب فجره وانعتاقه من أعتى وأغبى وأتفه ديكتاتورية كاريكاتورية في أفريقيا.
ولتسريع ذلك على الشعبين الجارين التونسي والمصري خاصة، بدعم شقيقهم الليبي بكل ما يستطيعان.
وعلينا نحن شعوب هذه المنطقة كافة أن نقف مع الشعب الليبي، الذي لطالما صبر على مجنونه الأكبر، وقد آن أوان إزاحته، لتعود ليبيا لشعبها، بعد أن احتلها المجنون والمهرّج، وبعد أن نكّل بهم، كما تنكّل بنا إسرائيل.

طائرات.. طائرات يا قذافي؟؟؟
اللعنة!
ماذا أبقيت لبيبي نتنياهو؟