الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي فشل فشلاً ذريعاً في سياساته ازاء ثورتي تونس ومصرمع الاتهام بالانحياز الى الانظمة الاستبدادية ضد شعوبها.
وزيرة جارجية ساركوزي دفعت ثمن الفاتورة وتركت المنصب. لهيب الثورات الشعبية امتد لاحقاً الى ليبيا. ساركوزي ادرك ان الفاتورة القادمة ستكلفه منصب الرئاسة في الانتخابات القادمة في حال ارتكب نفس الخطأ ووقف مع النظام. لذلك سارع فوراً للوقوف الى جانب الثوار.

اراد الرئيس لعب دور فرنسي استثنائي بما فيه التدخل لوضع حد لقوات القذافي. شد الرحال الى انقرة لاشراك طرف اسلامي على الخط للمخططات المستقبلية. ساركوزي عرض على رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان التدخل لحماية الثوار تحت مظلة حلف الناتو، يدفعه الطموح الى ضرب عصفورين بحجرواحد: كون تركيا دولة اسلامية وعضو هام في الحلف.

اردوغان رفض العرض جملة وتفصيلا آملاً في دور قيادي تركي لحل الازمة الليبية توافقياً بين القذافي والثوار بدعم عربي اسلامي.

في ثورتي تونس ومصر انحاز اردوغان الى الثوار ضد الحكام، إذ لم تكن لتركيا اية مصالح مشتركة مع الدولتين، بل كان هناك عداءً خفيا مع مبارك بسبب التدخل التركي في الشأن العربي عموماً ووقوف تركيا الى جانب حركة حماس بشكل خاص.

زعيم المعارضة في تركيا أي رئيس الحزب الجمهوري طلب من اردوغان توضيحاً لمواقفه المتناقضة ولماذا ينحاز الى القذافي وليس الى جانب الثوار كما حدث مع تونس ومصر.

رد اردوغان مخاطباً زعيم المعارضة: يبدو انك قليل التجربة في السياسة الخارجية، ألا تعلم ان الآن يوجد 25 الف عامل تركي والآلاف من الشركات التركية على الارض الليبية؟...لا لن اضع مصيرهم على كف عفريت.

بعد الرفض التركي اتجهت فرنسا الى العرب ونجحت في كسب الدعم والمساندة للوقوف ضد همجية القذافي ضد شعبه الاعزل.

النجاح الكبير لساركوزي وبشكل خاص جهود وزير خارجيته آلان جوبيه كان في استصدارالقرار 1973 من مجلس الامن وفرض الحظر الجوي و....الخ.

تركيا والناتو اصبحتا خارج الساحة تماماً.

بعد لأي تبدلت موازين القوى على ارض المعارك بحيث ان البوصلة صارت تتجه الى صالح الثوار.

اصيب اردوغان بخيبة امل كبيرة. سوف يخرج من المولد بلا حمص. حبات الحمص تلك لا تقل عن حبات الماس واللؤلؤ قيمة حين يعلم المرء ان القضية هو البترول الليبي وعلى مرمى حجر من القارة الاوروبية.

عاد اردوغان نادماً الى ساركوزي والقبول بقيادة الناتو للعمليات. انتقم ساركوزي ورفض العرض التركي المتذبذب والمشوش.

هرع اردوغان مستنجداُ بالرئيس الامريكي باراك اوباما الذي اغتبط لهذه المبادرة وتلقفها سريعاً لسببين:
الاول: سهولة اقناع الشعب الامريكي ان تدخل بلادهم يأتي ضمن الواجبات التي تفرضها عضوية الحلف وليس تدخلاً سافراً كالذي جرى في العراق.
الثاني:الامتيازات التي ستحصل عليها امريكا بسبب كونها القوة الفاعلة الرئيسة في الحلف، أو بتعبير آخر ان الناتو يعني الهيمنة الامريكية مادياً وبشرياً وتسليحاً وتكنولوجياً على الارض.

هكذا وبدعم امريكي انتقل تطبيق القرار1973 الى الناتو، ولكن بقيت تركيا على الحافة البعيدة.

حتى تحصل تركيا على بعض من الحمص انضمت الى روسيا والصين وغيرها وهي الاطراف التي ستحصل على quot;جوائز الترضيةquot; في اليانصيب الذي سوف يجري سحبه بعد quot;ليبيا ما بعد القذافيquot;. هذه الجوائزكان قد تم الاتفاق عليه مسبقاً ثمناً للتصويت في مجلس الامن عند اتخاذ القرار 1973.

تركيا اصبحت مارداً اقتصادياً وهي عضو في الناتو وكذلك عضو غيرمتوج في الاتحاد الاوروبي ولاعب اقليمي كبير ومنتسب للعالم الاسلامي وتبادل السلطة فيها سلمي وعن طريق الاقتراع وديمقراطية اكثر من مقبولة في الجغرافية التي تتتواجد فيها.

كل هذا ادخل الدولة التركية الى افلاك جديدة بحيث باتت جزءً من quot;الامبريالية العالميةquot; بالرغم من ارادتها، أو بمعنىً آخر هي مرغمة من الآن فصاعداً على ان تضع quot;المصلحة الاقتصاديةquot; فوق اية اعتبارات اخرى تماشياً مع الارادة التي تفرضها عليها موقعها كدولة كبرى.

لذلك لا نستطيع كيل الاتهامات الى السيد اردوغان شخصياً حيث ان مثل هذه المواقف سوف تكون مفروضة على اي رئيس وزراء تركي قادم من الآن فصاعداً، وعلى البقية التعامل معها على هذه الاسس لا من منطلقات كلامية عاطفية.

د.بنكي حاجو
طبيب كردي سوري