دولُ ُ تَحكمُ بقوانين الطوارئ ومليشيات طائفية، كيف ستدوم؟ ودول تَحكمُ بشرعية السلطة لا بشرعية الدستور، كيف ستستمر؟
التهمة الأولى الموجهة الى من يكتبون عن العراق ( وأنا منهم ) أنهم يكتبون دعماً لطائفة لا للدولة العراقية، لشرعية السلطة لا لشرعية الدستور، للقومية والعنصرية لا للوطنية والأرض، للعشيرة العربية الكردية لا لتربة الرافدين، للفكر الديني المتطرف لا للفكر العلماني المتحرر.

قادة الفكر السياسي والأعلامي ينحون هذا المنحى ويقعون في هذا المأزق (من شاء منهم أم أبى) بتأييد واضح وعنصرية متناهية. أدارة من تلتبسهم الروح الطائفية والعمل على أزالتها من الأذهان يكاد أن يكون عملاً عملاقاً في منتهى الصعوبة. ويتبرقع بلباس الطائفيه من تمتلكهم روح العداء والأنتقام والخوف من بعض الطوائف المذهبية وتأكيد التأييد والحب لطائفتهم في دولة الطوائف بكل سبل الأسناد. ويُلازم التأييد الطائفي ملاحظات بعض القُراء وتعليقاتهم، وبعضهم يجدونها الفرصة المناسبة للوقوف الى جانب الطائفة، العشيرة، القومية، أو الحزب الذي ينتمون أليه ومعاضدته بتزمت وعنصرية. ومن المؤسف أن هؤلاء يجدون المساحة الكافية للتعبير عن حقد جاهلي أنتقامي، وسواء أكانت داوفعه عشائرية ملتصقة بتقاليد وعادات أم ترجع الى العِرق، القومية، الجنس، أو الدين، فأنهم يلاحقون أسماء من هو (كردي، عربي، أيراني، تركماني، أشوري ) قبل ملاحقة مضمون القطعة المكتوبة للقارئ ووزن قيمتها السياسية، الأجتماعية، لنجد أنفسنا وسط تعليقات لاتمت، في أغلب الأحيان، الى الأهتمام بمعالجة قضايا الساعة ومخاطرها على التراث والعلم والثقافة، الصحة، والتقدم الحضاري...... فتنهال على الكُتاب والباحثين والصحفيين، وأنا منهم، (بحق أو بباطل) سلسلة من الشتائم والنعوت التي لاتقف عند حدود العنصرية والشوفينية و البعثية والخمينية والمجوسية والرافضة الخاضعين لولاية الفقيه، بل تتعداها بأتهامهم بأنهم يسخرون أقلامهم لمصلحة أيران، أمريكا أو الصهيونية. أمور تافهة مقاربة لهذا ألأسلوب، يبدو وكأنه منهج حياتي يومي للبعض.

والحقيقة،لا أحد يستطيع أن ينفي أو يخفي أن البعض منا يحمل القلم والفكر بحزبية وطائفية وقومية للتنكيل بالأخرين، وربما الحث على أهدار الدماء لا حقنها، والسخرية من معتقدات البعض السياسية والمذهبية. فأنا شخصياً حملتُ قلماً عربياً نظيف التوجه وكنتُ من ومع الساعين للأطاحة بحكم النظام العشائري الطائفي والترويج لأسقاطه وهزيمة الطائفية وحلفائها بعد أن سكتَ الكثير وأخرسَّ الكثير، وبعد أن تجاوزالتنكيل بالمعارضة قيادات شيعية وسنية مُجتمعية، لم تعرف العهود الهاشمية التي حكمت العراق بشرف لها مثيلاً، وسبّبتْ هذه السياسة البائسة في سَجنِ قتل وتشريد وأعدام مئات من الأشخاص في بغداد والمحافظات الاخرى. ولم أسعى في مجهود المجاهرة بمعارضة النظام الطائفي الصدامي العشائري، لمجاملة أحد سياسياً أو مذهبياً حتى لو تعلق الأمر بأفراد عائلتي المُضحية التي نفتخر بأنها من السلالة التي حافظتْ على وحدة المسلمين وتراث اللغة العربية والقرآن الكريم في عهد التفريس الصفوي والتتريك العثماني، وذلك وسامُ شرف أحمله بمسؤولية في وقت قلما نظر الأنسان بقناعة تتجاوز دائرة طائفته في حب لتربة العراق وأهلنا فيه.

هزيمة دول الطوائف وأستقامة الفكر الأنساني لابد وأن يرسخ في الأذهان كعقيدة. وبغض النظر عما يجري من فوضى في دول عربية وأسلامية، وأنتفاضات ومطالبات سلمية في دول أُخرى، فأن الكثير منا يرى أن العراق بعد سقوط البعث يسير بلا quot; عقيدة quot; وبتأثير quot; دجالون بلا حدود quot; أستغلوا ونهبوا وأدانوا مختلف الطوائف العراقية المتحابة. وأفتقارالعراق الى quot;عقيدة أرض ووطن موحد quot; جاءت نتيجة لخلافات وصراع أوجدته لنفسها ولنا القوى العراقية المتنافسة نفسها، وجعلته ورقة في مهب الريح (مُسيّراً وليس مُخيّرا) تأخذ به، مليشيات حزبية وطائفية وقومية، الى متاهات سياسية ومذهبية أنفصالية، لعقائد حزبية متطرفة متزمته، بدلاً من أن يتولى الأمر أهله بأقامة نظام عصري ديمقراطي طموح.

المقاضاة والمحاسبة أولاً
قرارات إلغاء باب المنافع الاجتماعية للرئاسات الثلاث، وقرارات أقالة رؤساء مجالس المحافظات، وتخلي أعضاء برلمانيون عن بعض الأمتيازات، والوقوف على التطورات بعد 100 يوم، لن ينهي الفساد المالي الحكومي والرشاوى والعقود المُزيفة وسرقة المال العام، كما لن ينهيها منح رئيس مجلس النواب لأعضاء برلمانه عطلة 10 أيام بحجة التعاطف مع البحرين وأستغلال الوقت لدورات نيابية تخديرية أخرى وخاصة بعد تصريحاته بفقدان 40 بليون دولار. ألأهمال المتعمد لسحق العقيدة والأرادة العراقية داخلياً ودولياً هي التي تحثنا للمطالبة بالتغييرالأعم وألأشمل الذي يتمثل، بحل البرلمان والحكومة الحاليين بالطرق السلمية الديمقراطية، وتهيأة عقيدة وحدة الوطن العراقي بنص دستوري واضح، علم واحد ونشيد وطني واحد، لبعث العراق ونهظته من جديد، ثقافياً مدرسياً وأعلامياً، ثم ديمقراطياً دستورياً بأجراء أنتخابات جديدة. فلقد أتضح لطبقات المجتمع المدني العراقي أن العمل السياسي الفاشل الذي أدارته مواقع وظيفية مُحصنة وفرق حزبية وطائفية وقومية لم يكن أِلا أستغلالاً وتمكيناً لفرص النهب والسرقة وهدر الأموال وتهريبها دون رقيب.
ألأصرار الاخلاقي للتحول السلمي للسلطة والأصغاء لمطاليب اصلاحية وخدمات مُستحقة هو موقف ثابت وصحيح وسيستمر لحين مقاضاة طبقة السراق في محاكم مدنية علنية مستقلة. فأننا قد حمّلنا كشعب موحد مسؤولية الفشل وأستغلال السلطة، بأخلاقية وثقافة مدنية لتقاضي وتحاسب اللصوص وسراق المال العام وفق القانون الوضعي لوقف القتلة المجرمين من تحويل العراق الى ساحة قتال وأرضية فساد وعقود سرقات من الراضخين الى مخابرات دول اقليمية وأمريكية بمحض أرادتهم من عبيد السلطة الذين ينطبق عليهم الحديث الكريم (وبشر القاتل بالقتل والزاني بالفقر ولو بعد حين).

العقيدة الوطنية العراقية ستُظهر بأننا شعب العراق الذي يمقت الطائفية ويسعى لهزيمتها وروادها. ولن نرضى أن يكون تحت ظل الأرادة الاجنبية ولن يستطيع أحد أدخال شعبنا من جديد في حروب أقليمية مع أيران، سوريا، الكويت، أو تركيا، ولن نحارب وفق أنتماء شيعي أو سني، وسنربط مصالحنا فقط بعقيدة وحدة العراق وأعادة مجده الأنساني للوجود.

باحث سياسي وأستاذ جامعي
للمراسلة : [email protected]