تلهث السيدة أمام الصحفيين، وهي تبحث عن العبارات للتعبير عن دقة الأفكار التي أمليت عليها، نطقت بعدة كلمات جانبية خرجت بهم عن نمط صحيفة البعث اليومية، لسان حال قيادة البعث والسلطة السورية، والتي يعرف مضمونها حتى أصغر طفل في الشبيبة السورية، وجملها الروتينية مثل: هذا من عمل الإستعمار وذاك دفع به قوى خارجية تود الشر لسوريا، وتلك الحادثة فيها أيادي الموساد الإسرائيلي، وهؤلاء هم عملاء الخارج، وأولئك يستقون بالخارج... وما إلى ذلك من الكلام الممل، والذي وعينا ونحن نسمعها إلى يومنا هذا.

لا تستطيع هذه السيدة ولا أي فرد آخر التجرأ على إعطاء راي شخصي، لا وراء الستارة ولا أمام الإعلام، وقد شاهدنا كيف تلكأت عند ذكر كلمة quot; الكرد quot; ووصفت الكلمة ب quot; المصطلح quot; عندما حاولت أن تجيب على السؤال الصحفي عن القضية الكردية، وبالتأكيد تلكأها كانت بسبب عدم أخذ رأي الرئيس بسؤال مثل ذاك، وإلا كيف لها أن توصف شعب بكلمة مصطلح! تهنأهم بعيد قومي بحت، وهو أعتراف بقومية شعب نوروز دون إدراكها بذلك، ولا تتجرأ بأن تطلق عليهم كلمة الشعب، وإن كانت فعلاً تؤمن بأن سوريا شعب واحد ينتمون إلى سوريا الوطن ومن نسيج واحد، ألا يحق لنا أن نطالب بثينة ورئيسها أن تسمي سوريا ب quot; الجمهورية السوريةquot;.

من غير المتوقع أن تكون الحركات الكردية قد أتفقت مع السلطة السورية على مثل هذه السوية الدنيا من النقاط، علماً بأنهم يقفون على الطرف الهش من التوازن السياسي في سوريا، وكما نعلم حتى هذه اللحظة لم تخرج أية قوة معارضة على الساحة لتقدم يدها إلى الشعب الكردي أو أبدوا أي أعتراف منطقي بالقضية الكردية في سوريا، بإستثناء شخصيات سياسية معارضة لهم مواقف مشرفة، وهم محل كل تقدير وأحترام من قبل الشعب الكردي وحركاته.

لنكن واقعين، الحركة الكردية السياسية والثقافية وحتى الشباب الكردي الذي يهوج في أعماقه للوقوف في وجه الطغيان، لا يملك المنطق العملي الذي يود الإعتماد عليه للخروج إلى الشارع، من سيضمن عند خروجه أن لا يكون وحيداً مغترباً على الساحة يواجه القوى المعارضة العربية الذين لم يقدموا أي اعتراف بكيانه كشعب أو قومية ثانية في هذا الوطن ولهم ما للأخرين من حقوق وواجبات. إنها مجازفة، تغيير دكتاتور quot; علماً بأنني مع التغيير كاملاً وإزالة هذه السلطة بكل كيانه الفاسدquot; ومجيء آخر لا يعترف بالوجود الكردي أيضاً، ولنا تجارب سابقة في هذا المجال إن لم يكن في سوريا لكن تجارب العراق يتذكرها أغلبنا!.

لم تكن السيدة بثينة تنظر إلى الشعب السوري وتتحدث معهم، بقدر ما كانت تتحدث إلى العالم الخارجي والإعلام لتثبيت فكرة واحدة، وهي أن السلطة في سوريا ثابتة البنيان، وإنها تقدم هذه الفتات من الإصلاحات الشفهية حتى الآن كهدية يقدمها الرئيس بشار شخصياً، ربما بمناسبة عيد ميلاد أبنه، كما هي العادة عند أفتتاح أي مشروع أو جسر في البلد، لماذا لم تكن لهذه السيدة الإعلامية الجرأة بأن تذكر للشعب عن السبب الذي جعل من هذا الرئيس سخياً هكذا فجأة، وإن كانت لديه كل هذه الأموال لماذا كان يكدسها وهو يعلم بأن الشعب كان يعاني الويلات؟

منذ متى أصبحت القيادة القطرية سلطة تنفيذية وتشريعية وتتحكم بإصدار القرارات بدون العودة إلى البرلمان على الأقل، أم إنها كانت كذلك دائماً ولم يكن يقال في السابق هذا القرار من القيادة القطرية، بل بالتصويت الكامل من مجلس الشعب، وهل فعلاً تود السيدة بثينة وقيادتها أن تصدق بأن الشعب يصدق هذا الكلام المعسول لتهدئة الشارع إلى حين، وبعدها ياويلكم أيها الشعب العاق لدكتاتوره؟!

مسيرة الوعود والتصدق على الشعب أصبحت معروفة لدى العالم أجمع، لا أعلم لماذا دخلت السلطة السورية، المعروفة بخبثها في السياسية، بلسان مستشارتها الإعلامية، في نفس المطبات الأولية التي كانت سبباً لوقوع الأصنام الذين سبقوا بشار بثينة، خطوات إصلاحية كلامية، وترقيعات لإجزاء من القوانين والقرارات الفاسدة والعنصرية، وبعد أسابيع يجدون أنفسهم يركضون وراء الإصلاحات الواسعة بدون اللحاق بركب الموجة التي ستؤدي إلى جرف العرش نفسه.

فلتعلم السلطة السورية بأن القرار رقم 49 لا يحتاج إلى تعديل بل إلى إلغاء وبشكل كلي وبدون إبطاء، التعديل قد يكون تعديلاً سلبياً ؟ الأحكام العرفية لا يحتاج إلى تفكير ودراسة لإلغائه، بل أنه مجرد توقيع من فخامة الدكتاتور والذي كلمته لا يمكن أن يرد! كيف وهذه القرارات والقوانين خرجت على الساحة وفتتت بالشعب السوري ولا يستطيع الزعيم الأوحد إلغائه بيوم بل وبساعة، هل ياترى حدث إنقلاب داخلي على سلطة الرب في سوريا؟ أم أنه يريد أن يوهم الشعب بأن سوريا دولة قوانين وهناك سلطات تشريعية وقضائية ولا يمكن تجاوزهم، وكل قرار أو قانون يجب أن يمر على مجلس الشعب لدراسته والتصويت عليه، ربما لا يحصل على الأغلبية ؟ ربما لم نعد نعرف سوريا الأسد وبثينها الطنانة؟!

اطلاق الحريات الإعلامية أو السياسية أو الفصل بين السلطات، وغيرها من أنواع الحريات المرمية من قاموس دكتاتور السيدة المستشارة، لا تحتاج إلى أكثر من إرسال ضابط إلى سجن عدرا والسجون الأخرى وفتح أبوبها وإطلاق سراح القادة السياسيين المعارضين وأصحاب الرأي، والمثقفين. أحكامهم خرجت من دوائر اللأمنية المنتشرة في كل زوايا الوطن، وبدون أي ذنب، أن كان ذلك بالإمكان، فأنه من السهل جداً إطلاقهم أيضاً. في الحقيقة لا يحتاجون إلى أي إعتذار، حيث الإعتذار من سلطة ملغية من سجلات الشعور الإنساني لا فائدة منه.

الشهداء قدسهم الله، وهم مقدسون عند الشعب، ألم يكن يستحقون أن يخرج عليهم سيادة الفرعون، ليترحم عليهم ويرسل إلى أهاليهم تعازيه وبلسان شعوره! علماً بأنني أشك بان له شعور الآن، حيث عرشه يهتز.

كنا ككرد طالبنا بدماء شهدائنا ولا نزال وسنطالب إلى أخر لحظة في الحياة، يعلم الله والفرعون وبثينة وجميع الذين لم يترحموا على شهداء الكرد لا في الثاني عشر من آذار ولا على شهداء نوروز، العيد الذي هنأ فيه الرئيس الشعب الكردي عن طريق ملتوي وبلسان بثيناه، فإن كان حقاً يهنأ، لترحم على شهدائها وأبلغ تعازيه لأهالي خمسون شهيداً آذارياً أستشهدوا برصاص جلاوزته؟!

لاشك بأن السلطة السورية تملك خبرة فظيعة في خلق الفتن والفساد، والبلبة بين الناس، وجر الآخرين إلى مطبات الإصطياد، وقد كانت هذه السياسة إحدى أهم مرتكزاتها في البقاء والإستمرارية والتمكن من نقل السلطة بتلك السهولة إلى الإبن القاصر رئاسياً. لهذا على الشعب الكردي دراسة الواقع من الفوق الإلهي ومن وجهات نظر الحكماء والخبثاء والمنافقين، قبل تصديق كلمات هذه السيدة المتملقة حتى الرعشة لسلطة لا ترى فيها سوى التعامل الإلهي والعبد. تصريحات ضبابية، معظمها في المستقبل القادم، والكثير من الوعود المبتورة والغير الواضحة المعالم، فيها الكثير من خدع السياسة، يراد منها عامل الزمن، إلى أن تهدأ الأمور، وتمر العاصفة، عندها لكل حادثة حديث، فهل، ياترى ويا من سمع، ستبقى بثينة صاحبة وعود الرئيس على وعودها بعد شهر أو شهرين؟ وهل ستوصل السيدة المستشارة في النوروز القادم، تهاني رئيس الجمهورية العربية السورية إلى الشعب الكردي بعيده، عيد نوروز الكردي شعباً وليس مصطلحاً؟!

الدكتور محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]