أبتداءً نقول لم أقرأ وصيةً في التاريخ القديم والحديث كما قرأتها في القرآن الكريم،فقد جاءت الوصايا العشر للأنسانية جمعاء في كتب التوراة والانجيل والقرآن الكريم،وسماها المؤرخون بالوصايا العشر والتي أوردها الخالق العظيم في محكم كتابه الكريم بسورة الانعام من الآية 151-153 فسميت بوصايا الأخلاق، فهل قرأها الحاكمون في الوطن العربي الثائر اليوم وغالبيتهم من رجال الدين.
ففي الاولى والثانية هي التحريم لكل شيء خارج استقامة الحق والقوانين، وأحترام أنسانية الانسان وقرنها بالوالدين ليعطي لها توكيدا بوجوب احترام الانسانيين، والثالثة والرابعة لرعاية النشأ وشبهها بألأولاد الحقيقيين، والرابعة بالاستقامة والعدل وقرنها بالفاحشة ليردع بها الحاكمين، والخامسة بتحريم قتل النفس الانسانية بدون وجه حق ووصفها بالمجرمين، والسادسة والسابعة بالوفاء بالكيل والميزان وعدم الاعتداء على حقوق الأخرين، وحماية الايتام من التشرد والضياع عند المستغلين، والثامنة تحقيق العدل المطلق بين المواطنين،والتاسعة الوفاء بعهد الله بعد ان جعل القسم على الحاكمين توكيدا على المسئولين، والعاشرة وصية شاملة خص بها الناس والحاكمين بضرورة التزام الاستقامة وعدم الميل نحو الاعوجاج وضرورة الالتزام بالقوانين.ويقول الرسول الكريم(ص) على الحاكم ان لاينام ليلته وفي دولته معوز واحد.وخلاصة القول علينا ان لا نسلك مسلكا يخالف وصايا رب العالمين،والوصايا وردت في آيات حدية الزامية التنفيذ على المسلمين.
منها أستق الأنبياء والرسل والخلفاء كل القوانين ليعرضوها على الناس قبولاً لا فارضين. فموسى ينصح فرعون وفرعون يتهمه من السحرة المشعوذين، فيرد عليه القرآن الكريم وأنك يا فرعون من المثبورين.وعيسى ينصح اتباعه بالسلام المبين،حين قال : فمن ضربك على خدِك الأيمن فأعطِه خدك الأيسر ولا تكن من المعتدين، ويأتي خاتم النبوة (ص) ليقول للناس كونوا مثلي كما وصفني الله لعلى خلق عظيم. وعلى الجملة فهي نصائح الله رب العالمين.
ويأتي الخلفاء الراشدين لينصحوا كل المؤمنين بأن تكون طاعتهم مستمدة من عدلهم مع الرعية والمؤمنين.نصائح ما قرأتها في كتب الاولين والآخرين.وقد تضمنت شروط الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين (أنظر مجموعة خطب الخلفاء الراشدين).
واليوم نورد بعض نصائح المنصورالخليفة الثاني للعباسيين لابنه المهدي قبل ان تدركه المنية في مكة حاجاً سنة 158 للهجرة،وما كانت لهذه النصائح من أثر لأنه أدرك بثاقب بصره حكمة الزمن وأقوال رب العالمين، وندم السنين التي خرق بها كل القوانين،تلك الحكم والأقوال التي أهملها المنصور في حياته فأراد ان ينقلها لأبنه المهدي الضعيف سلوكاً وأدارة لعله يأمن عليه من عاديات الزمن والمواطنين،يقول المنصور في وصاياه:
أسمع يا بني: اياك وان تفرط بهذه المدينة - ويقصد بغداد الوطن - وتستبدلها بغيرها،ففيها عزك وبغيرها موتك وذلُكَ، واياك والتبذير بأموالها فأحتفظ بها من عاديات الزمن، فانك ما تزال عزيزا مادام بيت مالك عامرا، فالدولة والمال هما ملك الناس وليس ملكك، فلا تفرط بهما، فهم ذخيرتك ولن ينفعك ابدا غير بلدك واهلك فعليك الألتزام ولا تفرط بهما ابداً. ياليت من يحكمون العراق اليوم يقرأون.
ويقول يا بني: لا يصلح السلطان الا بالتقوى ولا تصلح الرعية الا بالرضى،ولا تعمر البلاد بمثل العدل،ولا تجلس مجلساُ الا ومعك اهل العلم من يحدثك. ويقول نحن من أهل البيت فكن قدوة للأخرين فجدك محمد وعمك العباس كانا قدوة للعالمين، فلا تعتدي ولا تخُن ولا تأكل اموال العامة بالحرام فأنه حوب عند الله كبير. ياليت أصحاب أمبراطوريات المال الجدد في العراق يتعضون.
ويقول في وصيته السياسية وهي الأهم عنده لأنها تمثل حصاد خبرة الرجل في الحكم والسياسة لتكون له قواعد وقوانين التي لا يراد لها ان تخرق. يقول،يا بني: أتق الله فيما عُهدَ اليك من اموال الناس،واياك والدم الحرام، فانه حوب عند الله عظيم، والزم الحلال في امور الناس وابعد عنك الحرام،فأقم حدود الله ولا تعتدي فأن الله لا يحب المعتدين. وأياك والغلو والأثرة،ووسع المعاش على الناس، وسَكن العامة lsquo;،وأبعد المكاره عنهم، وأصلح المرافق لهم، وأياك والتبذير فالنوائب غير مأمونة، وعاديات الزمن غير مضمونة،وتفقد العامة فأنت خادمهم، الم يكن نبيك يتفقدهم في كل ليلة فلا ينام الا وقلبه مطمئن عليهم،حين قال : لا أنام ليلتي وفي أمتي معوز واحد،وكن بهم عيناً غير نائمة، ونفساً غير لاهية، فلا تنَم وان اباكَ لم ينَم منذ ولي الخلافة، ولادخلَ عينُه غمض الا وقلبهُ مستيقظ، نعم أنها وصايا من أبٍ رشيد يريد لولده ان يكون رشيداً.
هذه الحِكَم القرآنية والبشرية نحولها للحاكمين اليوم في عراق المغييرين الذي أحاطوا انفسهم بأسوار الطين ونسوا الله ورسوله الأمين حتى لا يسمعوا أنين المساكين والحتاجين ومن هم في سجونهم السرية والعلنية راقدين،فلا رحمة منهم ولا من الأخرين. فعلى الحاكم ان يعي التغيير، فالناس لا يقبلون ان يساقوا بالقوة وقهر السنين،بل بنسبة ما يلقى عليهم من حقوق الآدميين.
لم يعد التاريخ اليوم تاريخ الحاكمين بل تاريخ الشعوب والمظلومين،ولم تعد محاكم القضاء الدولية اليوم مربوطة بالأقوياء وأمبراطوريات الكبارالمتغطرسين،بل بالقضاء العادل المستقل، ولسوف لن يفلت من القانون من تحدى القانون وقتل الناس وسرق اموالهم وهجرهم واعتدى على ثوابتهم الوطنية ونهب ثرواتهم حتى لو كان مسنودا من المحتلين.،غدا كلهم في أقفاص الاتهام ماثلين، ويوم السبت القادم سيمثل كبيرهم حسني مبارك في محكمة القانون وبعدها تكر السبحة على كل من تجرأ وخان الشعب والقانون،فلم يعد من محصن من مسائلة القانون.فلا حُكم كيفي ولا أعدام كيفي بلا محاكمات للمواطنين.فان سقوط الدول تتم نتيجة الغصب وأنقطاع الصلة بين هيئة الحكم وجمهور الناس أجمعين، وانعدام القانون والقواعد التي تحدد العلاقة بين السلطة والمواطنين، وغياب المؤسسات في دول من هذا القبيل لن يكتب لها العمر الطويل.. وبعض دول العرب المترهلة اليوم مثالا وهي تحكم من قبل الجهلة والظالمين فقد جاءها سونامي التغيير في ليل بهيم فلتنتظر المصير.
لم يعد اليوم من شيء مخفي على الناس،فوسائل الاتصال الحديثة في كل بيت،وهي تسمع وعيون ترى والفيسبوك لم يبقِ من صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها فهل سيبقون حكامنا من المصرين على ارتكاب الخطأ طوال السنين، يتنازلون عن الثوابت الوطنية مقابل المال من الطامعين.ان الجهل بالقانون لا يعفي المخالفين والجهل بالحقيقة لا ينقذ المقصرين،والخيانة والاعتداء على حقوق الناس نتيجتها الدمار الأكيد، فهل ان القوة ستنفعهم ولو نفعت لنفعت فرعون وحسني مبارك وابن علي وكل الخائبين.
نحذركم من معصية الله والحق وحقوق المواطنين،فانتم مقصرون بها،فالطائفية والمحاصصة لكم،والوزارة لكم،والوظيفة لكم،والمال الحرام لكم، والرواتب والامتيازات والتقاعد المجزي لكم، تكتبونها بأيديكم، وتوقعونها بأقلامكم وتمنحونها لمن تريدون ولأصحاب الحق تمانعون،فلا رقيب عليكم ولا حسيب،ان كل فلسا ً اكلتموه في الباطل سيظهر امامكم مكتوبا في سجل السارقين وسيبرص في جلودكم ودمائكم،لأنه حرام محرم عليكم. فأحذروا اليوم انه زمن الشعوب لا زمن الحكام،فقد انتهت دورة التاريخ المنغلقة وحلت محلها دورة التاريخ المنفتحة فأحذروا التغيير.
أفسحوا المجال للمتظاهرين ليُسمعوكم رأيهم والمطالبين،ولا تسُيجوا الساحات والشوارع بسياجات السجن الكبير،ولاتدعو ا شركات الحماية والمليشيات والبشمركة تقتل المواطنين، فاذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر ولا بد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر.كفى أستغلالا لحقوق الناس والوطن، الناس تطالبكم بالحقوق، والوطن يطالبكم بالثوابت، وماذا يبقى للانسان اذا استذلت كرامته وتحطمت كبرياؤه غير السيف،ومذا يبقى للوطن ان تنازل عنه قادته الميامين غير ان يرميهم بالخيانة.. ينبغي عليكم ان تفهموا ان امجاد الحروب والقتل واغتصاب حقوق الناس أنما هي في نهاية الحساب شر وويل ودمار، فهل فهمتم ذلك؟ام ستبقون في غيكم سادرون؟واليوم أنتم امام الشباب الواعي لمن المحاسبين.
اين من كانوا يسمون بعظماء البشروقادة الناس وما قاموا به من اعمال وصفت بأنها عظيمة،ولكن تبين انهم أصحاب الكربات العظام والعجائب الجسام في وقائع الزمان فكان مآلهم الى اقفاص الاتهام.من يرتضي ان يكون بلده وشعبه بهذاالحال المدمر وهو في رياش العز يرفل،لا لن تقبل لا الارض ولا السماء ولا حتى المنعمين أما توخزكم ضمائركم وأنتم تشترون العقار بأموال اليتامى والمساكين،أنها حوب عند الله عظيم.وسيبقى المجتمع ينظر اليكم بعين الكراهية والحسد والحقد الدفين فاذا حانت ساعة الصفر سيجعلكم كعصفٍ مأكول..
أخرجوا الى الساحات وتفحصوا اراء المطالبين ألم تقرؤا حوارات السابقين بين علي وعمر ( رض) امراء المؤمنين وبين العامة في رسالة عمر الى القضاة الحاكمين،وبين علي والمؤيدين في مسجد الكوفة بعد حرب الخوارج الذي قتل فيها الكثير،لقد ندم علي أمير المؤمنين على قتالهم بعد معركة النهروان حين قال: ايها الناس: لا تقاتلوا الخوارج فمن طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأدركه،انظر نهج البلاغة،الجزء الاول ص144.
وحين عاد الامام الى الكوفة نصحه أتباعه ان لا يخرج الى مسجد الكوفة خوفا من ان تقتله الخوارج فقال لأصحابه : من يريد ان يكون حاكما على الناس عليه ان يكون بينهم ليسمع مايريدون،فخرج الى المسجد غير مبالي بأقوال الخائفين المترددين، فكُتبت له الشهادة مع الابرار الصادقين، فقال وهو على فراش الموت الحمدلله الذي رزقني العاقبة وانا له من المؤمنين الصالحين الوافي بحقوق الناس اجمعين،هذا هو علي (ع) أمير المؤمنين،وذاك هو عمر(رض) أول من عين القضاة المستقلين. فهل أنتم ياحكامنا اليوم ارواحكم اغلى من أرواح هؤلاء الأفذاذ المخلصين. لماذا لاتقابلون المواطنين خائفين على أرواحكم من الموت أم أنتم من حضارة الطين؟ أخرجوا للشعب في ساحة التحرير ان كنتم منتخبين ولا تبقوا في المنطقة الخضراء مختبئين مكللين بعار السنين يا من ستبقون في خانة المقصرين، فلاشفاعة لكم غدا امام الشعب ولا أمام رب العالمين. ولتحيا ثورة الشباب العربي الذي ينادي بشعاره الفذ : نريد أسقاط النظام.
والله يهدي الى كل رشاد،
د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات