يبدو أن للعاصمة العراقية بغداد نحس ملموس و مجرب مع مؤتمرات القمة العربية، فتاريخ عقد القمم العربية في بغداد يحمل كل ذكريات الشؤم و الخراب و التوتر، فأول قمة عربية عقدت في بغداد كانت في نهاية عام 1978 لغرض معالجة نتائج زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس التي تمت في نوفمبر 1977 وماتلى ذلك من مفاوضات سياسية مع إسرائيل برعاية أمريكية أدت في النهاية لعقد وتوقيع إتفاق ( كامب ديفيد ) الشهير عام 1979 وعقد مؤتمر القمة العربية في بغداد ( البعثية ) آنذاك لمحاولة ثني السادات عن المضي قدما في مبادرته السلمية عبر تقديم مبلغ دعم مالي كبير ( 5 ) مليارات دولار ولكن السادات رفض العرض ورفض إستقبال الوفد الوزاري العربي برئاسة طارق عزيز وقتذاك و أنتهى المؤتمر على وقع إيقاعات حماسية ودعوة لتشكيل ماكان يسمى بجبهة دول الصمود و التصدي التي ضمت العراق وسوريا ومنظمة التحرير واليمن الجنوبي وليبيا و الجزائر..إلخ..

وطبعا معروفة النتائج التي حدثت بعد ذلك وحيث تهشمت تلك الجبهة التي لم تصمد أمام شيء! و أكل البعثيون في العراق رؤوس بعض في إنقلاب القصر الشهير صيف 1979 و تخاصم نظاما بغداد ودمشق حتى النهاية خصاما دمويا مؤلما ثم دخل العراق في دوامة الحرب الإيرانية الطويلة المرهقة عام 1980، ثم تقدمت إسرائيل لتطرد منظمة التحرير و تحتل بيروت عام 1982!! ولم يكن هنالك لاصمود ولاتصدي ولا بطيخ..!، أما القمة الثانية التي عقدت في بغداد ( صدام حسين ) وقتذاك و كان منتشيا من توقف الحرب العراقية/ الإيرانية وخروجه سالما منها!

فقد عقدت بتاريخ 28 مايو/أيار 1990، هدد خلالها صدام حسين دول الخليج العربي بالويل و الثبور ورفع شعار ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) وهو يقصد الكويت تحديدا ثم الإمارات ولم تمض سوى أسابيع قليلة حتى خرق النظام العراقي قرارات قمته وهجم على دولة الكويت و أحتلها وضمها محاولا مسحها من الخارطة الدولية!! ولم يستطع العرب ولاجامعتهم فعل شيء سوى القول ( ياخرابي )( ياوكستي ) ( يانهار أسود )!! حتى تجمعت عاصفة الصحراء لتغير الكثير من الوقائع والأحداث وتدخل المنطقة ومعها العالم لظروف دولية وإقليمي جديدة ومختلفة، وقد مرت عقود وسنوات طويلة جرت خلالها مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور، ووقع العراق في النهاية تحت جنازير دبابات الإحتلال الأمريكي عام 2003 وتغيرت قواعد اللعبة السلطوية وهبت على العراق والمنطقة رياح طائفية نتنة دفعت بمجموعة من أحزاب الصعاليك الطائفية المتشردة و الخاضعة للوصاية الإيرانية لبسط سيطرتها وهيمنتها على العراق الذي دخل في أتون حرب تدميرية داخلية طائفية إنعكست على أوضاعه العامة وتشكلت حكومات ديمقراطية بالأسم ولكنها طائفية وفاشلة وعقيمة في الفحوى و المضمون الحقيقي وسرعان ما كشفتها الأيام بكونها مجرد دمى طائفية مريضة حريصة على مصالح النظام الإيراني أكثر من مصالح الشعب العراقي الذي تدعي تمثيله.

ثم جاءت لحظات الحقيقة مع حالة الإستقطاب السياسي الحادة القائمة في المنطقة لتميط اللثام و تكشف القناع عن كل الوجوه لتنكشف حقيقة السياسة الطائفية للسلطة العراقية التي تحولت لتكون خصم حقيقي لدول الخليج العربي و لتساند الجهود التخريبية الإيرانية علنا كما هو شأن رئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي الذي أعرب علنا عن رفضه وتجمع الأحزاب الطائفية العاملة والمتآلفة معه عن رفضه الصريح لدخول قوات الجزيرة لحماية الأمن الداخلي في البحرين وعن ترديده لنفس الشعارات و الدعاوي الإيرانية ليبرهن بذلك على أن سياسة العراق قد أضحت مرهونة بطهران ومصالحها ولاعلاقة لها بالأمن القومي العربي.

لذلك فإن عقد القمة العربية القادمة في بغداد لم يعد أمرا ذا معنى حقيقي خصوصا و أن زعيم القمة الحالية هو النظام الليبي يعيش في حالة إحتضار بعد الثورة الشعبية و المسادة الأممية، والعراق في حالة إحتلال إيراني مبطن من الداخل و امريكي معلن من الخارج، وفي ظل الشعارات الطائفية و العدوانية التي يرفعها نظام الحكم العراقي فإن عقد القمة في بغداد يعتبر مهزلة حقيقية و ستتمخض عنه كوارث مؤكدة قادمة..

من المهم أن تنعقد القمة العربية بكل تأكيد ولكن بغداد العربية الحرة المحتلة من الأحزاب الطائفية هي آخر الأماكن المناسبة لعقدها.. تلك هي الحقيقة للأسف.

[email protected]