قرار واحد فقط من المجلس الأعلى للقوات المسلحة كفيل بتلبية المطالب المشروعة للصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية الحكومية، والإعلاميين باتحاد الإذاعة والتليفزيون، وعلى رأس هذه المطالب، إقالة رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير هذه المؤسسات الصحفية، ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون ورؤساء القطاعات المختلفة داخل الاتحاد، ٍهؤلاء جميعا كانوا جزءا من النظام السابق، وظلوا يدافعون عنه حتى الرمق الأخير، واستفادوا من الاستبداد والفساد في عهد الرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot;، ومعظمهم تحول بعد زوال ذلك النظام إلى الدفاع عن ثورة الخامس والعشرين من يناير استخفافا بالعقول، وكأن المصريين بلا ذاكرة.

إذا كان المجلس الأعلى يبرر عدم تدخله لحسم هذه القضية بأنه أوكل هذه المهمة لنائب رئيس الوزراء الدكتورquot; يحيى الجملquot;، فإني أرى انه ليس الرجل المناسب لهذه المهمة، فلا علاقة له بالصحافة، ولا يعرف خباياها وما يدور في كواليسها، وعملا بالمثل القائل quot; أهل مكة ادرى بشعابها quot; فان الصحفيين والإعلاميين يدركون مشاكلهم، وسبق وان عرضوا مذكرة عبروا فيها عن رؤيتهم لتحسين أوضاع المؤسسات الصحفية، كما رشح الإعلاميون عددا من الأسماء المقبولة لتولي مناصب قيادية في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، إذن ما من سبيل أمام المجلس والحكومة إلا الاستجابة لهذه المطالب باعتبار ذلك خطوة لتحرير هذا القطاع الحيوي لما له من قوة وتأثير في تشكيل الرأي العام، ودفعه لتبني موقف ما من قضية معينة.

أهمية دور الإعلام في هذه المرحلة بالذات تدفع باتجاه تغيير هذه القيادات التي اعتادت على تنفيذ الأوامر، وتزييف الحقائق حسب أهواء الحاكم، واليوم يركزون في الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الهجوم على الشرفاء، ونشر أخبار الفوضى والانقسامات، والنفخ في نيران الفتنة الطائفية في محاولة يائسة لتصفية الثورة، والعودة إلى الفساد والاستبداد، ولأن للإعلام دور كبير في ‬نشر الوعي‮ ‬بين أفراد المجتمع للتصدي‮ ‬لكل محاولات إفشال الثورة خاصة أن نسبة الأمية في‮ ‬مصر تتعدى الأربعين في المائة فلابد من نشر الوعي‮ بأهمية تحقيق أهداف الثورة من اجل مستقبل أفضل لمصر.

‬هذا المستقبل الأفضل لن يتحقق في وجود قيادات الإعلام الحكومي في مواقعهم، صحيح أن الثورة أطاحت بالرئيس مبارك، وهناك سبعة عشرا وزيرا في حكومة quot;نظيفquot; يواجهون تهما باستغلال وظائفهم في الحصول على أموال وأراض، وتبديد الأموال في أغراض خاصة، وبعضهم أحيل إلى الجنايات، لكن لا يزال الرئيس المخلوع حرا طليقا، ولم يخضع للتحقيق، ولا تزال قيادات الإعلام الحكومي تقوم بدور مشبوه في الالتفاف حول أهداف الثورة، واختزال مطالبها في إعادة الأمن إلى الشارع، وتوفير المتطلبات الضرورية من غذاء ودواء، لدينا نحو ثماني مؤسسات صحفية وتسع شبكات إذاعية كانت لسان حال نظام مبارك، واليوم تتحدث عن الأموال المسروقة وفساد مبارك وأركان حكمه، وكأنها تتبرأ من دورها السابق وتحاول ركوب الموجة بأنها مع الثورة، وهذه الأساليب لن تنطلي على احد.

على المجلس الأعلى للقوات المسلحة إقالة كل القيادات في وسائل الإعلام التابعة للدولة مادام أنهم لم يقدموا استقالاتهم بعد تنحي الرئيس مبارك فالنظام الذي كانوا يدافعون عنه سقط إلى غير رجعة، واثبت أدائهم أنهم يفتقدون للمهنية، أنهم ينتمون إلى حلف quot; عديمي الموهبةquot; الذي يسود الإعلام المصري، وليس بوسعهم الدفاع عن الحرية بعد أن دافعوا عن العبودية والاستبداد لعدة عقود، أنني أخشى أن يكون الإبقاء على هؤلاء المنافقين من قبل من يديرون البلد حاليا بهدف تنفيذ أجندة معينة متعلقة بطبيعة الفترة الانتقالية فلن يجدوا أفضل من هؤلاء لتنفيذ الأوامر بحذافيرها.

لقد تألمت كثيرا لما تعرض له طلبة وطالبات كلية الإعلام جامعة القاهرة من ضرب بالعصي الكهربائية على يد الشرطة العسكرية لتفريق احتجاجهم السلمي الذي يطالبون فيه برحيل عميد الكلية الدكتور quot;سامي عبد العزيزquot; العضو في لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، والكل يعرف مدى دفاع هذا الرجل عن نظام quot;مباركquot; بل ووصفه بأنه النموذج الأمثل للأنظمة الحاكمة في العالم، لذلك قام طلبة الكلية وأساتذتها بوقفة مطالبين برحيل سامي عبد العزيز لأنه لا يصح أن يكون عميد كلية الإعلام.

إعلامي مصري