ما إن انتهى الرئيس السوري بشار الأسد من خطابه أمام مجلس الوزراء الجديد حتى ارتفعت أصوات زملاء سوريين في غرفة الأخبار quot; الشعب يريد تفسير الخطابquot; سألتهم الم تكن الكلمة واضحة قالوا : إحنا مش عايزين كلام عايزين حرية وإصلاح حقيقي وبصراحة هو مش راح يقدر يحول نظام ينخر فيه الفساد إلى نظام ديمقراطي بين يوم وليلةquot;، أدركت بعدها أن نظام الأسد فقد عقله، فلم يكد يمر دون سقوط ضحايا برصاص الجيش والأمن السوري حتى تعدت الحصيلة الخمسمائة قتيل، ونزح بعض أهالي درعا الصامدة إلى مدينة الرمثا الأردنية، وبعض أهالي حمص إلى الحدود اللبنانية، كما نزح المئات إلى تركيا، وكل يوم جمعة يمثل تحديا للأمن السوري الذي بات يفرد عضلاته ويطلق النار بعشوائية، ويريد أن يجعل من درعا عبرة لبقية المدن السورية، يتباهى ماهر الأسد بقتل شعب اعزل يتوق كغيره إلى الحرية والعيش الكريم.

المؤكد أن المارد خرج من القمقم ولن يستطيع احد إيقافه، فقد كسر الشعب السوري عامل الخوف رغم اعتقال الآلاف، ولن تنطلي مزاعم النظام السوري بأنه يقاتل إرهابيين لهم أجندة خارجية، نفس الاسطوانة المشروخة التي كان يرددها النظام المصري، وقبله النظام التونسي وحاليا نظام القذافي وعلي عبد الله صالح، الغريب أنهم يقرأون من نفس الكتاب، ومع تصاعد الاحتجاجات من درعا في الجنوب إلى جبلة في الشمال يتفنن الأسد ومن حوله في القتل وقطع الكهرباء والمياه والاتصالات عن سكان درعا حتى يموت أهلها عطشا ويركعون، ولكن هيهات هيهات، أن ذلك لن يزيدهم سوى إصرارا على رحيل النظام، وهاهي البشائر تؤكد بداية النهاية، فنسمع عن استقالات جماعية من حزب البعث الحاكم، وخلافات واستياء في الجيش من قمع للمتظاهرين، ورفض قادة كبار في الجيش للأوامر بفتح النار على المحتجين، ودان اتحاد الكتاب حملة القمع التي تمارسه قوات الأمن السورية.

معنى هذا إن فرض الوصول إلي تسوية تنهي وتكبح جماح العنف المتصاعد، باتت ضعيفة حتى وإن أعلن رئيس الحكومة عن وجود نية في الإصلاح، ولم يعد أمام السوريين بعد الدماء التي سالت سوي مواصلة التظاهرات، التي تبلغ ذروتها كل جمعة، حتى مع تصميم النظام السوري على سحق الانتفاضة الشعبية مهما تكن النتائج اعتمادا علي قيادات في الجيش ينتمي معظمها إلي أسرة الرئيس بشار الأسد.

وبين مطالب عادلة للسوريين، وحملة قمع شرسة، تثار المخاوف من أن يكرر بشار الأسد في درعا ما فعله والده الراحل حافظ الأسد في حماة عام اثنين وثمانين، حين قصفت المدرعات السورية أحياء المدينة علي سكانها في عملية استهدفت تفويض انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين ووصل عدد القتلى إلي نحو عشرين ألف دفنوا جميعا تحت الأنقاض، وهذه المخاوف ربما لا تكون في محلها، فالعالم الآن يعيش عصر الفضاء وتتدفق الصور في التو واللحظة، إلا إذا كان النظام يريد الانتحار على أعتاب درعا، لان العالم لن يقف مكتوف الأيدي حتى لو حدث هذا كرد فعل من نظام بوليسي مرتبط بتحالفات إقليمية تريد الحفاظ على بقائه.

السوريون إذن مصممون على رحيل النظام، ولن ينتظروا أن يساعدهم احد في إسقاط الأسد ونظامه خاصة وان أقصى ما فعلته الولايات المتحدة حتى الآن هي فرض عقوبات على بعض أفراد أسرة الأسد والمقربين منه، تمنعهم من السفر، وتجمد أموالهم في البنوك الغربية، وأقصى ما فعله مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف هو تبني قرار بإرسال بعثة للتحقيق في أعمال القمع والقتل التي تقوم بها قوات الأمن السورية بحق المدنيين، وينتظر الشعب السوري من الجامعة العربية إدانة اعتداءات النظام علي المحتجين كما فعلت في ليبيا منعا لازدواج المعايير، واعتقد انه بعد أن وصلت احتمالات التسوية إلى طريق مسدود، ستتجه الأزمة السورية إلي المزيد من التصعيد، ولن يكتفي المتظاهرون بإسقاط النظام بل سيطالبون بمحاكمة أقطابه علي جرائم القتل التي تم ارتكابها في حق الشهداء، حينئذ سيفهم النظام الحاكم أن ما كان يردده من أن سوريا تختلف عن مصر وتونس مجرد هراء ردده نظام مبارك حين قال إن تونس ليست مصر لنكتشف جميعا أن كل الدول العربية تحكم شعوبها بنفس الطريقة وتقرأ من نفس الكتاب.

إعلامي مصري