مرة أخرى هناك دلائل و مؤشرات توحي بأن الولايات المتحدة الامريکية في صدد إرتکاب خطأ فادح جديد في تعاملها مع الملف الايراني، إذ سبق لواشنطن وفي سبيل(إحتواء)و(تأهيل)، النظام الديني المتخلف في إيران، إقدامها على وضع منظمة مجاهدي خلق الايرانية التي هي أکبر و أهم فصيل إيراني معارض للنظام القائم، ضمن قائمة المنظمات الارهابية، وهي خطوة أثبتت الايام عقمها و عدم جدواها و انها کانت بمثابة خدمة أمريکية کبيرة و فعالة على طريق المزيد من ترسيخ دعائم النظام القائم و إطالة أمد بقائه الى حين.

ويبدو هوارد دين، رئيس مجلس النواب الامريکي السابق، قد کان بارعا في الوصف عندما قال في مؤتمر باريس الاخير الخاص بالابعاد القانونية لمشکلة أشرف:( الامريکيون يعملون بلا تفکير، و الاوربيون يفکرون من دون الاقدام على عمل.)، حيث أن الامريکيين يتميزون دوما بالاندفاع الجامح النابع أساسا من روح المغامرة و المجازفة المتأصلة في أعماقهم، وان مراجعة ملية لما قاموا به في فيتنام و افغانستان و العراق، تؤکد بأن تدخلاتهم في تلك الدول لم تکن ترتکز على عملية دراسة و بحث و إستقصاء دقيقة بقدر ماکانت عبارة عن مجموعة خطوات إنفعالية متسرعة، بل وان تعاملهم مع الملف الايراني کان أيضا يسير بهذا السياق، فهم حينما راهنوا على نظام الشاه و جعلوه بمثابة سيف ديموقليس المسلط على دول محددة في المنطقة، عادوا ليخذلوه شر خذلة آملين أن يتمکنوا من ترويض النظام الديني الجديد و يجعلوه بديلا للشاه، وقد إستعجل الامريکيون کثيرا و لم يمنحوا أنفسهم فترة مناسبة للتفکير و تقييم النظام الجديد ولذلك طفقوا يضعون خططا و مشاريعا متسرعة و غير ناضجة بهذا السياق، لکن، وفي الاتجاه المعاکس، کان رجال الدين يفکرون بعمق و روية في کيفيةquot;الاصطيادquot;بالمياه الامريكية و الاوربية العکرة و کيفية استغفال الجميع من أجل الوصول الى أهدافهم، بل وان الاعلام الامريکي الذي سعى بعض الاحيان لوصف السياسة الايرانية في ظل سلطة رجال الدين بالغباء، لم يعلم ان السياسة الامريکية حيال العديد من الملفات و القضايا(ومن ضمنها الملف الايراني)، هي الاجدر بوصفها بالغباء لکن مع شئ من البلادة.

اليوم، وبعد أن شمر السفير لورنس باتلر عن ساعده لکي يجد حلا و طريقة مناسبة لحسم مشکلة أشرف، وبعد أن سرت حالة من الارتياح و الطمأنينة بين الاوساط الحقوقية و السياسية المختلفة بصدد تلك المشکلة، عاد باتلر ليفاجأ الجميع بالسذاجة و السطحية الامريکية في اسلوب التصدي للمشاکل، عندما قام بتسريبات مغرضة و مشبوهة صبت غاياتها و أهدافها النهائية في مصلحة النظام الايراني، وقد تصور باتلر نفسه فطنا عندما أدخل معه الى قاعة المحادثات مع قيادة معسکر أشرف يوم 14/7/2011 صحافيا(بزعم أنه أحد أعضاء السفارة الامريکية في بغداد)، ثم يقوم أمامه بتأدية فاصل مسرحي يظهر خلاله و کأنه متهالك و متهافت على قيم الديمقراطية و الانسانية في الوقت الذي کان دائما على النقيض من ذلك تماما، إذ انه کان دوما يتهدد و يتوعد مفاوضيه من سکان أشرف بالويل و الثبور مالم يذعنوا لإملائاته و شروطه و الانتقال الى مکان آخر داخل العراق، وعندما يقرأ المرء مقالة الصحفي الامريکي (تيم أرانغو) في صحيفة(النيويورك تايمز)، يجد نفسه تماما أمام نفس الشکل و المضمون اللذين حددتهما الولايات المتحدة الامريکية لمنظمة مجاهدي خلق اواخر العقد التاسع من الالفية السابقة، إذ يتم من جديد النفخ في قرب مثقوبة من قبيل إتهام المنظمة بقتل عسکريين أمريکيين في طهران و کذلك إتهامهم بضرب الشيعة و الکورد وانهم کانوا مرتزقة لنظام صدام حسين، وهي تهم سبق وان فندت و دحضت لکن يبدو أن السفير باتلر الذي لم يکتف فقط برمي المنظمة بتلك التهم وانما زاد عليها أيضا فرية أخرى بزعم ان المنظمة تقوم بشراء ذمة ساسة و برلمانيين أمريکيين و اوربيين في سبيل إلقاء خطابات لصالحها، و الغريب أن کل هذه التهم و الاراجيف تخرج من تحت أبط باتلر نفسه، متناسيا کونه سفيرا معنيا بمعالجة مشکلة أشرف و ضرورة أن يکون حياديا في کل مايصدر عنه بخصوص هذه المشکلة، والحق أن السفير باتلر يقدم مرة أخرى خدمة کبيرة لرجال الدين المتطرفين في طهران عندما يردد نفس الاتهامات الکاذبة و المزيفة التي يطبل و يزمر لها النظام الايراني ذاته وهو أمر يبعث على التوجس ريبة من النوايا الامريکية تجاه معالجة مشکلة أشرف ولاسيما وان کان ماجاء في المقال المذکور في النيويورك تايمز بوحي او علم من الخارجية الامريکية، ويقينا ان الامريکان لو مضوا قدما بهذا السبيل و أصروا على هکذا معالجة مشوهة و سقيمة لمشکلة أشرف، فإنهم سيجدون أنفسهم غدا أمام تنازل جديد آخر يجب أن يقدمونه للنظام الايراني الذي يبدو أنه قد صار بارعا جدا في إستدراج الامريکيين و إستغفالهم، وقطعا أن عامل الوقت الذي طالما تحدث و يتحدث عنه الامريکيون عند التطرق للحديث عن الملف النووي الايراني، سوف يساهم الامريکيون بأنفسهم في توفير و تهيأة أفضل الاسباب و المبررات لرجال الدين بهذا الصدد.