منذ زمن طويل تربطني صداقة بإمرأة مسيحية حاصلة على شهادة الدكتوراه في أحد حقول المعرفة ولديها عدة مؤلفات، عادة مانتحاور من خلال الرسائل الالكترونية في شؤون الحياة والدين هي خرجت من إطار المسيحية لكنها ظلت مؤمنة بوجود خالق لهذا الكون، وأنا خرجت من إطار الإسلام وبقيت مؤمنا بوجود الله فقط، وأصبحنا كائنات حائرة تسبح في بحر الأسئلة بحثا عن الحقيقة واليقين المستحيل.. نسعى للتعرف على إلهنا الخاص بنا، ماهي صفاته... متخطين صورة الإله المعروفة التي صورتها الأديان على شكل صفات بشرية كثيرا ما تصطدم بالعقل والمنطق ومبدأ العدالة.

في احد المرات سألتني :

((لماذا كل هذا العذاب وكل هذه المراحل التي سنتعرض لسلبياتها وعلى اي أساس سيكون الحساب يوم الدين في آخر الزمان وما هو مقياسه إن كنا نولد ونموت بإرادة من الله وتتحدد مقادير سعادتنا وتعاستنا وملامح شخصيتنا بإذن منه.

صورة الله كما أخبرنا في الكتب المقدسة وهو أن الله عادل. ألم يخلق العالم على صورته ومثاله ؟ إذن لا عدالة في السماء كما هي معدومة على الأرض. ويخلق أنماطاً ذات عذابات شتى مثلما يخلق كائنات مرتاحة ممسكة بزمام أمورها.

أنا حائرة في هذا لموضوع ؟ وهل في تكوين الله شرّ؟ أم هناك وجود لشرير

تفوق قدرته قدرة الله ؟)

وكان جوابي لها :
نعم نحن تتلاعب بنا أقدار مجهولة منذ لحظة الولادة التي لم نخترها ولغاية الممات.

أعتقد ان صورة الله التي نعرفها عنه ليست هي الصورة الحقيقية، فهذه الصورة

خلقتها الأديان على مر التاريخ نتيجة خيالات وتأملات البشر حول خالق الكون

وبمرور الوقت تبلورت هذه الصفات والأفعال عن الله على يد بعض الأشخاص الذين سيطلق فيما بعد عليهم لقب أنبياء وقديسون.

فلو أمنا ان الأديان جميعها من صنع البشر، معنى هذا ان كل ماقيل عن الله

والشر والخير هو من صنعنا نحن، على سبيل المثال : يفترض اذا كان الله

عادلا ان يتدخل لإنقاذ الفقراء من المجاعة وانقاذ المرأة الضعيفة من الظلم

وهكذا، ولكن عدالة الله التي تحدثت عنها الأديان لم تتدخل لمساعدة الناس،

وبما ان الله هو حقيقة موجودة وخالق للكون.. فهذا يعني ان مفهوم العدالة

والشر والخير يختلف لدى الله الحقيقي المغاير لله الموجود لدى الأديان.

من خلال تجربتي الشخصية أعتقد من المهم جدا التحرر من عبء الدين وليس الله، فالدين يثقلنا بمشاعر الذنب والأثم وتدمير ومعنوياتنا بمفاهيم وأحكام صنعها البشر لضبط سلوكهم وردع أنفسهم وقالوا عنها انها نزلت من السماء أطلقوا عليها مسميات كتب مقدسة، بينما هي في حقيقتها كانت مجرد تأملات بشرية لأشخاص لقبوا فيما بعد بالأنبياء وصارت أسمائهم مقدسة.

فالتحرر من قيود الدين هو تحرير للعقل والروح من سجون قامعة للإنفتاح والفرح والسعادة، وبدء علاقة جديدة مع الله بوصفه قوة عليا لانعرفه وليس لديه مشاعر بشرية كالحب والكراهية والأنتقام بنار جهنم.

هل الله هو مجرد نظام برمج الكون فقط دون ان يتدخل في الخير والشر ؟

بمعنى هو لايسمع ولايرى ولايشعر ولايتألم... فهذه صفات بشرية ألصقناها به، أنا

أميل الى هذا الرأي ومؤمن به.

في آخر رسالة من صديقتي كتبت :

(( بالنسبة لله فلن أرهق نفسي بالتفكير لأني ذاهبة إليه عاجلاً أم آجلاً.)


[email protected]