جائزة نوبل باتت مرضا عصابيا يكشف عن جرح نرجسي عميق في الوعي العربي. بينما هي ليست سوى جائزة.. ربما تزيد من مبيعات كتب الذي يفوز بها، لكن بالتأكيد لا تغير شيئا من قيمة هذا الكاتب، أي لا تجعله عظيما إن هو نالها وفقا للعبة جيو سياسية، ولا تحجب قيمة الذي لا ينالها، على العكس في معظم الحالات إن هذا الذي نالها هو الذي طواه النسيان: من هو أكثر حضورا في الوعي الإنساني المعاصر الكاتب الروسي ايفان بونين الذي أخذ جائزة نوبل لعام 1933 أم رينيه شار الذي ليس لم يأخذها فحسب، بل لم يكن مرشحا أبدا لها؟ كما أنه ليس هناك جائزة عادلة، أي غير منحازة. كل جائزة، أي جائزة، تتم بشكل تمييزي وبغرضية تحيّزية لا علاقة لها بما تدعيه من موضوعية. عدالةُ جائزةٍ موتُها، وحتى تستمر يجب أن يكون لها كواليس وأغراض وحسابات إرضاء سياسية قبل كل شيء. ومع هذا فإن جائزة نوبل لهذا العام يتوقعها العرب أنها من نصيبهم.

وهذا يعني أن جائزة نوبل لهذا العام عليها الانحياز لدول الربيع العربي: أي أن تخضع للجيوسياسي الراهن الذي يفرضه التحالف العالمي ضد الحكومات الديكتاتورية. وإن تمنح جائزة هذا العام بالخطأ لشاعر غير عربي مغمور بعيد عن الأحداث كلياً، (لكنه أفضل مئة مرة من هذا العربي المسجل أسمه في سجل المرشحين منذ عشرين عاما)، فإن العرب سيتهم جائزة نوبل بالتهرب وبعدم أخذ موقف مما يجري في عالم الأدب اليوم، وبالتالي فهي منحازة بالمعنى العربي للكلمة، لأنها تتحاشى العرب مرة أخرى بالأخص في ظرف يجب مراعاة شعورهم، فهم ضحايا مساكين!

لم يفكر كاتب واحد من هؤلاء أن عدم الحصول على جائزة نوبل هي فرصة ثمينة لمراجعة تاريخنا، ثقافتنا، مراجعة نقدية لا تخشى العواقب، خالقين الرواية المطلوبة، الديوان المطلوب؛ الصمت المطلوب. لكن كيف، ونحن نخفي غيرتنا من جرأة الآخر على النقد وانتهاك المحرم، باتهام، مثلا،أي كاتب يرى الإسلام سبباً في تراجيديا تاريخه، بالعنصرية والمعاداة للدين. كيف يمكننا نيل جائزة تقديرية حقاً، وكل ما نكتبه لا يحرك ساكناً في مستنقع الثقافة العربية الراكد رغم كل أحجار الربيع؟

لديناآلاف من كتاب الطوائف المنتشرين وباء، ومع هذا لم يحظ الربيع العربي، سواء كان سلبيا أو ايجابيا، بعمل إبداعي يترك أثرا؟ وهذا يعني أن الدماغ العربي لا قدرة له على الاستدلال ولا على الرؤية الثاقبة، لكي يدرك عمق ما يحدث أمامه من تغيرات.

جائزة نوبل لا تختلف عن طبيعة وجوهر الجوائز الأدبية الأخرى: أن يكون لهذا الذي ينالها عمل إبداعي على نحو يمتلك كل طاقة التبرير الجماهيري. تُرى هل لدينا عمل حتى ولو بهذه الصيغة المهينة لفرادة العمل المنفردالخلاق؟
لنكن صريحين: كلا. نعم، لديناأدباء حقيقيون، لا وسخ في تاريخهم؛ أدباءأعمالهم عميقة وأصيلة بحيث تتجنّب كل طرق الجوائز وقطّاعها؛وهكذا تبقى أعمالهم في حنايا العزلة أشبه برسالة في قنينة مرمية في البحر بانتظار من يجدها. لم تضف جائزة نوبل شيئا على أهمية فوكنر، باث، طاغور، وولف، همنغواي، بيكيت، وإنما هم الذين اضافوا قيمة إلى جائزة الأكاديمية السويدية التي لا تعرف ماذا تفعل بفائض المال. لولا هؤلاء الكبار، لما كان لجائزة نوبل هذه السمعة! على الكاتب أن يزيد من سمعة الجائزة التي يأخذها، لا أن يزيد بفضلها من سمعته... السيئة في أغلب الأحيان! بل عليهأن يفكك مذهب انتمائه الطائفي؛ أي أن يبصق على هُويته، قبل أن يتعلّم الف باء الكتابة. لا أن يخفي تمذهبه وراء لثام النقد العلماني لمقومات الآخر. كم أشعر بأني حر وإنسان سعيد، بعد أنمزقت هُويتي الطائفية والقيتها في أقرب مزبلة.

إن خطورة جائزة نوبل لا تكمن في انحيازها أو عدم انحيازها، وإنما في تحولها إلى هاجس يومي في حياة الكتاب العرب بحيث جلب انتباه المسؤولين عن هذه الجائزة أصبح هو صلب الموضوع في اعمالهم. والآن، بعد أن صرحت الأكاديمية السويدية بإن جائزة نوبل للآداب لعام 2012 ستعلن يوم الخميس الساعة 11 بتوقيت غرينتش، فإن الأسماء التي يُعتقد أنها مرشحة لنيلها هم: الروائي الياباني هاروكي موراكامي والروائي الأمريكي توماس بينشون، وبوب ديلان والكاتب الصيني مو يان. وطبعا ثمة عدد كبير من أولئك الذين ينتظرون في جارور الاكاديمية دورهم منذ ما يقارب عشرين.

وبما أنالأكاديمية السويديةتخضع أحيانا لتأثير عصبة من الكتاب أو لظروف جيوسياسية محضة، فتضطر، أحيانا،إلى منح جائزتهالكاتب له quot;كاريزماquot; رمزي يعبر عنجوانيّة الأمر الواقع،فإني أقترح أن تُمنح للكاتبةالجزائرية أسيا جبار كتحية لنضال المرأة العربية ضد الإرهاب الإسلامي، خصوصا إن هذا الإرهابفي صلب الواقع الجيوسياسي الراهن... وأعني بهذا: أن لا تُمنح اعتباطا (أو خطأ فيالحسابات العاطفية)لأدونيس من باب التحية الى بطولة الشعب السوري الصامد بوجه أشرس بلطجي مستبد: بشار الأسد. فانه كاتبمتواطئ طائفيا معهذا المستبدحد السكوت على انتهاكاته لأبسط حقوق الإنسان؛ بل أنه النموذج العربي بامتياز المتعارض مع كل ما يحمله الأدب الإنساني من نزعة إنسانية واحترام للآخر؛ نموذج الانتماء الطائفي، والدجل والرياء الطائفيين بامتياز. ليجتر العطف بأنه مريض بالسرطان (كما فعل في العام الماضي)، فقد يحصل على الجائزة ويريحنا، بعدما فشلت كتبهفي اقناع مسؤولي الأكاديمية...

وإذا مُنحت فعلا له، فعندها ستكون الأكاديمية السويدية قد اجترحت لأول مرة في تاريخ الجوائز الأدبية جائزة تقدير العار...