نتجادل حول حقوق الاقليات، وفي الجانب الاخر من العالم هناك رئيس توصله الاقليات للحكم.

في امريكا الاقليات تولد مجددا لتصنع التغيير في وطنها، وفي البقعة الجغرافية التي نسكنها تهرب الاقليات بكل اشكالها، كي تجد وطننا اخر.

قلما نظرنا الى داخل الولايات المتحدة، تركيزنا في الغالب، يكون على سياستها الخارجية، باعتبارها دولة عظمى تمارس ما نراه ظلما وجورا. واحيانا نستفتي التاريخ الامريكي وقصة العلاقة بالهنود الحمر وعمليات الابادة التي تعرضوا لها قبل قرنين، كي ندينها. متناسين ان الوحشية ماض مر به الجميع. الحضارات غيرت ديموغرافيا وثقافيا ودينيا بالإغارة والفتوحات وسلطة السلاح. ليس هنالك فاتح رحيم كما يزعم البعض.

بينما ان الامريكيين الان، يقدمون نموذجا في الديمقراطية يفوق حتى التجارب المتطورة الاخرى.. الاقليات تنجح والاكثرية تخفق. وهذا جدير بان نتعلم منه، ان صدقنا بإرادة بناء ديمقراطية داخل اوطاننا.

توجد عدة انماط للأقليات في الولايات المتحدة؛ النمط الديني المتمثل في المهاجرين من اتباع الديانات الاسيوية والافريقية، والاقليات القومية من ذوي اصول لاتينية واصحاب بشرة سوداء وآسيويين وعرب... الى جانب هذين الشكلين من التكوينات يوجد ايضا اقليات فكرية وسلوكية واقتصادية واجتماعية. لا يوجد مجتمع اصيل واخر طارئ. ما دام هنالك جمع من البشر يؤمن بفكرة او يتحرك بسلوك او يعيش حالة ما، فهو اقلية.

بينما ما زال فهمنا للأقلية يجري على انها مسيحية ومسلمة وايزيدية وصابئية، كردية وعربية وتركمانية، شيعية وسنية وعلوية ودرزية... اما الاقليات الاخرى فهي محرومة من حقوقها. مثلا، الديانة البهائية في مصر والعراق وايران ينظر لاتباعها كفرة غير قادرين على التصريح بعقائدهم والمشاركة عبر خصوصيتهم وهويتهم الفرعية في بناء الدولة.

اكثر الاقليات في مجتمعنا، لا ينظر لها كجماعات بشرية تحرم من حقوقها. رغم هذا يرفع وراثو النظام السياسي القديم شعار الديمقراطية، بضاعة مزجاة في سوق الشعارات السياسية. احزاب كانت تكفر القائل بالديمقراطية ترفعها في لوحات عريضة، واخرى تناضل من اجلها، بينما بقيت الى وقت قريب تجدها سلعة امبريالية.

كيف لديمقراطية ان تتحقق بلا رؤية عادلة للأقليات؟

مبدأ تحديد الاقليات لا يتأتى عبر دستور ينص عليها مسبقا، بل عبر نظام سياسي يؤمن بدء بالفرد مكونا اوليا للمجتمع، وبحقه الطبيعي بان يتبع العقائد والسلوك المناسب له، بشرط ان لا يكون سببا في سلب الاخرين حقوقهم. من هذه النقطة بالتحديد يولد مفهوم سليم للتكوينات الاجتماعية.

انتظرت الولايات المتحدة كثيرا، ومرت بنضالات السود وصراعهم من اجل اثبات الحقوق، كي تصل في النهاية الى ان كل تكوين وتلوين سياسي متحرر او محافظ، ابيض او اسود، مسيحي ومسلم ويهودي وبوذي، مهاجر قديم او حديث، مؤمن او ملحد، سوي او مثلي، ملتزمة او عاهرة... يملك حق صناعة المصير وقادر على صناعته. ما عاد هناك لوبي يستطيع ان يقرر اسم الرئيس، ولا مجتمع متدين محافظ قادر على ان يفرض لغته ويكرسها. يوجد شعب متنوع، خياراته قد لا تشبه ما يريد الاكثرية.

نجحت الديمقراطية الامريكية اخيرا، في ان يكون اوباما ابن الكيني المولود في افريقيا رئيسا، ومن قرر ان يصبح رئيسا للمرة الثانية هي كل الاقليات العريضة، التي ينظر لها في العالم الاسلامي كطارئ لا يحق له حتى ان يعيش.

متغيرات العالم من حولنا حَرية بان تجعلنا ننظر لأنفسنا بمعزل عن نرجسية تتمسك بكوننا quot;خير امةquot;.. ولا الى ما يسمى بالديمقراطيات الناشئة في منطقتنا وكأنها شيء عظيم، لا، هي مجرد صناديق اقتراع جوفاء تحتاج عقود او قرون، ومواجهة صريحة للدفاع عن كل حقوق الافراد والجماعات.

هذه الاوطان تولد اليوم مجددا بمفهوم الاكثرية الحاكمة، بينما في الحقيقة ان الاكثرية، كانت في الحكم ام خارجه، بقيت صاحبة الخيار الفصل الذي يحرم الاقليات حتى من التعبير عن رأيها.