عدة مرات دعا ائتلاف دولة القانون الى تشكيل حكومة اكثرية.
دعوة تعتمد على المادة السادسة والسبعين من الدستور العراقي، مفادها ان الحكومة يجب ان تحظى بموافقة الاغلبية النيابية المطلقة.
غير ان الحكومات الثلاث منذ انتخابات مطلع عام 2005، تشكلت بآلية التوافق وليس الاغلبية الدستورية. لا احد يمتلك الجرأة على اتخاذ خطوة معاكسة، وفي الغالب لا يوجد من يمتلك الاكثرية كي يمضي لوحده في تشكيل اي حكومة.
اما تصريحات دولة القانون فهي تبدو مناكفة سياسية اكثر من كونها محاولة جادة. وهذا ما قاله احد نواب ائتلاف المالكي في جلسة خاصة، اكد بان quot;الحديث عن حكومة الاكثرية هدف الى تهديد الاخرين والضغط عليهم لمواجهة مشروع سحب الثقة السابق. ندرك ان هذا الخيار غير قابل للتحقق، واذا حصل فانه لن يكون بصالح رئيس الوزراءquot;.
ويضيف النائب quot;كسب اكثرية لسحب الثقة لم يكن مستبعدا، غير ان تحفظ رئيس الجمهورية تجاه اقالة المالكي طمأننا، اضافة الى ان الولايات المتحدة ليست متفاعلة مع تغيير حكومي جوهري في الوقت الحاضر، لانشغالها بملفات اخرى ولا تريد ان تعلق بالملف العراقيquot;.
من الطبيعي ان يمتلك ممثلو الاكثرية المذهبية والقومية الرغبة باللجوء لخيار حكومة الاكثرية، وفي المقابل تبدو صيغة التوافق والشراكة في الحكم الخيار الطبيعي عند الجهات الممثلة للأقليات كبيرة كانت ام صغيرة.
غير الطبيعي في العراق، ان الدستور يتحدث بصيغة والواقع يعمل بأخرى. التناقض الحاصل يلح بعلامات استفهام حول كفاءة الدستور على مواكبة الحاجة الراهنة. في بدايات تشكيل الحكومة كان المالكي بحاجة الى التوافق، واقر الشراكة، لم يتحدث حينها عن حكومة الاكثرية، بل اتفق مع البرزاني وعلاوي على بنود بعضها لم يكن دستوريا.
تلك الاتفاقات وغيرها تتكشف عن مأزق دائم. تمسك بالشراكة والتوافق يقابله دعوات مستمرة لحكومة اكثرية، يجعل الحياة السياسية وشكل النظام غير مستقر. والحل ليس بتغيير النص الدستوري ليكون ملزما بالتوافق، لأن ذلك يعني القضاء على اي امل مستقبلي في الخروج من الطائفية. وفي المقابل، اللجوء لحكومة اكثرية في هذا المناخ سيؤدي بالضرورة الى انفراد مكون quot;اجتماعي سياسيquot; على حساب اخر.
المناخ الحالي ليس ملائما، القوى الثلاثة الرئيسة في مركز القرار تمثل مكونات اجتماعية، مذهبية وقومية. لم تفلح هذه القوى على تقديم نفسها عابرة للطوائف، بدء بالتحالف الوطني المكون من لون شيعي خالص، مرورا بالتحالف الكردستاني، وانتهاء بائتلاف العراقية المكونة من غالبية سنية ساحقة.
الفدرالية واقامة الاقاليم هي الصيغة الدستورية الموازية لحكومة الاكثرية. الاقليات الكبيرة المتمركزة في جغرافيا متقاربة تلجأ لصناعة اقاليمها ويبقى الحكم الاتحادي بيد الاكثرية. رفضت رئاسة الحكومة هذا الخيار رغم دستوريته.
ماذا تبقى اذن؟
تفكك كل الاحزاب والحركات السياسية القائمة على الطائفة والقومية عربية كانت او كردية يساعد كثيرا في انهاء المشكلة، الا انه يبدو بعيد التحقق. لم يبق سوى الاعتماد على فعالية تصنع انقسامات سياسية داخل ممثلي الطوائف والقوميات، بحيث نشهد اصطفافا ممثلا بشكل حقيقي لكل المكونات المجتمعية الرئيسية، قادرا على تشكيل الحكومة وفق منهج الاكثرية، واخر من المكونات ذاتها يبقى في المعارضة.
مؤخرا ظهرت معارضة كردية، واصبحت الانقسامات في الوسط السياسي الشيعي والسني اوضح رغم بطئ حصولها. اذا وصلنا الى حالة ان يتوزع المنقسمون على تكتلات وتحالفات ليست بلون واحد وتمثل الجميع، فانها ستكون اللحظة الافضل لتشكيل حكومة اكثرية.
يحتاج مثل هذا الخيار الى مزيد من الوقت، لأنه يستند لمستوى من الثقة لا يجعل الاطراف تصطف خلف طوائفها وتبتعد عن اجندة الدول الاقليمية الحامية.