بعد الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الامم المتحدة الشهر الماضي، فإن هناك سؤال يطرح نفسه، وهو متى ستتحقق هذه الدولة على ارض الواقع، وهل ستسمح اسرائيل بقيام هذه الدولة وما شكلها وما هي حدودها؟

لا شك ان هذا الاعتراف انعش الامل بقيام هذه الدولة المنتظرة، ولم تكن فرحة الشعب الفلسطيني بهذه الخطوة الا تعبيرا عن الشوق للعيش في دولة مستقلة وحرة، ولكن يجب ان لا نراهن على قيام الدولة سريعا والعيش في الاوهام، لان الاحتلال لم يغير من تصرفاته، وانما بالعكس زاد من تعنته وعطاءاته للبناء في الاراضي الفلسطينية.

يبدو انه من غير الممكن الوصول الى حل للقضية الفلسطينية الا عن طريق المفاوضات التي تصرعليها اسرائيل ومن وراءها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، فأي عودة للمفاوضات يجب ان تكون على أسس واضحة ووضع شروط مسبقة من قبل الجانب الفلسطيني كوقف الاستيطان وتحديد جدول زمني لانتهاء هذه المفاوضات، وليس الاستمرار بها الا ما لا نهاية لمجرد المفاوضات كما يريدها الجانب الاسرائيلي، والاهم من ذلك هو اطلاع الشعب الفلسطيني على ما يجري في هذه المفاوضات لانه هو المعني الاول والاخير، وهذه المفاوضات ستحدد في اي اتجاه تسير قضيته، وهذا الشعب هو المرجعية التي يجب على القيادة الرجوع اليها والاعتماد عليها، لا اخذ قرارات أنية ترضي الفريق المفاوض فقط وما يرتئيه صائبا.

فالشعب الفلسطيني الذي يعاني التهجير والقتل والسجن من قبل الاحتلال الجاثم على ارضه يريد الخلاص منه بأسرع وقت ممكن، ولكن هذا لا يعني ان نصل سريعا الى حلول تنتقص من حقوقه، وهذا في حال حصوله سيخلق حالة من المعارضة من قبل فئات كبيرة من الشعب الفلسطيني والفصائل، مما سيؤدي الى ابقاء الصراع مفتوحا مع دولة الاحتلال، وانقسام الشعب الفلسطيني مجددا، ومن هذه القضايا المهمة التي لا يحق لاحد التصرف بها هي قضية اللاجئين التي تُعتبر لب الصراع مع هذا العدو، ولا يقبل اللاجئون بأي بحل غير الرجوع الى بيوتهم وقراهم التي هُجروا منها.

اما على الجانب الاخر يلاحظ ان هناك قلق اسرائيلي بعد الاعتراف بدولة فلسطين، وامكانية الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية من قبل دولة فلسطين مما سيعرض قادة الاحتلال الى المحاكمة على الجرائم التي يرتكبوها كل يوم بحق الفلسطينيين، وبحق الارض الفلسطينية التي تُسرق ويتم بناء المستعمرات على ارضها.

اما السبب الثاني الذي زاد من قلق القادة الاسرائيليون هو الموقف الاوروبي الذي ادان دولة الاحتلال بعد قرار تنفيذها اعمال بناء استيطانية واسعة في الضفة الغربية ومخططات بناء ثلاثة الاف وحدة سكني في المنطقة quot;اي1quot; الواقعة بين القدس الشرقية والكتلة الاستيطانية معاليه أدوميم التي من شأنها قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها، مما يجعل اقامة دولة فلسطينية اكثر صعوبة، ويبدو ان اسرائيل طوعيا لن تقوم بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية، ولذلك يجب على الفلسطينيين العمل سياسيا ودبلوماسيا لاقناع اوروبا والعالم بمقاطعة وعزل دولة الاحتلال، والضغط عليها من اجل وقف الاستيطان والانسحاب من الاراضي المحتلة.

فقادة الاحتلال يتصرفون من موقع القوة، ويتفوهون بعبارات فضفاضة حول السلام دون تقديم اي تعهدات بالنسبة للانسحاب من الاراضي المحتلة، أو حل اي مسألة من المسائل الكثيرة والشائكة مثل قضية القدس والحدود واللاجئين، وانما يدور الحيث عن السلام دون اجراءات عملية على الارض، وخير دليل على ذلك ما قاله وزير خارجية العدو الصهيوني افغيدور ليبرمان انه اذا كان الفلسطينيون يريدون السلام فانهم سوف يحصلون عليه، واذا كانوا يريدون الحرب فانهم سوف يواجهون حربا.

هنا لا يلاحظ بأن اسرائيل غير مستعدة لتقديم اي حل للشعب الفلسطيني يلبي طموحاته، فمن غير المعروف على أي اساس سيقام هذا السلام الذي يتكلمون عنه، فالطرف الذي يحتاج الى السلام هو الطرف الفلسطيني، فهو المعتدى عليه والمسلوبة ارضه، ولذلك ينتظر الفلسطينيون انهاء الاحتلال أولا ومن ثم من الممكن الحديث عن السلام الذي ينشده الفلسطينيون طوال الوقت، ولكن هذا السلام من غير الممكن تحقيقه قبل الحصول على الحقوق كاملة.

ان من يسمع ويقرأ تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يلاحظ بأن السلام بعيد المنال وان حديثه عنه هذا السلام مجرد كلام فارغ، وان اقامة الدولة الفلسطينية اخر ما يفكر به قادة العدو، ويؤكد نتنياهو ان بلاده لا تزال ملتزمة بالمفاوضات مع جيرانه الفلسطينيين ويريد سلاما حقيقا، يبدو ان نتنياهو من خلال هذه التصريحات يريد امتصاص موجة الغضب الاوروبي من قضية الاستيطان، واقناع العالم بانه يريد المفاوضات والسلام، ولكن لن يستطيع خداع الفلسطينيين مرة اخرى بالمفاوضات لمجرد المفاوضات.

بلا شك ان اقامة الدولة الفلسطينية كما يريدها الشعب الفلسطيني من الصعب تحقيقه في المدى القريب، ويبدو ان الصراع مع العدو الاسرائيلي ما زال طويلا، وعلى الاطراف الفلسطينية في حال اتمام المصالحة عدم اغفال اي من الخيارات، خيار المفاوضات الجادة وخيار المقاومة، فيجب اعطاء المفاوضات فرصة اخيرة ووقتاً محدداً، فالشعب الفلسطيني لا يستطيع الانتظار عشرين سنة اخرى من المفاوضات، ويجب أيضاً إبقاء المقاومة بكامل جهوزيتها، لانه في حال فشل المفاوضات لن يبقى امام الفلسطينيين سوى المقاومة بكافة اشكالها، ومقارعة دولة الاحتلال بكل الاساليب من اجل اجبارها على الانسحاب واقامة الدولة الفلسطينية.


كاتب وصحفي فلسطيني