ثمانون عاما مرت منذ ان قررت بريطانيا العظمى ايام زمان تأسيس الدولة العراقية الحديثه من دمج ثلاث ولايات عثمانية هي الموصل وبغداد والبصره اثر قرار اتخذته وزارة المستعمرات حول الشرق الاوسط في القاهره عام 1920، دون أي اعتبار لارادة المكونات الطائفية والعرقية لهذه الولايات الثلاث وكان ان رفضها سكان البصره قبل غيرهم اذ طالبوا اما بكيان خاص او ان يكونوا جزء من السعوديه ورفضها الكورد الذين كانوا يتطلعون الى تنفيذ البريطانيين لتعهداتهم بمنحهم كيانا مستقلا وكانت الموصل الى عام 1925 جزء من تركيا وانظمت الى العراق بعد ذلك.
ثمانون عاما وهذه الدولة لم تستطع ان تكون دولة الهوية الوطنية الواحدة والانتماء الواحد، تعددت الاسباب والنتيجه هي ما نراه اليوم فرئيس الوزراء العراقي يعمل جاهدا على فرض سلطته المطلقه على كل العراقيين و قولبتهم طائفيا وعرقيا وفق نظرية الحزب القائد والقائد الضروره بدلا من تعزيز الهوية العراقية وثقافة المواطنه على اساس المساواة في الحقوق والواجبات وخلال ستة اعوام من حكمه كرس كل جهوده وجهود مؤسسته دولة القانون على ابعاد الاخرين، فالسنة ارهابيون والكورد انفصاليون والشيعه خارج دولة القانون متمردون ولان ماسبق لا يتفق لا مع روح العصر ولا مع الواقع المتغير في العراق والشرق الاوسط فان النتيجه الحتميه هي الحرب والتقسيم خاصة وان هناك اكثر من طرف اقليمي ودولي ينتظر هذه الفرصه بفارغ الصبر ليحصل على جزء من الكعكه العراقيه.
ثمانون عاما والمكونات العراقيه ان صح التعبير تدفع ثمن هذه التركيبه غير المتجانسه والمرغمه على القبول بالاتحاد القسري فيما بينها، وفي مقدمتهم الكورد الذين ذهبت جهودهم طيلة هذه العقود من اجل الاتحاد الاختياري ادراج الرياح ولم يستطيعوا مع كل ماقدموه ويقدمونه للدولة العراقية الحديثه من الحصول على قبول حقيقي لحقوقهم دون لف او دوران او تكتيك مرحلي لحين توفير مستلزمات التخلص منهم بما فيها استعمال اسلحة الابادة الجماعيه وتغير ديموغرافية مناطقهم وترحيلهم وتشتيتهم وهو ما حدث طيلة تأسيس الدولة العراقية الحديثه وان كانت تهدأ في فترات لتعود اكثر همجية ولا انسانية في فترات اخرى ولم تتوانى السلطة المركزية حتى في التنازل عن حقوق العراق وارض العراق لايران عام 1975 في اتفاقية الجزائر بدلا من الاتفاق مع الكورد حول كركوك والنتائج الكارثيه لهذه العقليه معروفه بما فيها حرب الثماني سنوات مع ايران ومن بعده حرب الكويت واخيرا سقوط النظام نفسه الى جهنم وبئس المصير.
ثمانون عاما وحكام بغداد يفكرون بعقلية الاستعمار الاستيطاني الذي يحاول الغاء الشعب الكوردي ووجوده وصهره في بوتقة عنصريه طائفية متخلفه وهي نفس العقليه التي تسيطر اليوم على بعض صناع القرار في بغداد والتي تعيد الاسطوانة المشروخة عن العمالة للاجنبي وان الكورد هم المسؤولون عن المأسي التي يعيشها العراقيون اليوم وهم دولة جاره عميله لاسرائيل وهم يستولون على 17% من ثروات العراقيين دون حق وهم يعملون على تقسيم العراق والخ هذه الخزعبلات.
الحقيقه المؤلمه هي ان بقاء مثل هكذا عقلية بعد ثمانية عقود من تأسيس الدولة العراقية الحديثه وكل التجارب المريره الباهضة الثمن تفترض اعادة النظر في جدوى بقاء هذه الدولة خاصة والكثير من المعادلات السياسيه التي تحكمت في مصير الشعوب خلال القرن الماضي اصبحت في ذمة التأريخ والمنطقة ككل مقبلة على تغيرات جذرية
ان امام صناع القرار في العراق فرصة اخيره لبعث حياة حقيقيه في المشروع القسري الذي بدأ قبل حوالي قرن من الزمان وجعله مشروعا وطنيا انسانيا يحترم حقوق مكوناته واتحادها الاختياري ويتمسك بالنهج الديموقراطي والتعدديه السياسيه والتداول السلمي للسلطه وعلى العكس فان الاستمرار في ممارسة سياسة الغاء الاخر والتسلط وعقلية الاستعمار الاستيطاني ستكون طلقة الرحمه على هذا المشروع بكل تأكيد.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات