في الوقت الذي يتجه فيه معظم المصريين في الخارج للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء علي الدستور الجديد،نجد أن الحيرة تستبد بهم وسط حالة عامة من عدم وضوح الرؤية،وعدم التأكد من التصويت بلا أو نعم!. كذلك نجد أن معظمم المصريين في الخارج تماما كما في الداخل منقسمين علي انفسهم، غير راضين عن أوضاع الوطن وأحواله، وكيفية إدارة الدولة.كلهم مستائين من حالة العقم السياسي البغيض التي تمر بها البلاد، ولا تخلف إلا البغض والكراهية في ظل تلك الحالة من الانقسام الكبير بين أبناء الوطن والذي لم تشهده مصر من قبل. الإشارات التي تصل إلي المهاجرين المصريين من ارض الوطن هي في الغالب سلبية وغير مشجعة، فالرئيس ومستشاريه زادوا من حيرة المصريين المهاجرين في الآونة الأخيرة،وهم يتندرون علي هذا الاهتزاز وذلك التراجع الرئاسي عن اغلب القرارات التي اصدرها الرئيس نفسه، وكان آخرها قرار فرض الضرائب علي خمسين سلعة في المساء، ثم التراجع عنها في الصباح، وهو الأمر الذي يكفي بالإطاحة بكل أركان الحكومة وهيئة المستشارين الذين يعملون مع وحول الرئيس. الشكوي بين المصريين المهاجرين، هي شكوي عامة من كل السفارات والقنصليات المصرية في الخارج، وهي تحتاج كغيرها من قطاعات الدولة الي سرعة الهيكلة،ولا بد أن يتم اختيار العاملين في الخارج من أصحاب الكفاءات والعقول الراجحة التي تفهم في تنظيم المصريين في المهجر، وتقوم بحصر النابهين والأكفاء من اجل الاستعانة بهم وقت الحاجة في مساعدة الوطن الأم،ولكن هيهات فكل عمل السفارات ينحصر في استخراج شهادات الميلاد والوفاة ولا يُعرف لها عملا آخر بين الجاليات المصرية إلا إرسال برقيات التهنئة في المناسبات القومية والدينية وبرقيات العزاء في المسؤولين في الدولة عندما يتوفاهم الله!!، وهذا هو الارتباط الوحيد بين السفارات المصرية والجاليات المصرية في الخارج. لقد حزن لمصريون عندما بشرتهم الدولة في وقت سابق بمشروع طرح أراضى لبناء العقارات في بعض المناطق السكنية في القاهرة والمحافظات، والمضحك في هذا الطرح أن تكلفة اقل قطعة أرض مطروحة تكفي لشراء شقة في أمريكا أو فيلا فاخرة في البرتغال. ورغم كل ذلك فإن أحدا لا يستطيع أن يفصل المهاجر المصري عن وطنه، والمهاجرون المصريون يتميزون بالصلادة والقوة وحب بلدهم وهم ينظمون انفسهم بأنفسهم، بل ويتميزون بقدرتهم الفائقة علي حمل الثقافتين معا فالمصري لا يخرج عن إطار الشخصية التي تربي ونشأ عليها في وطنه الأم،في نفس الوقت الذي يتعايش فيه مع ثقافة البلد الذي هاجر اليه دون أدني مشكلة.
هكذا رأي المصريون المهاجرون الذين يعيشون في دول ديمقراطية عريقة،إن مثل هذا القرارات الضعيفة والتردد الرئاسي في حسم الأمور، ونكوص الوعود،هي أمور كافية لإزاحة أي سياسي من منصبه. ففي ألمانيا علي سبيل المثال أجبرت صحيفة quot; البيلدـ تسايتونجquot; الألمانية واسعة الانتشار الرئيس الألماني السابق quot; كريستيان فولفquot; علي الاستقالة العام الماضي لخطيئة الكذب وعدم الشفافية،حيث انكر الرئيس اقتراضه مبلغ نصف مليون يورو من رجل أعمال صديق له،من أجل شراء بيت ولغياب الشفافية واللف والدوران والكذب المستتر استطاعت الصحيفة وفي وقت قصير جدا الإطاحة بالرئيس وأجبرته علي الاستقالة ضاربة مثل للعالم كله بعراقة الديمقراطية الألمانية التي لا تتستر علي فساد،فلابد لمن يحمل أمانة العمل في قيادة الدولة أن يكون الأكثر انضباطا وصدقا وأمانة واحتراما لمنصبه ومثلا يحتذي به من شعبه.
إذن ذهب المصريون في الخارج إلى تلبية نداء الواجب الوطني،وسط غياب الوطن نفسه عن قضاياهم، فالوطن لا يري فيهم إلا بقرة حلوب تدر الدولارات واليورو في بنوك الدولة،فالمصريون في الخارج وضعوا بلدهم في ترتيب الدولة السادسة عالميا في تلقي تحويلات مالية من أبنائها المهاجرين، رغم أن الدولة لا تقدم لهم أي مساعدات من أي شكل ولا لون، بل ولا حتي تسعي لإقامة أي جسور تربط بينهم وبين الوطن الأم،رغم أن باستطاعتهم بقليل من التنظيم ورعاية الدولة أن يصبحوا قوة كبيرة مؤثرة وفعالة في بلاد المهجر. لقد تم تغيبهم عن وضع الدستور الجديد،ولم يكن لهم تمثيل جد حقيقي لإيصال رغبات وطلبات المهاجرين، فلا أحد إهتم ولا أحد يهتم في الدولة.
إن فلسفة مد الجسور بين الوطن الأم والمهاجرين المصرين أو قل تجمعات المصريين والجاليات هي جد غير موجودة، فالسفارات لا تلعب هذا الدور، وظلت صورة السفارات والقنصليات في ما قبل الثورة هي نفسها في مرحلة ما بعد الثورة، وان الصورة لم تتغير بعد الثورة وظلت حالة الجمود التي تعيش فيها السفارات قائمة، فمثلا لا يستطيع المهاجر المصري أن يتلقى جوابا علي سؤال إلا إذا اشتري طابع بريد ولصقه علي خطاب وأرسله إلى السفارة حتي يأتيه الرد بداخله، وهذا أمر هزيل وصورة بائسة لسفارة دولة هي في الأصل مخصصة لرعاية مصالح أبنائها، بل أكثر من ذلك يجب عليها أن تزرع في المهاجرين وأبنائهم العزة والكبرياء وروح الوطنية حتي يبقي ولائهم دائما للوطن الأم.
- آخر تحديث :
التعليقات