ساعات قليلة وتبدأ الجولة الثانية الحاسمة (السبت 22 ديسمبر) للاستفتاء علي دستور مصر الجديد، حيث تؤكد حركة الأحداث (والأقدار) أن الأمور تسير نحو الموافقة عليه، بدءا من التصديق المتسرع من قبل الجمعية التأسيسية (المتأسلمة) بعد انسحاب ما يقرب من ثلث أعضائها (من علمانيّين ومسيحيّين) احتجاجًا، مرورا ب(تزوير) نتائج المرحلة الأولي (56.5 % نعم، و43.5 % لا)، وما بينهما من إعطاء الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر علي مسودة الدستور (قبل ثلاثة أسابيع من إجراء الاستفتاء)، والمظاهرات المحتدمة في ميدان التحرير وحول قصر الاتحادية بالقاهرة ومعظم الميادين في المدن المصرية الكبري (اعتراضا عليه) وإعلان بعضها في محافظات الدلتا (الإستقلال) عن حكم الإخوان، وسقوط عشرات القتلي والمصابين بأيدي ميليشيات الإخوان المسلمين (والبلطجية)، ومحاصرة السلفيين والجماعات الجهادية للمحكمة الدستورية العليا (التي علقت عملها) ومدينة الانتاج الإعلامي لإرهاب الإعلاميين، وإحراق مقر حزب quot; الوفد quot; الليبرالي واقتحام بعض أقسام الشرطة وتهريب المتهمين في جرائم خطيرة.
خلاصة الفقرة السابقة: أن هذا النص الذي ولد لقيطا هو دستور (غير شرعي) حتي ولو تم اعتماده من خلال الاستفتاء الشعبي، وبالتالي فهو لم - ولن - ينجح في لعب أي دور توحيديّ يعكس (توافق) المصريين، أو قل أنه (يقسم) المصريين (قبل أن يبدأ العمل به) إلي فسطاطين، ويدفعهم دفعا إلي دوامة من الفتن والحروب الأهلية خاصة مع الإنفلات الأمني المتعمد (والممنهج)، وفي ظل أزمة اقتصادية طاحنة (بلغ حجم الدين العام الداخلي ترليون وثلاثمائة مليون جنيها، وارتفاع نسبة البطالة إلى 25 %) وهو ما ينذر بثورة جياع سوف تقضي علي الأخضر واليابس (حسب فاروق العقدة محافظ البنك المركزي المستقيل: لا يستطيع أحد تأمين الوضع الاقتصادي في مصر حتي مارس 2013)، ما يعني أن الانهيار العام في بر مصر لن يتأتي علي مراحل أو بالتدريج وإنما سوف يكون شاملا ويحدث quot; دفعة واحدة quot;، وما الموافقة علي هذا الدستور غير التوافقي سوي quot; إشارة البداية quot; أو قل quot; النهاية quot;، وذلك للأسباب التالية:
أولا: تتضمن مسودة الدستور الجديد أكثر من (15) مادة تحول quot; مصر quot; من نظام دستورى إلى نظام الإفتاء الشرعى المختلف على ماهيته داخل تيارات الإسلام السياسى نفسها، خاصة المادة (219) التي تفسر المادة الثانية من الدستور: quot; الإسلام دين الدولة quot;، وتشدد على quot;المنابع الأصلية للشريعة والاجتهادات والأصول الفقهيةquot;. وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات متطرفة لمفهوم الشريعة، ناهيك عن الأخطاء والتفسيرات بحسب الميول والأهواء، فضلا عن تغيير طبيعة المجتمع وماهيته إلى نظام أشبه بنظام ولاية الفقيه أو ولاية مجلس الفقهاء السنى، حسب تعبير الدكتور محمود شريف بسيوني مؤسس المحكمة الجنائية الدولية.
ثانيا: تغيير هوية مصر المدنية quot; التعددية quot; إلي دولة دينية تخفي (ولاية المرشد) ndash; لا يعرف المصريون حتي الآن من الذي يحكم مصر بالضبط، وكيف تتخذ القرارات الرئاسية (المتضاربة)؟ - وهو ما يؤسس عمليا لدولة الخلافة الإسلامية حيث لا تمنع المادة الأولي في الدستور الجديد (دمج مصر مع دولة أخري)، كما تسمح المادة الثانية مع المادة الرابعة لمؤسسة الأزهر (غير المنتخبة) بتفسير الدستور بما يتناقض مع المحكمة الدستورية العليا، بل أنه لن يمر ndash; بعد اليوم - أي قانون من مجلس الشعب إلا بموافقة الأزهر، وهو ما يدمر مبدأ الفصل بين السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، المعمول به في النظم الديمقراطية المحترمة، ويخرج quot; القضاء quot; إلي غير رجعة من الساحة.
ثالثا: يعطي الدستور الحق لرئيس الجمهورية في تعيين كافة الأجهزة الرقابية في الدولة (بما في ذلك الأجهزة التي تراقبه هو شخصيا)، وهي إحدي النوادر الدستورية (الإخوانية) التي لم يجروء عليها النازي الألماني هتلر أو الفاشي الإيطالي موسيليني، أما المادة (150) من مسودة الدستور فهي تعطي الرئيس الحق في quot; تعديل حدود الدولة quot; بعد موافقة المجلس التشريعي، ومصدر الخطورة هنا ndash; كما يؤكد الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش ndash; أنها تدور حول أرض سيناء، والأعجب من ذلك أنه لم يحدث في تاريخ أي دستور في العالم أن يعطي لرئيس الدولة حق التنازل عن قطعة من أرض الوطن بموافقة مجلس تشريعي!